«بلا خدمات ولا إمكانيات ولا رحمة» استقبلت مديرية التربية والتعليم مراقبى امتحانات الثانوية العامة.. استراحات لا تختلف كثيراً عن «زنازين» السجون.. دورات مياه تتشابه مع مراحيض الشوارع.. «أسرّة حديدية بلا فرش ولا مراتب»، اللهم إلا قطعة من الإسفنج تقصم الظهر، بحسب كلام المراقبين. حتى المراقبات لم تتركهن قسوة المسئولين لدرجة جعلت إحداهن تستجير بزوجها كى ينقذها، وقررت أن تنام فى المسجد حتى يأتى ويتصرف فى أزمتها.. يأتى ذلك بينما نشر المتحدث الإعلامى باسم مديرية التربية والتعليم، على الصفحة التابعة للمديرية، تعليقاً تحت عنوان «وزارة التربية والتعليم تهدر المال العام» قال فيه إن مدينة الغردقة تحتاج عدد 70 مراقباً فقط، بينما أرسلت الوزارة 140 مراقباً، وهو ما اعتبره إهداراً للمال العام، ملمحاً إلى أن الوزارة تلقى باللوم على مدير مديرية التربية والتعليم بالمحافظة، وهاجم أيضاً المراقبين بقوله: «هما فكرين نفسهم إيه، عاوزين فنادق 5 نجوم». «الوطن» تجولت فى استراحات المغتربين بمختلف مدن البحر الأحمر لرصد أوضاعهم، وقال معلمون: إن الاستراحات غير آدمية وتأبى الحيوانات أن تسكنها، والأسرّة متهالكة ودون «فرش»، وهى عبارة عن فصول داخل مدارس كل فصل فيها مخصص ل5 مراقبين ينامون فيه على «البلاط»، والحمامات قذرة وتنقل الأمراض. واستفسرت بعض المعلمات: أين كرامة المرأة المصرية التى طالما ذكرها المشير السيسى، هل يقبل أن تنام وتقضى حاجتها مثل القطط فى الشارع؟ لقد أعلنت مديرية التربية والتعليم بمحافظة البحر الأحمر نهاية، الأسبوع الماضى، انتهاءها من الاستعداد لإجراء امتحانات آخر العام، إلا أن ما يتم على أرض الواقع بمقار لجان الامتحانات يخالف بيانات المديرية وتصريحاتها، ويبدو ذلك من خلال عدم جاهزية اللجان بمدارس المحافظة، فالمقاعد متهالكة والقمامة تملأ الفصول والمدارس، والحمامات والاستراحات غير آدمية. «الوطن» تجولت فى بعض لجان «الغردقة الثانوية بنات، والنقيب مبارك»، الخميس الماضى، بدا واضحاً عدم جاهزيتها لإجراء امتحانات آخر العام وفق ما أعلنته مديرية التربية والتعليم. وقال مراقبون، تحفظوا على ذكر أسمائهم، فى تصريحات ل«الوطن»، إن المعلم فى مصر ليس له قيمة ولا حقوق، وإنهم سوف ينامون على البلاط فى استراحاتهم التى خصصتها لهم مديرية التربية والتعليم بالبحر الأحمر، وإنهم تقدموا بشكوى إلى مدير ووكيل المديرية فنهراهم بشدة، وردا عليهم: «هو انتم فاكرين نفسكم هتناموا فى فنادق 5 نجوم؟!». من جانبها، أجرت «الوطن» عدة اتصالات بمدير مديرية التربية والتعليم لعرض ما رصدناه من مخالفات وإهمال جسيم، فى اللجان واستراحات المراقبين، ولكنه لم يرد على هاتفه. بينما عرضت «الوطن» الأمر برمّته على وزير التربية والتعليم، فقال إن كرامة المعلم من كرامته، وإنه لن يسمح بانتهاكها، وأضاف أنه قرر إرسال لجنة إلى الغردقة لفحص كل اللجان، وأماكن إقامة المراقبين. جاءت تصريحات الوزير بعد نشر «الوطن» صوراً لأحد أماكن إقامة المراقبين فى أحد فصول مدارس الغردقة المتهالكة وغير الآدمية، والتى خصصتها مديرية التربية والتعليم، حيث ظهرت تحتوى على مقاعد متهالكة وقمامة تملأ الفصول والمدارس، فضلاً عن الحمامات والاستراحات غير الآدمية. وصلت لجنة من وزارة التربية والتعليم، صباح الجمعة الماضى، إلى مدينة الغردقة، لفحص الاستراحات واللجان، تنفيذاً لقرار الوزير، كان بصحبتهم المهندس سرور إبراهيم، مدير مديرية التربية والتعليم بالمحافظة، بدأت اللجنة جولتها من مدرسة النقيب مبارك، الموجود بها استراحات مراقبى الثانوية العامة المغتربين، ورفضت اللجنة دخول محرر ومصور «الوطن» بينما نهر مدير المديرية، محرر