وضع خالد مشعل قادة «حماس» فى صورة وتفاصيل ما دار بينه وبين رئيس المخابرات القطرية، طالباً منهم إبداء مواقفهم ووجهات نظرهم إزاء ما سمعه، ثم بعد ذلك طلب «مشعل» من صالح العارورى، المندوب الرئيسى ل«حماس» فى تركيا، ومن أسامة حمدان، المندوب الرئيسى ل«حماس» فى لبنان، أن يضعا قادة «حماس» فى صورة الأحداث والتطورات فى أماكن وجودهما. وتحدث صالح العارورى؛ حيث قال «إنه أبلغ من القيادة التركية وعبر الأجهزة الأمنية أن ضغوطاً كبيرة تمارَس على تركيا من أجل تطبيع علاقتها مع إسرائيل، وإن موضوع إعادة العلاقات وتطبيعها مع إسرائيل قد حُسم لدى الأتراك». وقال: إن الحكومة التركية كانت قد تبنت موقفاً فى السابق بأنها لن تعيد علاقاتها مع إسرائيل إلا بعد رفع الحصار عن قطع غزة، وإن هذا القرار سيضعنا الآن فى حرج كبير أمام الشعب الفلسطينى والآخرين. وقال: «إن هذا يجبرنا على دراسة الموقف بدقة، وأنا أشك أن وجودنا فى تركيا سيكون متاحاً فى المستقبل كما كان فى الماضى بعد تطبيع العلاقات التركية - الإسرائيلية. أما أسامة حمدان فقد تحدث بشكل مفصل عن الأزمة السورية وقال: «يجب علينا أن نقر بالواقع الجديد الذى بدأ يتشكل على الأرض؛ فالأزمة السورية قد دخلت مرحلة جديدة، وجيش النظام السورى يحقق إنجازات متتالية ومهمة وأن مسألة سقوط النظام أصبحت من الماضى». واعتبر «حمدان» أن إنجازات جيش النظام فى جبهة القلمون والسيطرة على الحدود السورية - اللبنانية بقدر كبير وإشراك الجيش اللبنانى فى تلك المنطقة بالتصدى للمعارضة تشكل انتصاراً لجيش النظام السورى وإن لم يكن حاسماً. وتطرق أسامة حمدان إلى تشتت فصائل المعارضة السورية وقال: إن تنظيمات مثل «داعش - الجبهة الإسلامية - النصرة - جيش الإسلام» قد أصبحت خارج السيطرة وينظر لها كقوى غازية لا يمكن لأى أحد كان أن يدافع عنها أو يتبناها لا فى الشارع السورى ولا فى الشارع العربى. وقال: «إن الجيش السورى الحر موجود فقط فى وسائل الإعلام، أما على الأرض فلا أثر له، وإن كل من لديه مجموعة من المقاتلين يصف نفسه بأنه هو الجيش الحر دون أى رابط بينهم». وقال: «إن المصيبة الآن أن أعداداً كبيرة من مقاتلى الجيش الحر قد أصبحوا ضمن المعادلة الإسرائيلية بشكل واضح وسافر». وقال: «إن على الإخوان المسلمين السوريين أن يظهروا موقفهم بشكل واضح قبل فوات الأوان؛ لأن الائتلاف الذى هم جزء فيه أصبح لإسرائيل حصة فيه». وقال «حمدان»: «إن ما حدث فى السعودية من ترتيبات للبيت الداخلى ومساعدتها فى تشكيل حكومة فى لبنان ومهاجمتها للنصرة وداعش وغيرها، يشكل بداية جديدة للموقف السعودى فى الأزمة السورية». وأضاف: «اتركوا الإعلام يتحدث كما يريد، ولكن علينا أن نتابع ما يحدث وراء الكواليس، لقد قال بعضنا: إن السعوديين سيخضعون أخيراً للأمريكان، ولكن على ضوء ما يجرى من تغييرات فى السعودية وما سبق ذكره، ظهر لنا أن هذا القول غير صحيح». وقال: «أنا أتفق أن خلافاً أمريكياً - سعودياً لم يُطوَ بعدُ وأن القيادة السعودية فى سباق مع الزمن من أجل ترتيب بيتها الداخلى ليكون موقفها أقوى فى مواجهة الضغوط الأمريكية». وقال: «إن الشىء المهم الذى أريد أن أتحدث فيه هو المزاج الشعبى الفلسطينى، سواء فى سوريا أو فى لبنان، فلا أخفيكم سراً إن قلت لكم: إن الغالبية العظمى من أبناء شعبنا الفلسطينى فى سورياولبنان قد أصبحت الآن أكثر تعاطفاً مع النظام السورى. لقد أصبح الاستقرار