فى مقهى الكرنك بالقاهرة، يعقد الكاتب المعروف طه الغريب ندوته الأسبوعية وسط المثقفين، إلى مجلسه يتسلل طلبة الجامعة الشبان، زينب دياب وخطيبها وزميلها إسماعيل الشيخ وثالثهما حلمى حمادة، الأخير يرتبط بعلاقة عاطفية مع «قرنفلة»، صاحبة المقهى، فى المقهى تدور المناقشات السياسية حول الأوضاع فى البلد منتصف الستينات من القرن الماضى، يتساءل الجميع عن الأسباب التى تدفع النظام المصرى لأن يرسل بالجيش إلى اليمن، يدافع «إسماعيل» و«زينب» عن القرار، كلاهما يعتبر نفسه ابناً لثورة يوليو، استفاد من إنجازاتها؛ إذ لولاها ما تعلما ولا دخلا الجامعة وهما الفقيران المعدمان، غير أن لحلمى حمام، ابن الطبقة المتوسطة، رأياً آخر، يعارض ما وسعه المعارضة، ويجد صدى لحديثه ضمن الحاضرين فى المقهى، تدور الدائرة فإذا بالطلبة الثلاثة ضيوف فى أحد مقرات الأمن عقب القبض عليهم من منازلهم بتهمة الانتماء إلى جماعات محظورة، وفى المقر الأمنى يتعرفون على خالد صفوان، رجل الأمن القوى، الذى يجرى معهم تحقيقاً لا يخلو من العنف والتعذيب لإجبارهم على الاعتراف بأشياء لم يفعلوها، ينفى الشباب فتتصاعد وتيرة التعذيب: الجلد بالسياط، إطلاق الكلاب المفترسة، الصعق بالكهرباء، وأخيراً الاغتصاب الذى تتعرض له «زينب» على يد «فرج»، أحد رجال «صفوان»، فتخرج من التجربة الأليمة لتعمل جاسوسة هى و«إسماعيل» على زملائهما فى الجامعة عقب الإفراج عنهما، غير أن القبض على «إسماعيل» و«حلمى» يتكرر مرة أخرى، ويواجهان التعذيب الذى ينتهى بقتل «حلمى»، فيما يتم التضييق على رواد مقهى الكرنك بدعوى حديثهم فى السياسة، وفى نهاية الأمر تقع نكسة يونيو كنتيجة طبيعية لسحق كرامة وإنسانية الناس، قبل أن يتولى «السادات» المسئولية فيفرج عن المعتقلين، ويعتقل الفاسدين، يصبح خالد صفوان نزيل المعتقل الذى يخرج منه «إسماعيل» شبه إنسان، ولا يستعيد روحه مرة أخرى إلا بانتصار أكتوبر 1973. فى عام 1975، أخرج على بدرخان فيلم الكرنك عن رواية للأديب العالمى نجيب محفوظ بنفس الاسم، وضع لها السيناريو والحوار الكاتب الراحل ممدوح الليثى، وبينما تنتهى رواية «محفوظ» بنكسة يونيو، تمتد أحداث الفيلم إلى حرب أكتوبر والانتصار الذى حققه المصريون، وكأن كاتب السيناريو أراد أن يوصل رسالة مؤداها أنه «بالحرية وحدها تنتصر الأمم وتعيش»، على أن الفيلم أحدث ضجة هائلة وقت عرضه، ليس فقط بسبب مشهد الاغتصاب الذى أدته سعاد حسنى بجرأة تُحسب لها، ولا بسبب الدعوى القضائية التى رفعها صلاح نصر، رجل المخابرات القوى فى عهد «عبدالناصر»، ليطالب فيها بمنع عرض الفيلم باعتباره يتعرض له شخصياً، ويقدمه فى صورة خالد صفوان، وبالطبع رُفضت دعوى «نصر»، وحكمت المحكمة بمواصلة عرض الفيلم بعد أن قالت فى حيثيات الحكم: إن صلاح نصر لم يكن مسئولاً عن استجواب المعتقلين، وبالتالى ليس هو المقصود بشخصية خالد صفوان الواردة فى الفيلم، لكن الجزء الأكبر من الضجة التى صاحبت الفيلم جاء فى الأساس من كونه يمثل إدانة كاملة لعصر «عبدالناصر»، ويدمغه بتهمة تعذيب المعارضين وقتلهم فى المعتقلات، وهو الأمر الذى وجد صدى فى منتصف السبعينات التى مثلت ذروة الهجوم المنظم على سيرة «عبدالناصر»، خاصة أن الفيلم تبعته موجة من الأفلام التى سارت على دربه بما يحلو للنقاد أن يسموه «كرنكة السينما». فى «الكرنك»، تألقت سعاد حسنى فى دور زينب دياب، ونور الشريف فى دور إسماعيل الشيخ، كما لعب محمد صبحى دور حلمى حمادة، وهو دور جاد جداً بعيد عن طبيعة الأدوار الكوميدية التى اشتهر بها «صبحى»، فى حين لعب عماد حمدى دور الكاتب طه الغريب، الذى يحتفظ له الناس بعبارته الخالدة التى نطق بها فى أعقاب نكسة يونيو: «ليه يا رب ما أخدتنيش قبل اليوم ده؟».