سعر الذهب اليوم السبت 4-5-2024 في مصر.. الآن عيار 21 بالمصنعية بعد الارتفاع الأخير    بلينكن يعتبر أن حركة حماس هي الطرف الوحيد الذي يحول دون وقف إطلاق النار في غزة    مفاجآت بالجملة في تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجونة    نشاط للرياح.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم السبت وحتى الخميس 9 مايو 2024    بلينكن: حماس عقبة بين سكان غزة ووقف إطلاق النار واجتياح رفح أضراره تتجاوز حدود المقبول    الحوثيون يعلنون بدء المرحلة الرابعة من التصعيد ضد إسرائيل    المالية: الانتهاء من إعداد وثيقة السياسات الضريبية المقترحة لمصر    لاعبو فريق هولندي يتبرعون برواتبهم لإنقاذ النادي    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    اكتشاف جثة لطفل في مسكن مستأجر بشبرا الخيمة: تفاصيل القضية المروعة    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    بعدما راسل "ناسا"، جزائري يهدي عروسه نجمة في السماء يثير ضجة كبيرة (فيديو)    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 4 مايو    بكام الفراخ البيضاء اليوم؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 4 مايو 2024    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مصر الثورة» كما تراها هيلارى كلينتون
إخوان «مرسى» كانوا مرتعشين فى تعاملهم مع الفلسطينيين وقلنا لهم: تذكروا أنكم الآن تمثلون قوة إقليمية كبرى
نشر في الوطن يوم 14 - 06 - 2014

هى السيدة الأولى سابقاً، وقد تكون أول رئيسة لأمريكا مستقبلاً. وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة فى عهد الرئيس «باراك أوباما» فى واحدة من أكثر فترات التاريخ اشتعالاً. فترة ثورات «الربيع العربى» التى كانت تحظى فى بدايتها بدعم واشنطن، قبل أن يصفها «أوباما» نفسه ب«الاضطرابات» التى أدت إلى فوضى لم يكن يتخيلها أحد. «هيلارى كلينتون» نشرت مذكراتها. صدرت الثلاثاء الماضى، فى كتاب فى الولايات المتحدة تحت عنوان «خيارات صعبة»، حاولت فيه الوزيرة السابقة أن تنقل شهادتها حول ما جرى على أرض مصر فى فترة توليها وزارة الخارجية. «هيلارى» كانت شاهدة على ثورة يناير، وعلى سقوط حكم مبارك، وعلى ارتباك وتخبط شباب الثورة، ودقة تخطيط صعود الإخوان للحكم. تقول «هيلارى» إنها كانت شاهدة، بينما يقول البعض إن أمريكا كلها كانت «شريكاً» فيما يحدث فى مصر، وهى التهمة التى تنفيها «هيلارى» بإلحاح فى مذكراتها، تماماً كما تنفى أى صلة لها لاحقاً بصعود جماعة الإخوان. تنشر «الوطن» فصولاً من شهادة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عن الفترة التى انقلب فيها تاريخ مصر. بكل الرتوش التجميلية التى أضافتها «هيلارى» على صورتها، وكل حنكتها السياسية التى تعرف ما الذى تريد تمريره بالضبط لقارئها، مراهنةً على ذكائه أو حتى على غبائه أحياناً. فى النهاية، هذا هو تاريخ مصر من وجهة نظر «هيلارى كلينتون»، وللقارئ الذى عاش بنفسه هذا التاريخ، القدرة على الحكم عليه.
تدرك هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، واللاعبة القديمة والعتيدة على الساحة السياسية الدولية، أن ما يحدث فى غزة قد يبدأ أحياناً فى إيران، وأن حل أزمة ما فى إسرائيل يبدأ أحياناً من تركيا. لا يوجد من يمكنه أن يرسم صورة لتعقد الخريطة الإقليمية فى المنطقة فى السنوات الأخيرة أكثر من وزيرة خارجية أمريكا التى كانت تنظر للصورة الشاملة لتحقق منها أقصى استفادة ممكنة، أياً كان اللاعبون الذين تتعامل معهم.
فى 2012، كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حليف واشنطن القديم، قد خرج من السلطة، على الرغم من طول «شراكته» مع الولايات المتحدة فى رعاية عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحفاظه طيلة فترة حكمه على معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية. وكان أول اختبار للوساطة المصرية فى المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، فى مرحلة ما بعد «مبارك»، هو اتفاق وقف إطلاق النار الذى كانت واشنطن تسعى إليه بعد أن أطلقت إسرائيل عملية «عمود السحاب» ضد غزة، وصارت على استعداد لاجتياح القطاع برياً رداً على إطلاق «حماس» صواريخ ضدها. وهو الاتفاق الذى تم بالفعل برعاية محمد مرسى، بشكل جعله فى تلك اللحظة، هو «أهم رجل فى الشرق الأوسط»، على حد تعبير مجلة «تايم» التى وضعته على غلافها وقتها.
