تحتاج مصر إلى جهود كبيرة وإرادة سياسية وشعبية لتطوير منظومة التعليم بعد سنوات طويلة من الإخفاقات والمتاجرة بالقضية كشفت عدم وجود رغبة حقيقية لدى الحكومات على تحقيق الهدف أو مواجهة المخالفات، حتى لو كانت بالملايين، والأمثلة كثيرة. تألمت بشدة عندما اطلعت على تحقيقات النيابة الإدارية وتقارير الرقابة الإدارية حول الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، كانت صادمة ومخيفة وموجعة لسبب وحيد وهو سكوت مجلس الوزراء الموقر وانعدام رد فعله حولها، وكانت الأمور تسير على ما يرام. التحقيقات كشفت أن رئيس الهيئة بمفرده حصل على مكافآت بلغت أربعة ملايين جنيه ونوابه الثلاثة على أكثر من هذا المبلغ، بالإضافة إلى عشرات الآلاف التى صُرفت لمسئولين وموظفين، وكلها دون لوائح مالية وبالمخالفة للقرار الجمهورى رقم 363 لسنة 2008 الصادر بشأن الهيئة، والذى يحدد معاملة رئيس الهيئة ونوابه مالياً برؤساء الجامعات ونوابهم، والمفاجأة أن هيئة ضمان الجودة كانت تعد كشوف بركة لكبار المسئولين بالحكومة، ورغم ذلك لم يتحرك أحد بعمل ملموس أو حتى حضور جلسات للهيئة، ورغم أن النيابة الإدارية أحالت ملف القضية إلى المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية فى النصف الثانى من عام 2013. الكلام كثير حول هذه المخالفات ويحتاج إلى تدخل جميع الأجهزة الرقابية، خصوصاً بعد شبهة تورط مسئولين بالدولة فى عدم فتح هذا الملف الذى يكشف المخالفات الجسيمة للهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، وهو أمر لا يمكن السكوت عليه إذا كان المتداول من مخالفات صحيحاً، وإذا كانت غير ذلك فعلى مجلس الوزراء إصدار بيان يعلن فيه تبرئة الجميع، وعلى رأسهم المسئولون بالهيئة، وهو ما يعنى أن حكومة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء تتبنى سياسة الشفافية المطلقة، فلا أحد فوق القانون. ملف القضية يضم تقريراً لهيئة الرقابة الإدارية تم إعداده فى 16 يناير 2012 كشف أن لوائح الهيئة غير معتمدة من وزارة المالية بالمخالفة للمادة 32 من القانون 127/81، كما أن ما تم صرفه من مخصصات مالية كان أيضاً بالمخالفة للقرار الجمهورى الصادر بتشكيل مجلس الإدارة برقم 254/2011 وما قبله، والذى حدد المعاملات المالية لرئيس الهيئة ونوابه، وبالتالى فإن ما صُرف لرئيس مجلس الإدارة بالمخالفة لذلك ودون وجه حق بلغ -حسب كلام هيئة الرقابة الإدارية- مبلغ 4084375 جنيهاً، وحسب كلام الهيئة الدقيق فإن ما أمكن حصره كلها مكافآت غير قانونية صرفها رئيس الهيئة لنفسه خلال الفترة من 1/7/2008 وحتى 26/9/2012. كما كشف تقرير هيئة الرقابة الإدارية أن رئيس مجلس إدارة الهيئة كان يصرف مكافآت كبيرة فى فترات متقاربة بمسميات مختلفة وأن كل هذه المكافآت صرفت دون موافقة رئيس الوزراء وبناءً على لائحة مالية غير معتمدة، وذكر التقرير أمثلة لمسميات مكافآت رئيس الهيئة، مثلاً مائة ألف جنيه فى 11/8/2009 مكافأة «ختامى» و«150» ألف جنيه فى 25/12/2009 مكافأة «عامة» ومبلغ 25 ألف جنيه فى 5/1/2010 مكافأة تميّز، ومبلغ 75 ألف جنيه فى 21/1/2010 مكافأة «عامة» و12 ألف جنيه له ولعدد 7 أعضاء مجلس إدارة فى 30/10/2009 مكافآت تشجيعية. وأكد تقرير هيئة الرقابة الإدارية أن القرار الجمهورى بتشكيل مجلس إدارة الهيئة حدد المعاملة المالية للرئيس والنواب بأن تكون المعاملة المالية ذاتها لرئيس الجامعة ونواب رئيس الجامعة. وتابع التقرير المخالفات بالهيئة، ومنها مبالغ مالية صرفت بموجب لائحة بدل السفر كبدلات سفر لرئيس الهيئة وللنواب وللأعضاء والعاملين، وذلك دون اعتماد اللائحة من مجلس الوزراء أو الالتزام بلائحة بدل السفر الحكومية، وبعث رئيس الوزراء بكتاب لرئيس الهيئة بذلك فى 22 يناير 2008، وغير ذلك. والغريب أن مجلس الوزراء التزم الصمت، ولم تصدر عنه أى بيانات أو تحرك لتحويل الملف إلى نيابة الأموال العامة إذا كانت هناك مخالفات صريحة ليتحمل المخالفون المسئولية كاملة، فهذه أموال عامة ملك لكل المصريين. وأخيراً أوجه سؤالاً إلى كل المسئولين فى الدولة المصرية: إلى متى تستمر هذه المسرحية الهزلية؟ ومتى تصل الثورة إلى الهيئة لإعادة تشكليها من جديد؟ لتضم شخصيات على قدر المسئولية والكفاءة والرغبة فى تحقيق ريادة ونهضة تعليمية لمصر وليس فقط من أجل إقرار اللوائح والمكافآت، ودعونى أقل بصوت عالٍ «محدش شاف الحكومة».