داخل صندوق خشبي، تضع الكاتبة الصحفية "فريدة الشوباشي" ألبومًا لصور الذكريات، الذي تعود إليه كلما اشتاقت إلى أن تعود لسنوات حملت إليها عبقًا من أريجِ عُمرٍ مرَّ .... في الصندوق وجدت " الشوباشي" صورة لها تجمع بينها و بين زوجها الكاتب الصحفي الراحل "علي الشوباشي"، وحفيدها " أدهم" ابن نجلها الوحيد "نبيل". تعود الصورة إلى عام 2000 وقتما كانت "فريدة" أثناء زيارة لنجلها الوحيد مع زوجها فى شقته بالمهندسين، حيث التقط "نبيل" لها الصورة التي يظهر فيها أيضًا والده وابنه "أدهم".. لم تتغير الروح فى مضمون الصورة، فارقتها وجوه، وتغيرت أخرى، لكن مازالت تلك الذكرى هى نقطة فاصلة فى حياة فريدة الشوباشي. تتحدث فريدة عن الصورة التى جمعت بينها وبين شريك حياتها "علي" وأول فرحة تطرق باب عائلتها الصغيرة بعد أن أتم حفيدها "أدهم" عامه الأول، تظهر في الصورة مرتدية ملابس موضة أول الألفيات ونظارة طبية تلتهم ملامح وجهها، تحمل وراء منها ابتسامة حانية تسددها نحو ذلك الطفل الصغير الذي أخذ يلوح يمينًا ويسارًا، بينما اكتفى جده باحتضانه وضمه إلى صدره وكأنها المرة الأخيرة التى سيراه فيها. تقول "فريدة": "انتظرت تسعة أشهر إلى أن رزقني الله بحفيدى، كنت وقت ميلاده في عملي وقتما كنت أشغل وظيفة كبيرة محققى تلفزيون شبكة "مونت كارلو" بباريس الناطقة بالعربية، وكنت فى إجازة". تصمت لبضع لحظات وتستطرد قائلة: "علي .. تُوفِىَّ بعد شهور من الصورة مع حفيدنا الذي ذهبنا في زيارة إليه كي نراه"، مشيرةً إلى أنها لم تنجب سوى ابنًا واحدًا، فوجدت فى مضمون عبارة "أعز من الولد.. ولد الولد" الخلاصة التي عبرت عن عمق النظرة المتفحصة التى ألقتها الشوباشي صوب حفيدها الذي اعتاد الجلوس في أحضان جده "علي"، كلما ذهبا لزيارته . تواصل: "الصورة دي بترجعنى 42 سنة من لحظة جوازي، وفرحتي بابني، وحفيدي اللى لما عرفت إن والدته "ستيفانى" حامل، صرخت بعلو صوتي من الفرحة وكنت أعد الأيام إلى أن يصل". وتتابع سرد ذكرياتها، قائلة: "الكاميرا التى تناولها نبيل في يديه ليلتقط الصورة التي مر عليها 14 عامًا، أحضرها والده من فرنسا، كانت الأغلى سعرًا والأعلى جودة، أحضرها من أجل لحظات الحياة التي تفاجئنا بها لتظل فى ذاكرتنا كلما افتقدنا تلك الذكريات". وتشير الشوباشي إلى أن الصور غير المتوقعة هى الأقرب لقلبها قائلة: "نبيل صورنا ونحن لم نكن متوقعين .. ضحك ولعب حفيدى أسَرَ كل تفكيرنا وسعادتنا، وهذا ما أعطى للصور مضمون أعمق". تحتفظ "الشوباشي" بالصورة داخل صندوقها الخشبي، كلما افتقدت زوجها والحفيد الذي لم يعد ذلك الطفل صاحب النظرات الثاقبة التى لا تخلو من الشقاوة، فأصبح شابًا يافعًا يبلغ من العمر 21 عاما، استعد لمفارقة أحضان جدته الصديقة لأول مرة من أجل دراسة السينما بباريس، تجلس على كرسيها الخشبي فى أحد أركان شقتها تخرج تلك الصورة، تتأملها بنظرة طويلة تصحبها تنهيدة توحي بسنوات مرت كالبرق "البيت كله صور لكن هذه الحاجة الوحيدة التي تعصر قلبى حزنًا وفرحة، الحزن من أجل "علي" - رحمه الله - لم ير حفيده كبيرًا، والفرحة لأنى كملت ما كان ينقصني مع نبيل في أدهم". حزم الأم مع ابنها اختلف فى تعاملها مع حفيدها المدلل، إذ أصر "نبيل" على تسجيل تلك اللحظة؛ لتتذكر والدته كيف كانت ترى "أدهم"، فهى تشير إلى أنها كانت أمًا بدون مسؤوليات، صديقة وفية لا تخشى صراحة حفيدها إذا أخطأ، فالعمر ليس عند "الشوباشي" سوى لحظة تستقطعها من حياتها إذ تقول: "متطبات سفرنا زمان كانت تجعلنا نقسو على ابننا بخلاف الحفيد الذي ظل وسيظل مدللًا، وهذا ما أحب في ابنى أن يترك لي ذكرى في صورة، فهو كان متفهمًا لطبيعة متطلبات الحياة فى تلك الفترة.. وكلما انظر في الصورة اتذكر أنه لا أحلى من أن تجدد الأم أمومتها مع حفيدها وخصوصًا لو كان الأول والأخير".