تروى هيلارى كلينتون فى مذكراتها عن بداية الأزمة التى وضعت «مرسى» فى دائرة الضوء العالمية بعد فترة وجيزة من وصوله للحكم. تقول: فى سبتمبر 2012، تم تدمير شحنة من الأسلحة والصواريخ فى جنوب الخرطوم كانت فى طريقها إلى غزة. وجهت السلطات السودانية أصابع الاتهام كعادتها فى السنوات الأخيرة ضد إسرائيل، بينما رفض الإسرائيليون التعليق على الموضوع. لكن أحد المسئولين فى وزارة الدفاع الإسرائيلية قال صراحة: إن السودان مدعوم من إيران. وهو يستخدم كطريق لتمرير الأسلحة الإيرانية ل«حماس» وللإرهابيين فى جماعة الجهاد الإسلامى عبر الأراضى المصرية.
وتتابع: والواقع أن أحداً لا يمكنه إنكار أن دولة السودان لها سجل حافل فى الإرهاب. لقد استضافت أسامة بن لادن فى بداية التسعينات، وصنفتها وزارة الخارجية الأمريكية ضمن الدول الراعية للإرهاب. كما حافظت الخرطوم على صلات وثيقة بكل من إيران وحركة حماس. وبعد حادثة قصف أحد مصانع الأسلحة فى السودان، اتجهت سفينتان حربيتان إيرانيتان إلى ميناء بورسودان كنوع من التضامن، وزار خالد مشعل الخرطوم بعدها بأسابيع قليلة.
وتواصل «هيلارى»: لو وضعنا كل تلك القطع معاً، فسنجد أن كل تلك التطورات الإقليمية: إطلاق صواريخ من غزة على إسرائيل، والاضطرابات وعدم الاستقرار الواضح فى شبه جزيرة سيناء، وتهريب الأسلحة من السودان، والتدخلات الإيرانية، والألاعيب القطرية فى المنطقة، كلها عوامل ساهمت فى أن يكون الوضع فى الشرق الأوسط قابلاً للانفجار فى أى لحظة، وهو ما كاد يحدث بالفعل فى نوفمبر 2012.
وتتابع: فى 14 نوفمبر 2012، كنت مع وزير الدفاع «ليون بانيتا»، ورئيس هيئة الأركان المشتركة «مارتن ديمبسى»، ووسط ذلك الاجتماع، تلقى «بانيتا» اتصالاً هاتفياً من وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك، يخبره فيه بأن الجيش الإسرائيلى يستعد لإطلاق غارة جوية كبيرة ضد الميليشيات فى غزة. لم يكن أحد فينا قادراً على تخيل حرب جديدة فى الشرق الأوسط، لكن هذا الوضع كان فى منتهى الخطورة.
قلت لوزير الدفاع إن رد الفعل الإسرائيلى كان مفهوماً. كانت صواريخ «حماس» التى تطلقها على إسرائيل تزداد تطوراً، ودقة فى إصابة أهدافها، وتزداد خطورة للدرجة التى تهدد فيها «تل أبيب» مباشرة. لم يكن سكان «تل أبيب» قد سمعوا صفارات الإنذار من الهجمات الصاروخية عليهم منذ حرب الخليج الأولى التى أطلق فيها صدام حسين صواريخ «سكود» على إسرائيل عام 1991. من المؤكد أن لكل حكومة الحق فى الدفاع عن شعبها، لكن كان أى تصعيد للعنف فى هذه اللحظة يمكن أن يؤدى إلى تعقيد الموقف بشكل يصعب احتواؤه. ولم يكن أحد منا على استعداد لأن يرى من جديد اشتعال أزمة فى المنطقة كما حدث قبلها بأربع سنوات (فى عملية الرصاص المصبوب التى اجتاحت فيها إسرائيل ما يقرب من نصف قطاع غزة).
ووفقاً للجانب الإسرائيلى، شهد أسبوع واحد إطلاق ما يقرب من 1500 صاروخ من غزة. وأدى ذلك إلى مقتل ستة إسرائيليين وأكثر من مائتى مصاب، واضطرت عائلات إسرائيلية كاملة لإخلاء مساكنها بالقرب من غزة مع استمرار سقوط الصواريخ عليهم. فى الوقت الذى قتل فيه مئات الفلسطينيين فى الغارات الإسرائيلية التى أطلق عليها الجيش لقب «عمود السحاب».