الصحيفة وطرده خارج المكان، وكاد أيضاً سائقه الخاص أن يعتدى على كل من المحرر والمصور، لاعتراضه على نشر الحقيقة فى مأساة مراقبى الثانوية العامة. انتقلت «الوطن» إلى مدينة سفاجا للوقوف على طبيعة الأوضاع داخل لجان واستراحات المراقبين هناك. البداية كانت داخل لجنة مدرسة سفاجا الثانوية بنات، التى يؤدى فيها طلاب الثانوية العامة الامتحانات، الوضع لم يختلف عن استراحات ولجان الغردقة، التقينا فى بداية جولتنا عبدالرحمن إسماعيل حسن، رئيس اللجنة، وأخبرنا أنه كبير معلمى إدارة الوقف بمدينة قنا، ومنتدب لرئاسة إحدى اللجان بسفاجا، وقال: لم أرَ طوال حياتى إهانة مثل التى أراها بحكم عملى كمعلم، قطعت مسافة كبيرة من قنامسقط رأسى لمراقبة امتحانات الثانوية العامة التى تعد مرحلة مهمة جداً من مراحل التعليم، وكانت الصدمة عندما وجدت ذلك الوضع السيئ، المراقب تهان كرامته هنا، ينام كالمساجين داخل فصل بإحدى المدارس، بواقع 8 أشخاص فى كل فصل، لا توجد به تهوية، ونوافذه محطمة، بلا ستائر، أسرّة تشبه تلك التى فى السجون، مراتب رديئة من الإسفنج الرخيص، رقيقة مثل الورق، والحمامات غير آدمية، ومطلوب من كل مراقب توخى الحذر أثناء مراقبته سير الامتحانات، رغم كل ما يتعرض له من إهانة ومعاناة ومعاملة غير آدمية، فكيف يحقق هذه المعادلة الصعبة.. عمل متواصل وانتباه دائم دون أن ينام نوماً مريحاً؟ أصر رئيس اللجنة على اصطحابنا فى جولة لمشاهدة الاستراحات المخصصة للسيدات المغتربات، كانت فى مدرسة سفاجا الإعدادية، الملاصقة للجنة سفاجا الثانوية. فى الطابق الأول للمدرسة توجد دورة مياه واحدة، متهالكة، عبارة عن حمامات «بلدى» قديمة، تستخدمها السيدات، صعدنا إلى الطابق الثالث، وجدنا ثلاثة فصول، داخل كل منها، خمسة أسرّة، متهالكة مصنوعة من «السوست»، عليها مراتب من الإسفنج الرقيق، دون فرش، وجميع النوافذ دون ستائر، والأبواب محطمة، و«المراوح» بعضها يعمل والبعض الآخر معطل، وقال رئيس اللجنة: إن عدد المراقبات المغتربات 15، ستنام كل 5 مراقبات منهن داخل فصل واحد، معرّضات لكل شىء أثناء نزولهن من الطابق الثالث إلى الحمام فى الطابق الأول، وخاصة أن المدرسة مكشوفة على الشارع أمام المارة، وتساءل رئيس اللجنة: هل يقبل وزير التعليم ومساعدوه، تعرُّض زوجاتهم وبناتهم لمثل هذه المهازل التى تتعرض لها المراقبات. إحدى المراقبات قالت: «حسبى الله ونعم الوكيل، هل يقبل المسئولون بهدلتنا إلى هذه الدرجة، كيف ننام داخل فصول متهالكة بلا نوافذ مثل القطط الشوارع؟! وأخشى أن نتعرض لمكروه، وأكدت لنا أنها استدعت زوجها من «قنا» لمرافقتها طوال فترة انتدابها، لحمايتها والبقاء بجوارها حتى تنهى مهمتها فى مراقبة الامتحانات، وأنها لن تنام فى هذه الاستراحات، وستنام داخل أحد المساجد انتظاراً لحضور زوجها، وتساءلت المعلمة: أين كرامة المرأة المصرية من وعود الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسى؟ وأضافت: هل سيشعر بنا الرئيس ونحن ننام على البلاط، نحن معلمات ونساء مصر اللاتى تحدث عنهن الرئيس بكل فخر؟! انتقلنا إلى استراحات باقى المراقبين فى مدرسة الزهراء بسفاجا، والواقع كان أكثر مرارة وأشد قسوة، فهى عبارة عن 3 فصول، لإقامة 24 معلماً مغترباً من مراقبى الامتحانات، علمنا أنهم من محافظات بعيدة عن منطقة سفاجا، الأماكن المخصصة لإقامتهم موجودة فى الطابق الثالث، بالمدرسة، التقينا مع أمين محمود، معلم أول بمدرسة إمبابة الثانوية الصناعية فقال إنه موجود بصحبة 24 مراقباً من زملائه، منتدبين لمراقبة الامتحانات، موزعين داخل 3 فصول فى المدرسة، داخل كل فصل 8 أسرّة، صعدنا معه إلى الطابق الثالث، وقال: قطعنا مسافة طويلة فى السفر