ببطء شديد تنزل «أم سعيد» العجوز الطاعنة فى السن درجات سلالم متتالية، الواحدة تلو الأخرى، يتجاوز عددها 40 درجة رخامية، وتنزل مثلها أثناء الصعود فى الاتجاه المقابل لعبور نفق مشاة شبرا الخيمة، الممتد أسفل الشريط الحديدى للخط الثانى لمترو الأنفاق وقضبان السكة الحديد بمحطة شبرا وأسفل اتجاهى طريق مصر- الإسكندرية الزراعى، بعمق يتجاوز ال 25 متراً فى باطن الأرض، من أجل العبور من ميدان المؤسسة إلى مستشفى التأمين الصحى. السيدة العجوز التى لا تقوى على السير تتكرر معاناتها مرة واحدة أسبوعياً صباح كل يوم خميس، أثناء ذهابها إلى المستشفى، ولكن هناك المئات من المواطنين تتكرر معاناتهم بصفة يومية أثناء عبورهم هذا النفق الأكثر استخداماً فى المنطقة المزدحمة، التى يطلق عليها الأهالى لهذا السبب اسم «الصين الشعبية». النفق المخصص لعبور المشاة يتكون من حارتى مرور، وعلى جانبيه 6 مداخل ومخارج للنزول أو الخروج، تأخذ كل حارة شكل دائرة غير مكتملة لا يتجاوز قطرها مترين، وقد تم إنشاؤه بهدف ربط حركة المشاة بين شرق شبرا الخيمة وغربها، وتيسير حركة مرور ركاب مترو الأنفاق من قاطنى أقاليم الوجه البحرى القادمين إلى القاهرة يومياً عن طريق القطار أو الميكروباصات التى تستقر بموقف الأقاليم فى ميدان المؤسسة. ينتشر الباعة الجائلون داخل النفق الذى يتجاوز طوله 70 متراً، حيث يستغلون نصف الحارة المرورية لعرض بضاعتهم، بينما النصف الآخر يتزاحم فيه المارة، أحد الباعة الجائلين يبرر وجوده داخل النفق قائلاً «إحنا هنا بنشوف أكل عيشنا، مش أحسن ما نسرق أو نخرج نثبت حد على الطريق بره؟»، موضحاً أن كل بائع منهم له مكان ثابت يقف فيه ببضاعته ولا يستطيع بائع آخر الاستيلاء على مكان غيره أبداً. بينما يعتبر سعد عبدالله، أحد مستخدمى النفق بصورة شبه يومية أثناء ذهابه إلى عمله، أن «الباعة الجائلين إحدى المشاكل الرئيسية التى يعانى منها النفق، بسبب سيطرتهم على النفق، فهم من يحددون المساحة التى يتحرك فيها المواطنون، حيث تتراص بضاعتهم داخل النفق، مما يتسبب فى ضيق المساحة التى يتحرك فيها المارة». والمشكلة الثانية والمستمرة منذ إنشاء النفق، وفقا لمحمود عطا الله، مهندس مدنى مقيم بمدينة السعادة فى شبرا الخيمة، هى تسرب المياه الجوفية باستمرار داخل النفق، بسبب عيوب فنية فى عمليات الإنشاء. وعلى الرغم من إعادة ترميم النفق بعد ثورة 25 يناير بمعرفة شركة «المقاولون العرب»، سرعان ما تسربت المياه مجدداً من الجدران واستقرت فى أرضية النفق، وهو ما دفع الأهالى إلى السير على الحجارة لتفادى تجمعات المياه الراكدة بين جنبات النفق. مع نزول الليل تخشى نوال خيرى، ربة منزل، النزول إلى النفق بمفردها، خوفاً من تعرضها للتحرش أو السرقة بالإكراه، حيث يتسلل إليه الخارجون على القانون ويترصدون بمن يسير بمفرده، ولو تصادف وجود أحد المارة فإنه يخشى التدخل خوفاً من أن يصبح طرفاً فى المشكلة، ويساعد على ذلك أن حركة السير داخل النفق ليلاً تتسم بالهدوء الحذر، وقد شهد المكان قبل ذلك أكثر من حادث سرقة وتحرش، خاصة أن النفق يعانى من الغياب الأمنى، ولا يوجد به فرد أمن واحد، سواء من الشرطة أو الأمن الخاص. أسفل سقف النفق تتساقط أسلاك كهرباء كانت موصولة بلمبات كهرباء قبل أن تتم سرقتها من قبل اللصوص وأصبحت هذه الأسلاك تلامس رؤوس المارة، ما يعرض حياتهم للخطر الداهم. ويرى حسن مسعود أن سبب انقطاع التيار الكهربائى سواء ليلاً أو نهاراً هو الانخفاض الكبير للنفق عن مستوى الأرض، الأمر الذى يجعل النفق مظلماً تماماً، فيلجأ المارة إلى استخدام «كشافات المحمول».