تجذب الصورة دائمًا أعين الناظرين، وتعلق في الأذهان أكثر من الكلمات، فيعتمد عليها مرشحي الانتخابات للتعبير عن رسائلهم.. للصورة أهمية خاصة في مصر لانتشار الأمية، فيكون "البوستر" وصورة المرشح، نقطة التلاقي بينه وبين الناخب. في انتخابات 2012، كانت شوارع مصر أشبه بالكرنفال الاحتفالي، حيث لم يخل شارع من صور وبوسترات المرشحين ال13، بينما تبدل الحال في انتخابات 2014، التي مالت فيها الكفة لناحية المرشح عبد الفتاح السيسي، على حساب صباحي الذي استعاض عن قلة عدد البوسترات، بالظهور المكثف عبر شاشات التليفزيون، والمؤتمرات الانتخابية الشعبية. حاولت الباحثة الفرنسية، مارتين جولي، في كتابها مدخل إلى تحليل الصورة، أن توضح الأهداف والرسائل التي يحتويها الملصق الدعائي أو البوستر، وتشمل الرسالة اللغوية، وهى تختص بكل ما هو مكتوب في البوستر، بداية من الكلمات، من حيث الأشكال وطريقة الكتابة واللغة، ثم الرسالة البصرية وهى تعني كل ما هو موجود داخل البوستر من صور وكلمات، وأخيرا الرسالة التشكيلية التي تختص بالألوان ومعناها وتناسقها. وبتحليل بوستر حمدين صباحي في انتخابات 2012، من خلال كتاب جولي، حول الرسالة اللغوية بالملصق الدعائي، والتي كانت الأكبر بين جميع المرشحين، حيث شملت الآية القرآنية، "وما النصر إلا من عند الله"، والاسم، والشعار، و"رئيسا لمصر"؛ كُتب اسم "حمدين صباحي"، بطريقة أقرب للكتابة اليدوية، دليل على مدى قرب المرشح من الناخبين، كما كان مُشكل نحويًا، ما يظهر تعلق المرشح بالأصول العربية والنظام اللغوي الدقيق، بينما تؤكد الآية القرآنية في البداية تدين المرشح وإيمانه بالله والدين الإسلامي، بالإضافة إلى ملامح البرنامج "الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"، تمت كتابتها بخط كبير وواضح، لأنها أساس برنامج المرشح ومطالب ثورة 25 يناير. وفي الرسالة البصرية، التي احتواها البوستر، تظهر صورة المرشح وهو مبتسم، ما يدل على ثقته بنفسه وقبوله للآخر، وهو يواجه الناخب بالنظر إليه مباشرة، مرتديًا البدلة الرسمية كاملة، ما يعني استعداده للعمل الرسمي العام، في حين كانت الخلفية مقسمة لقسمين ومليئة بالشعارات والبرنامج، الذي يحتل مساحة كبيرة، فيما تنوعت الرسالة التشكيلية، مابين اللون الأبيض، والأسود، في الخلفية، وكتب الاسم باللون الأخضر، كنقطة مميزة ومتناقضة، فهو يبشر بالخير للناخب، ولكنه من الناحية السياسية، لون لا يعبر عن انتماء المرشح للاتجاه الناصري، فالذي يعبر عنه هو اللون الأحمر. "يظهر البوستر الدعائي جانب كبير من فكر وتوجه المرشح ورسالته التي يضعها في شكل شعار"، وفقًا للدكتورة منال زكريا، أستاذ علم النفس في كلية الآداب بجامعة القاهرة، مضيفة أن بوسترات المرشحين، المشير عبدالفتاح السيسي، وحمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية الحالية، يتقاربان بشكل كبير من حيث وضع كل منهم داخل البوستر، واعتمادهم على ألوان متقاربة، موضحة أن نقاط التشابه شملت زاوية تصوير واحدة، بابتسامة تجذب الناخبين، وتدل على ثقتهم بأنفسهم وقبولهم للآخر، وتطلعهم للأمل وتحسين أوضاع مصر، من خلال نظرتهم لأعلى، كما أن ارتدائهما البدلة، دليل على اتسامهما بالعملية والاستعداد للعمل الرسمي العام في أي