وتقول «هيلارى»: كنت أتلقى متابعات أولاً بأول من سفيرنا «دان شابيرو» وطاقم سفارتنا فى إسرائيل. كان نائب وزير الخارجية الأمريكى «بيل بيرنز» يتفق معى فى أن هناك فرصة ضئيلة، ونافذة ضيقة يمكن أن تنفذ منها الحلول الدبلوماسية، وأن تحد من حدة تعقد الصراع.
وتواصل: اتصلت بوزير الخارجية المصرى الجديد محمد كامل عمرو، لأرى ما إذا كان هناك أى شىء يمكن لمصر فعله لو أرادت تقليل التوترات. قال لى كامل عمرو، رداً على الغارات الإسرائيلية على غزة: نحن لا يمكننا أن نقبل ذلك. وعلى الرغم من أن محمد مرسى القادم من جماعة الإخوان قد حل محل الرئيس «مبارك»، فإننى كنت آمل أن تظل مصر وسيطاً أساسياً للسلام. لذلك قلت لوزير الخارجية: أعتقد أن دوركم شديد الأهمية فى هذا الصدد. وأدعوكم إلى أن تقوموا بكل ما فى وسعكم للتقليل من حدة توتر الموقف.
بعدها طلبت منه أن تسعى مصر لمخاطبة «حماس» ومطالبتها بالكف عن قصف إسرائيل، لأن إسرائيل ترد فقط على «حماس» دفاعاً عن النفس. وأضفت: لا توجد دولة فى العالم قادرة على أن تظل ساكنة وهى تشاهد الصواريخ تقصف شعبها. فوافق «عمرو» على المحاولة، وقال لى: فلنأمل أن ينجح كلانا فى وقف هذا الجنون. نحن بحاجة للعمل معا وإلى تقارب جهودنا.
كنت أبلغ الرئيس أوباما أولاً بأول بتحركاتى للوصول لصيغة تفاوض وننسق معاً الكيفية التى يمكن أن نمارس بها ضغوطاً على حلفائنا فى الشرق الأوسط. كان الرئيس «أوباما» يتواصل مع «مرسى»، ثم يتشاور مع «نتنياهو»، ويعود بعدها للاتصال برئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، ليطالب كل الأطراف بأن تضغط من أجل الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار. وبينما كنا ندرس الوضع، شعرت أننا بحاجة لمزيد من الضغط المباشر لإتمام الاتفاق، وقررت السفر بنفسى إلى الشرق الأوسط فى محاولة لوضع حد للعنف.
وتقول «هيلارى»: لقد كان «أوباما» مدركاً تماماً لما يمكن أن يعنيه الأمر على الصعيد الدولى لو قررت أمريكا أن تتوسط مباشرة فى نزع فتيل أزمة فى الشرق الأوسط. فلو أننا حاولنا أن نكون وسطاء فى اتفاق لوقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل، وفشلنا كما كان يبدو مرجحاً جداً وقتها، إذن، كان هذا يعنى زعزعة مصداقية ومكانة أمريكا فى المنطقة. بل إنه كان من الممكن جداً، أن يؤدى أى تورط أمريكى مباشر إلى نتيجة عكسية، تضر بعملية السلام ككل، وتدفع الطرفين إلى اتخاذ مواقف أكثر تشدداً.