من القاهرة، حيث مدينة سفاجا، تنفيذاً لقرار الوزارة بانتدابنا للمراقبة، وجدنا استراحات متهالكة غير آدمية، وتجولنا معه لمشاهدة المأساة على الواقع. وكشف عن أن أسرّة الاستراحات متهالكة، مصنوعة من الحديد، عليها مراتب من الإسفنج المتهالك. وأشار إلى وجود ثلاجة واحدة متهالكة تخدم 24 شخصاً، وأن جميع الفصول خلت من أى أجهزة تهوية، وأنه وزملاءه قضوا يوماً كاملاً يتصببون عرقاً، لدرجة أن بعضهم أصيب بالاختناق، طرقوا أبواب كل المسئولين، اتصلوا بأحدهم فى إدارة سفاجا التعليمية، يدعى أحمد سعيد، قال لهم: «هوّ ده اللى عندنا»، كرروا الاتصال بمسئول آخر ربما يستمع إليهم، حتى أشفق عليهم عضو سابق بالمحليات، وأحضر لهم مراوح معلقة بالأسقف داخل الفصول. أضاف: «ننام على أسرة تقصم الظهر، وكأننا مذنبون نقضى عقوبة داخل سجن، ولا نعتقد أن السجون المصرية تعامل نزلاءها بمثل هذه القسوة التى نلقاها هنا من وزارة التربية والتعليم». مراقب آخر يُدعى محمود فهمى، مدير عام مدرسة السويس، قال إنه منتدب إلى سفاجا ومقيم بنفس المدرسة يقول: محدش يخبى على الرئيس السيسى، المأساة التى نتعرض لها هنا، المديرية خصصت لنا «زرائب»، نقيم فيها، هو ده حال المعلم وقدره عند الحكومة، التى تركت معلمين محترمين ينامون فى الشارع، لا بد أن يكتشف الرئيس بنفسه الفضائح، نحن نصنع الشاى فى «حلة»، ننام فى استراحات محطمة، طول عمر التعليم فى مصر إهانة وإهدار للكرامة، لن ينصلح حال التعليم إلا بنزول السيسى، ليكتشف بنفسه «المستخبى» والمستور. أضاف فهمى: «اتصلنا بمدير مديرية التعليم بالمحافظة، طلبنا منه توفير أدوات لإعداد الطعام والشراب، فلم يستجب لنا، بينما قال لنا مسئولون آخرون بالمديرية: «إذا كان عاجبكم هو ده اللى عندنا»، بعد كده بطلوا يردوا علينا». وأكد أن رئيس اللجنة ينام فى استراحة مميزة، بها تكييف، لكنه كمراقب ينام داخل «زريبة» فى مدرسة الزهراء خصصها المسئولون للمراقبين، ناهيك عن المعاملة غير الآدمية، فصول متهالكة وأبواب محطمة. وفى أثناء وجودنا داخل استراحة المراقبين، حضر مدير الإدارة التعليمية فى سفاجا، وطلب منا مغادرة المدرسة قبل أن يستدعى لنا الشرطة، قدمنا له بطاقة إثبات الشخصية، وأخبرناه أننا فى مهمة صحفية، بناء على رغبة مراقبى امتحانات الثانوية العامة المغتربين، الذين اتصلوا بنا طالبين الحضور للتعرف على مشكلاتهم داخل الاستراحات، قال لنا: إن المديرية فقيرة لا تملك إمكانيات حتى توفر فنادق 5 نجوم للمراقبين، وأكد لنا أن غالبية المحافظات توفر الاستراحات داخل المدارس: «روحوا حاسبوا الحكومة.. أنا عبد المأمور». بينما حدثت مشادة كلامية بينه وبين أحد المراقبين، الذى نهره بشدة، وقال له: «أنا موجود هنا منذ 20 يوماً ولم أرك، إلا عندما استغثنا بالصحافة، طوال مدة إقامتنا لم يسأل فينا أحد.. حرام عليكم»، وانفعل المعلم فى وجه مدير التعليم، ملمحاً: «نحن بشر.. إلى متى نظل نعيش فى هذه المهانة؟ أنتم كاذبون لا تقدرون قيمة المعلم، لقد طلبنا أشياء كثيرة كانت تنقصنا ولم يستجب لنا أحد، لقد حضرت موظفة أخبرناها بكل ما نحتاجه، وعدتنا بتوفير كل ما نحتاجه، لكنها اختفت ولم نرها بعد ذلك». يقول محمد كامل، معلم أول: هل يعلم وزير التعليم أو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أننا نعيش حياة مهينة، لا يوجد فى مصر أرخص من المعلم، والدولة هى التى أهدرت كرامتنا، فكيف تطالبنا أن نربى ونبنى الأجيال المقبلة ونحن نفتقد كل شىء؟! وأضاف كامل: «نحن نعيش هنا وسط الكلاب الضالة والحشرات، وكل ما وفره لنا المسئولون، ثلاجة وبوتاجاز مسطح قذر به أسطوانة غاز متهالكة، كانت تسرب الغاز علينا، وكادت أن تقتلنا جميعاً.