وقت. وأكدت زكريا، في تصريح ل"الوطن"، أن للشعار أهمية قصوى في إظهار فكر المرشح، حيث يعني شعار حمدين صباحي "هنكمل حلمنا" أنه يخاطب جميع الفئات ولكنه مازال في طور الحلم، ومن الممكن عدم تحقيقه، وينم عن شخص يلتمس مكانا في أرض الأحلام وليس على دراية بالواقع، بينما الحلم المنشود يتحقق في شعار "تحيا مصر" الذي يؤكد قوة الدولة، وقدرة المرشح على تحسين أوضاعها، وينم عن واقعيته الشديدة. وبالنسبة للألوان المستخدمة في خلفية البوستر، قالت إن تدريج ألوان بوستر صباحي، بداية من الأزرق الفاتح، الذي يمثل لون السماء، يعطي شعورا بالعمق، ويدل على التقوى والتدين، في حين أن اللون الأبيض في خلفية صورة المشير، يعبر عن الطهر والنقاء، ما يؤكد المرجعية الدينية للمرشح، كما أنه من ألوان علم مصر الموجود داخل البوستر أيضًا، ما يؤكد وطنيته. وأضافت أن المرشحان استخدما نفس الصفة المرادة "رئيسًا لمصر"، التي جاءت منونة، دليلا على مدى ارتفاع قيمة هذه الصفة، مشيرة إلى أن الرموز الانتخابية لها دلالات هامة أيضًا، فالنجمة تحمل إيحاء للخصوم بشفافية الحاجز مع المؤسسة العسكرية التي خرج منها السيسي، وأنها مصدر الإلهام والقوة لمصر، والنسر يمثل القوة والتحليق والحرية. وفي نفس السياق، أكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، أن البوستر هو أحد أهم وسائل الاتصال والوصول للمواطنين في الشوارع، مضيفًا أن علم مصر الموجود في ملصق السيسي يؤكد خلفيته العسكرية، وأنه يعتمد على تاريخه ودوره السياسي في ثورة 30 يونيو، مشيرًا إلى أن شعاره يتضمن رسالة تطمينيه للناخب، في قوة مصر والحث على رفعها. ولفت إلى أن بوستر صباحي يظهر فيه حماسيته وميوله الناصرية، فهو يخاطب قطاعا كبير من الشعب المصري، موضحًا أن شعاره يعني استمرار الثورة المصرية، ويلعب من خلاله على الأشخاص الرافضين للحكم العسكري، وأن رمزه الانتخابي "النسر" يدل على القوة والحرية، ولكنه لم يستخدمه في ملصقه عام 2012، وكان نقطة اختلاف بينه وبين الملصق الدعائي الحالي، حيث يظهر بحجم كبير محلقًا، ليبرز بقوة أمام الأميين، وليتميز عن منافسه الذي تخير لرمزه الانتخابي، "النجمة الخضراء" مكانا في وسط البوستر، والتي تحمل إيحاء للخصوم بشفافية الحاجز مع المؤسسة العسكرية التي خرج منها، وأنها مصدر الإلهام والقوة لمصر. من ناحية أخرى، انتشرت بوسترات المرشح الرئاسي، عبد الفتاح السيسي، بشكل متزايد في شوارع القاهرة والمحافظات، حتى أنه يصعب على أحد المواطنين، وهو في طريقه اليومي صوب عمله، ألا يرى هذا الوجه المبتسم الذي يدل على الثقة، داخل بوستر دون عليه بالخط العريض، وبألوان العلم الوطني "تحيا مصر". حتى المحال التجارية، والباعة الجائلين لم تخل عرباتهم من بوسترات السيسي، أو على الأقل صورته الشخصية، في دلالة واضحة على حملة رئاسية ضخمة، تدير وتنتشر وتلصق بصماتها على أعمدة الإنارة، والحوائط، وأسوار الكبار، بعكس حملة المنافس، فقلما يوجد ملصق دعائي لحمدين صباحي، وإن وجد لا يكون بنفس جودة منافسه، وإنما بعض الملصات الورقية، والبانرات التي لا تستطيع أن تصمد في وجه الرياح.. مرشحان، أحدهما يعتمد على الدعاية بالملصقات والظهور الإعلامي، والآخر على النزول للمحافظات والشوارع، للترويج لنفسه بنفسه.