تنسب كتب التاريخ إلى «الحسن الصباح» براءة إنشاء ما يسمى بفرقة «الحشاشين». نشأ «الصباح» فى بيئة تؤمن بالمذهب الاثنى عشرى، وظل على قناعته به طيلة سنى طفولته، لكنه تحول فيما بعد إلى المذهب الإسماعيلى، وكان السر فى ذلك -كما يشير المؤرخون- محنة مرض مر بها، فأخذ يقرأ فى الكتب التى تشرح هذا المذهب وتعلم الكثير على أيدى معلمين «إسماعيليين»، إلى أن آمن به إيماناً لا يهتز. كانت الدولة الفاطمية حينذاك هى الترجمة السياسية لهذا المذهب والإطار المنظم الذى يجمع بين المؤمنين به، وعندما تحول «الصباح» إلى المذهب الإسماعيلى كانت هذه الدولة تمر بمحنة كبرى فى عصر الخليفة المستنصر، انتهت كما شرحت لك بسيطرة أمراء الجيوش على الخلافة: «بدر الجمالى» ثم «الأفضل الجمالى». وقد كان الحسن الصباح فى زيارة لمصر حينما نشب الخلاف على تسمية ولى عهد الخليفة «المستنصر»، وانتهى الأمر بتولية الابن الأصغر «المستعلى»، خلافاً لثوابت المذهب الإسماعيلى التى تضع الإمامة فى شخص الابن الأكبر للإمام الراحل. مكث الحسن الصباح فى مصر ثلاث سنوات تنقل فيها بين القاهرة والإسكندرية، ويقال إنه التقى خلال هذه الزيارة بالخليفة المستنصر وسأله عن ولى عهده فأجابه بأنه ولده الأكبر «نزار»، ويشير مؤرخون آخرون إلى أن هذه الزيارة لم تقع. فى كل الأحوال كان الحسن الصباح يعتقد فى أحقية الابن الأكبر للمستنصر فى ولاية عهده، تطبيقاً لمبادئ المذهب الإسماعيلى، وقد اختلف اختلافاً عنيفاً مع «بدر الجمالى» بسبب تأييد الأخير تولية «المستعلى» (الابن الأصغر للخليفة المستنصر)، وقد دفع ذلك ب«الجمالى» إلى سجن «الحسن الصباح»، ثم قرر طرده بصورة نهائية من مصر، فخرج منها فى لحظة كانت الخلافة الفاطمية التى تحلقت حول «المذهب الإسماعيلى» تتهاوى. كان «الجمالى» يرى أن وجود «الحسن الصباح» فى القاهرة خطر يهدد كيانه، فزج به إلى السجن بمدينة دمياط، ولم يكتف بذلك، بل قرر إخراجه إلى المغرب، لكن الريح قذفت بالسفينة التى حملته -كما يقول المؤرخون- إلى سواحل الشام، فنزل بها ثم انتقل إلى بغداد، ومنها إلى إقليم خوزستان الذى كان مركزاً للدعوة الإسماعيلية. وأخذ «الصباح» يردد أن «المستعلى» اغتصب الخلافة عنوة من «نزار»، وحاول بكل الطرق أن يثبت الإمامة لنزار، وشرع فى التأسيس لدولة شيعية تتحلق من جديد حول المذهب الإسماعيلى. بدأ «الصباح» يبحث عن ملجأ آمن ومخبأ سرى يستطيع أن يجعله مركزاً لدعوته، ووجد ضالته فى قلعة «ألموت» التى شيدت فوق جبل، وأصبح من ساعتها يلقب بشيخ الجبل، وتحلقت من حوله طائفة تصفها كتب التاريخ ب«الحشاشون». وقد كان «الحشاشون» يخضعون خضوعاً كاملاً لسلطة وسلطان شيخ الجبل، وكانوا على استعداد لتنفيذ أية أوامر تصدر منه، حتى ولو تمثلت فى إزهاق أرواحهم بأيديهم، أو القيام بعمليات اغتيال لخصوم سياسيين قد ينتج عنها أن يلقى الشخص حتفه. ويشيع البعض أن الحسن الصباح كان يستخدم مخدر «الحشيش» للسيطرة على أتباعه، بالإضافة إلى الحديقة التى بناها وشيدها وشق فيها الأنهار وتزاحم فيها الحسان والغلمان فى مشهد يتشابه مع الوصف القرآنى للجنة. وكان «الصباح» يسقى المريد شراب الحشيش، ثم يدخله هذه الحديقة، لينعم بما فيها من أطايب، ثم يخرجه منها ويطلب منه القيام بعملية اغتيال معينة، ويعده فى حالة موته بإدخاله من جديد إلى هذه الجنة ليخلد فيها أبداً!. ويصف ابن الأثير الحسن الصباح قائلاً: «كان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً، كافياً، عالماً بالهندسة، والحساب، والنجوم، والسحر، وغير ذلك». ووصفه فى موضع آخر ب«الشجاعة والرأى والتجربة». معنى ذلك أننا أمام شخصية كاريزمية تتمتع بقدرة عالية على التأثير والقيادة وتحريك الأتباع بالصورة التى تخدم أهدافه، وقد تعددت محاولات إسقاطه والاستيلاء على قلعة «ألموت»، لكنها جميعاً باءت بالفشل، بسبب قوة بأس جنده وقواده الذين كانوا على استعداد للتضحية بأنفسهم فى سبيل ما يؤمنون به. وظل «الصباح» يعيش داخل قلعته الحصينة إلى أن أصابه المرض ومات. ومن العجيب أن من يتهمه البعض بتأليف فرقة «الحشاشين» واستخدام «المخدرات» فى إخضاع أتباعه عاش خمساً وثلاثين عاماً فى قلعته يمنع كل من فيها من شرب الخمر. ولم تكن شدته على خصومه فقط، بل على أقرب أقربائه أيضاً، فقد أعدم أحد أبنائه لشربه خمراً، وأعدم ابناً آخر له بتهمة ثبت فيما بعد براءته منها، وكان يشير إلى إعدام أبنائه ليروع كل من تسول له نفسه الاعتقاد بأن الحسن الصباح يقول ما لا يفعل!.