وتواصل: وعلى الطائرة، فى طريقى إلى «تل أبيب» لبدء التفاوض حول وقف إطلاق النار، استعرضت فى ذهنى حجم تعقيدات الأزمة التى وجدت أمريكا نفسها فى قلبها. الواقع أنه لا يمكنك أن تفهم حجم تعقيدات الأزمة فى غزة من دون أن تفهم «المسار» الذى مرت به صواريخ حماس قبل أن يتم إطلاقها نحو إسرائيل. منذ انطلاقها من إيران، ومروراً بالسودان، وحتى وصولها إلى «حماس»، وما تعنيه هذه الصلات والمسارات بالنسبة للأمن الإقليمى. هذه الصواريخ أيضاً تزداد تعقيداً وتطوراً تكنولوجياً، ويزداد معها تطور قدرات إسرائيل على الصد، لكن من منهما سيغلب الآخر؟
وتتابع: ينبغى أن نضع فى الاعتبار أيضاً، تعقد الصراع فى سوريا، الذى أدى لانقسامات بين «حماس» السنية، وقادتها القدامى من الشيعة فى دمشق وطهران، فى الوقت الذى يشهد صعود جماعة الإخوان السنية فى القاهرة. ثم إن تزايد الاضطرابات فى سيناء كان يضع ضغوطاً على الحكومة المصرية الجديدة، وكانت إسرائيل فى تلك الفترة تتجه نحو انتخابات جديدة وكان تحالف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعيداً كل البعد عن التماسك. إلى أى مدى يمكن أن تؤثر السياسات الإسرائيلية الداخلية على موقفها مما يحدث فى غزة؟
وفى تمام العاشرة صباحاً من يوم 20 نوفمبر وصلت لمطار «بن جوريون» فى تل أبيب. جلست مع «نتنياهو» فى مكتبه ومجموعة صغيرة من مستشاريه. قال لنا الإسرائيليون إنهم قد بدأوا بالفعل التفاوض مع المصريين الذين يمثلون «حماس»، لكنهم كانوا يتوقفون عند بعض القضايا الشائكة والصعبة التى طال تعقيدها مثل الحصار الإسرائيلى على غزة وحرية التنقل لأهلها، وحقوق الصيد على السواحل. كان «نتنياهو» وفريقه فى غاية التشاؤم حول إمكانية الوصول لأى اتفاق. وقالوا إنهم جادون بصدد إطلاق عملية غزو برى شامل لقطاع غزة لو لم يتغير الوضع. خاصة أن «نتنياهو» كان تحت ضغط كبير من الرأى العام الإسرائيلى لإتمام عملية الاجتياح البرى للقطاع، لكنه كان قلقاً أيضاً من التداعيات الإقليمية لما قد يقوم به. كيف سيكون رد فعل مصر؟ هل سيرد «حزب الله» من لبنان؟ كان «نتنياهو» يريد مخرجاً من الأزمة ولكن دون أن يبدو وكأن إسرائيل قد تراجعت فى مواجهة تحدى «حماس» لها.
وتواصل «هيلارى»: كان «مبارك» قد تنحى عن حكم مصر، ولم يكن الإسرائيليون يثقون فى البداية فى حكام مصر الجدد من الإخوان. وهو ما ألقى مزيداً من الضغط على دور الولايات المتحدة. قلت إننى سوف أطير للقاهرة فى اليوم التالى، وأردت أن أحضر معى وثيقة تفاوض أقدمها للرئيس «مرسى» كأساس للمفاوضات النهائية. كانت فكرتى أن أجد بعض النقاط التى يمكن أن يوافق الإسرائيليون عليها تحت الضغط، حتى يشعر «مرسى» أنه حصل على صفقة جيدة للفلسطينيين.
وتتابع: وفى ظهيرة يوم 21 نوفمبر، وصلت إلى القصر الرئاسى فى القاهرة، نفس القصر الذى شهد لقاءاتى مع «مبارك» عدة مرات من قبل. كان المبنى على حاله، لكن الإخوان الآن صاروا هم المتحكمين فى القصر. كان «مرسى» حتى الآن قد حافظ على معاهدة السلام مع إسرائيل. وهى المعاهدة التى ظلت تمثل حجر الزاوية بالنسبة للمنطقة لعقود. لكن كيف سيكون الوضع لو اجتاحت إسرائيل غزة؟ هل سيحافظ «مرسى» على دور مصر كوسيط للسلام ويقدم نفسه كرجل دولة للعالم؟ أم أنه سيستغل موجة الغضب الشعبى التى يمكن أن تندلع ساعتها ليضع نفسه فى صورة الرجل الوحيد فى الشرق الأوسط القادر على الوقوف فى وجه إسرائيل؟ كان علينا أن نضعه موضع اختبار.
وتتابع «هيلارى» فى مذكراتها: حاولت أن أشجع «مرسى» على أن يأخذ فى اعتباره دور مصر التاريخى فى المنطقة، وأن يفكر فى دوره هو فى مسار التاريخ. كان يتحدث بإنجليزية جيدة بحكم دراسته فى جامعة جنوب كاليفورنيا عام 1982 حتى 1985. كان يدقق فى كل عبارة فى نص وثيقة التفاوض ويقول: ماذا يعنى ذلك؟ هل تمت ترجمة ذلك بشكل صحيح؟ وفى لحظة قال «مرسى» تعليقاً على إحدى العبارات الواردة فى الوثيقة: «أنا لا أوافق على ذلك». فقلت له: ولكنك أنت نفسك اقترحت ذلك فى واحدة من مسوداتك الأولى. فقال موافقاً: «نعم صحيح.. ليكن!».
