تتشح الأم بالسواد منذ أن طردوها هى وأطفالها وزوجها من عزبة الدكتور بمنطقة الطابية، من بيت إلى بيت.. هكذا هو حالهم «متمرمطين» طوال عام ونصف العام، قضوها خارج محل ميلادهم بسبب الرعب الذى يسيطر عليهم من قبل مجموعة من البلطجية والخارجين عن القانون، «رحمة» ابنة ال5 سنوات لا تمتلك سوى الصمت، بعدما فارقتها الضحكة، هى وأشقاءها «مدحت ومحمد»، فى الوقت الذى يحمل فيه رب الأسرة «محمد» ندبات وجروحاً قطعية كادت تودى بحياته بسبب «شهادة فى المحكمة»، وتظل «ماجدة» تضع يديها على خديها والأمل قد خاصمها، فتباغتها ابنتها «رحمة» بالسؤال: «هو إحنا مش هنرجع البيت تانى يا ماما.. شكل عيلة أبوليلة خدوا كل حاجة من هناك.. حتى العروسة بتاعتى»، ليصمت الجميع لحظة من الزمن وكأن الحياة قد توقفت، فالحضن الممزوج بالبكاء من الأم هو خير إجابة. هاتف «محمد» يرن، ليجد أن المُتصل هو أحد أفراد عائلة «أبو ليلة» يقول له فى صوت أجش: «إوعى تفتكر أن إحنا هنسيبك.. هنحزّنك على أعز ما تملك.. عيالك دول مش هتشوفهم أحياء تانى».. صوت المُتصل يخفت، يقابله رعب يتسلل إلى القلوب، وحشرجة تسيطر على الحناجر، الأم تنخرط فى بكائها، فيشاركها زوجها، بينما الأطفال يحتضنون بعضهم البعض.. «بعتولى تهديدات بإنى لو نزلت العزبة هيبهدلونى»، تقولها «ماجدة» وتضيف بأن التهديدات وصلت إلى حد أن العائلة ستقوم بتسليط «الحريم» عليها فى حال عادت إلى البلد: «قالوا إنهم هيقلّعونى هدومى وهيخلّونى أمشى عريانة.. طيب كل ده ليه.. إحنا عملنا إيه».. تنهار الأم وتضيف: «خدوا شقا عمرنا.. وبيهددونى فى مستقبل عيالى.. أنا أموت ولا حد يقدر يمس شعرة منهم». يرفع «محمد» قميصه فتظهر آثار «غز المطاوى» الذى ناله من أيدى عائلة أبوليلة: «كان عندى جلسة فى المحكمة.. شهدت على عيلة أبوليلة وأنهم تجار مخدرات وأن الشخص اللى اتقتل وقت الخناقة انضرب برصاصة منهم، قبل ما أروح المحكمة، عديت على المحامى، وأول ما نزلت، قابلنى متولى أبوالليل كان معاه مطواة غزنى بيها فى قلبى.. قلت له حرام عليك.. قال لى هو إنت لسه شُفت حاجة.. ده إحنا هنصفّيك هنا، لقيت مجموعة منهم داخلة عليّا وكانوا عاوزين يقتلونى، جريت على قد ما أقدر، لحد ما استخبيت، واتصلت بواحد من قرايبى وقلت له، عيال أبوليلة غزونى بالسكينة وأنا فى المستشفى.. قعدت أكتر من 15 يوماً، ومن يومها ما رجعتش البلد تانى». جسد «الأب» النحيل -بسبب إصابته بمرض شديد- لا يخلو من حبات الخرطوش: «وقت الخناقة أنا كنت بصلّح دش وريسيفر عند واحد من الأهالى، وأنا فى طريقى بالليل، لقيت ناس من عائلة أبوليلة، هاجمين على البلد بالسلاح، لقيت عربية بوكس كانت داخلة البلد.. استنجدت بيهم كان فيها مأمور شرطة قسم المنتزه، وبعد ما شافوا الوضع وضرب النار، سابونا ومشيوا، لما كنت فى طريقى للبيت أُصِبت بالخرطوش اللى ملا جسمى.. بعدها بكام يوم شيخ سلفى اسمه عادل عبدالعليم قال لأهل البلد إن الجيش هيدخل العزبة.. ونصحنا بأن إحنا نسيب البلد لفترة عشان محدش يحبسنا».. لم يكن يعلم «محمد» ما تخفيه نية الشيخ السلفى، وبعد عودتهم تيقن أن هناك صفقة بين الشيخ وعائلة أبوليلة للسيطرة على مداخل ومخارج البلد فى الوقت الذى ترك فيه أكثر من 36 أسرة البلد: «كان كل اللى بيدخل لازم يدفع فلوس.. أو يمضى على إيصالات أمانة على بياض لصالح عيلة أبوليلة». هاتف «ماجدة» يرن فتجد صوتاً نسائياً يُهددها: «إنتِ عيالك بيروحوا المدرسة.. مش خايفة عليهم.. ده ممكن نقتلوهم.. ونخلّصك منهم».. تفزع الأم قبل أن تجيب عليها: «عاوزين إيه من العيال.. مشكلتى إنى بدافع عن بيتى مش كفاية إنكم دمرتونا.. حسبى الله ونعم الوكيل».. كل ما يتذكره «حمدى» أكبر أطفال الأسرة هو «تخبيط الركب» الذى أصابه عندما كانت عائلة أبوليلة تقوم بإطلاق النيران بشكل عشوائى على بيوت الأهالى، بينما تحاول الأم أن تتماسك.. عندما ذهبت الزوجة لتحرير المحاضر ضد العائلة -التى تتمتع بنفوذ- قال لها «خالد شلبى» رئيس البحث الجنائى فى مديرية الإسكندرية: «كُتر المحاضر مش هينفعك».. ترى السيدة الأربعينية أن مشكلتهم الوحيدة تكمن فى «الضعف» الذى يشعرون به بعد إهانتهم وسرقة ممتلكاتهم: «بقالنا سنة ونص من بيت لبيت.. أنا تعبت خلاص.. اتمرمطنا وتعبنا.. ما إحنا نقدر نجيب سلاح ونضرب فى عائلة أبوليلة.. لكن إحنا مش مجرمين عشان نعمل كده».