وتواصل: عبر كل تلك المفاوضات كان المصريون على الخط باستمرار مع قادة «حماس» وغيرهم من الفصائل الفلسطينية المتطرفة فى غزة. بل إن بعض قادة هذه الفصائل كانوا يجلسون ساعتها فى مكاتب تابعة للمخابرات المصرية عبر البلاد. أما فريق «مرسى»، الذين كان الحكم جديداً عليهم، فكانوا مرتعشين ومترددين فى تعاملهم مع الفلسطينيين، ولم يكونوا مرتاحين لفكرة الضغط على الفلسطينيين لإتمام الصفقة.
وتواصل «كلينتون»: لذلك، ظلننا نذكر رجال الإخوان أنهم الآن يمثلون قوة إقليمية كبرى، وأن مسئوليتهم الآن هى أن يثبتوا ذلك.
أبلغت الرئيس أوباما بالتطورات أولاً بأول، وتحدثت إلى «نتنياهو» عدة مرات. لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلى يتحدث مباشرة إلى «مرسى» لذلك قمت بدور الوسيط التليفونى فى مفاوضات هاتفية عالية المخاطر، بينما كانت سفيرتنا الرائعة فى القاهرة «آن باترسون» تخوض فى بعض التفاصيل شديدة الحساسية مع مستشارى «مرسى».
وتواصل: كان «نتنياهو» مصراً على الحصول على الدعم الأمريكى والمصرى لمنع وصول مزيد من الأسلحة إلى غزة. لم يكن يريد إنهاء الضربات الجوية على القطاع، ليجد نفسه بعدها فى نفس الموقف الحرج خلال عام أو عامين. وعندما مارست مزيداً من الضغوط على «مرسى» فى هذه النقطة، وافق على أن ذلك سيكون فى مصلحة الأمن القومى المصرى أيضاً. إلا أنه فى المقابل، أراد التزاماً بفتح حدود غزة للمساعدات الإنسانية بأقرب ما يمكن، ومزيداً من حرية الصيد للقوارب الفلسطينية فى سواحل غزة. وأبدى «نتنياهو» مرونة حول هذه النقاط بشرط أن يتلقى ضمانات حول تهريب الأسلحة ل«حماس» ووقف إطلاق الصواريخ منها. وشيئاً فشيئاً توصلنا لنوع من التفاهم حول وقف إطلاق النار.
وتضيف: وأخيراً، صارت كل القطع فى مكانها، وتلقينا اتصالاً من القدس ومن واشنطن يعلن الموافقة النهائية على اتفاق وقف إطلاق النار. وجثا عصام الحداد، مستشار «مرسى» للأمن القومى، على ركبتيه شكراً لله. وسار معى وزير الخارجية محمد كامل عمرو إلى مؤتمر صحفى مكتظ بالصحفيين لنعلن فيه أنه قد تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار. وتحدث «عمرو» عن مسئولية مصر التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، وحرصها على وقف إراقة الدماء. والحفاظ على الاستقرار الإقليمى، والواقع أنه لم يكن من الممكن أن تبدو حكومة الإخوان أكثر مصداقية مما كانت عليه فى تلك اللحظة. وقدمت من ناحيتى الشكر للرئيس «مرسى» على وساطته وأثنيت على الاتفاق، لكنى حذرت من أنه لا يمكن أن يوجد بديل لسلام شامل ودائم يضمن الأمن والكرامة والتطلعات المشروعة للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
وفى التاسعة مساء كما هو متفق، ساد الهدوء فى سماء غزة، بلا غارات إسرائيلية على القطاع ولا صواريخ تنطلق من القطاع ضد إسرائيل تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار. وفى شوارع غزة، خرج الفلسطينيون يحتفلون، بينما أعلن قادة «حماس»، الذين تجنبوا بأعجوبة اجتياحاً إسرائيلياً مدمراً، انتصارهم. وفى إسرائيل، تحدث «نتنياهو» بنبرة سوداوية قائلاً إنه ما زال من الممكن جداً أن يضطر لإطلاق عملية عسكرية أكثر عنفاً لو لم يستمر وقف إطلاق النار. لكن، وعلى الرغم من تلك المواقف المتضاربة، بدا لى أن المحصلة النهائية للموضوع قد سارت بشكل جيد بالنسبة لإسرائيل. ففى الوقت الحالى على الأقل، ظلت مصر شريكاً فى السلام، وهو أمر كان مشكوكاً فيه بشدة منذ سقوط «مبارك» ووصول الإخوان للحكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.