طموحاً من فقده والعودة حلماً لمن تشتت، وهم يرون أن النظام السورى كان قد حقق لهم ذلك، وأن صمود هذا النظام أمام ما يواجهه هو صمود أسطورى». وقال: «راقبوا مزاج الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة وفى أراضى 48 وتابعوا كيف بدأ ينحاز تدريجياً للنظام السورى فى وقت نرى فيه أن موقفنا أصبح غير مقبول بين أبناء شعبنا، وأن الكثيرين يحرضون على موقفنا». وأضاف: «تذكروا كلمة محمود عباس عندما قال: (لقد خانوا وخذلوا حلفاءهم ومن ساعدهم ومكنهم، فى الوقت الذى كان النظام السورى يعادينا نحن ويواجهنا نحن)». وقال أسامة حمدان: «أطالب بإعادة قراءة موقف حركة حماس من كل ما يجرى فى سوريا وأخذ الشكل التدريجى فى ذلك، فلا يمكن لنا أن نكون مع الإسرائيليين فى مواجهة سوريا، يجب علينا أن نتشاور مع إخواننا فى حركة الإخوان المسلمين فى كل الساحات، وخصوصاً الإخوان السوريين ونطالبهم بتقدير ظروفنا الحساسة والحرجة». وعند الحديث عن مصر، قال أسامة حمدان: «أريد أن أطرح عليكم شيئاً خطيراً، هو أن معلومات قد وصلتنى من جهات أمنية متعددة، تفيد بأنه من الممكن أن يقوم الجيش المصرى فى المرحلة التى تسبق الانتخابات الرئاسية أو بعدها مباشرة بتوجيه ضربات جوية على معسكرات للمعارضة المصرية فى ليبيا تسمى نفسها (الجيش المصرى الحر) وأن مصر تسعى حالياً إلى غطاء دولى لتنفيذ ذلك تحت شعار (محاربة الإرهاب) فى أوكاره، وهذا ما سيلاقى دعماً عربياً؛ فلا تراهنوا على أى طرف سيجاهر بمخالفته لذلك، ولن يتجرأ الأوروبيون كذلك على المعارضة، بل سوف يلتزمون الصمت، أما الأمريكان فسيكون موقفهم ضبابياً، وأؤكد أن الروس سيساعدون فى ذلك بشكل مباشر ورسمى ومعلوماتى، ومعلوماتى تقول: إن الإيرانيين لن يعارضوا ذلك». وقال «حمدان»: «إذا تعمقت الأزمة فى مصر من خلال العمليات العسكرية التى تتم داخل الأراضى المصرية، فلا تستبعدوا أن يكون قطاع غزة ضمن تلك الأهداف التى تفكر فيها القيادة المصرية لاحقاً». وتابع: «أما عن علاقتنا مع إيران، فإن طلبنا أن يقوم الأخ خالد مشعل بزيارة إلى طهران على رأس وفد من حماس يقابَل بالمماطلة والتسويف حتى الآن، ولست واهما كما يتوهم البعض فى الداخل من أن الإيرانيين سوف يفتحون لنا الأبواب دون تفاهم إيرانى - سورى على ذلك». وتحدث خالد مشعل فى هذا اللقاء؛ حيث قال: «إن هناك خارطة جديدة تشكل فى المنطقة وإن حركة حماس تواجه حصاراً شاملاً وعلينا أن نقدر موقف الإخوة فى قطر». وقال: «لن أكون هنا مدافعاً عن سياسة تركيا؛ فتركيا دولة إقليمية لها مصالحها ولها ظروفها ولها مشاكلها الداخلية المعقدة جداً.. لا تفهموا من كلامى أنى أبرر للحكومة التركية اتجاهاتها الجديدة، بل على العكس من ذلك؛ فأنا أعتبر ذلك نكسة لحماس أمام شعبنا الفلسطينى، خاصة بعد أن يتضح هذا الموقف وأبعاده خلال الأسابيع المقبلة». وقال: «إن أصدقاء عديدين لنا فى دول الخليج تمنوا علينا أن نستخدم كل ذكائنا للخروج بأقل الخسائر فى هذه المرحلة. وكلهم يرون أن باب المصالحة هو المظلة المناسبة لنحافظ على شرعيتنا بعباءة وشرعية الآخرين، إن هذا من المسموح به، فلا يجب أن يفهمه البعض بأنه انقلاب على مفاهيم حماس؛ فالرسول (صلى الله عليه وسلم) كان عندما يخسر هنا أو هناك وتضيق عليه الأرض كان ينفتح بمرونة للمحافظة على رسالته ودعوته». وقال: «إن البعض يطالبنا بالتعامل مع محمد دحلان، ودحلان بالنسبة لنا ولغيرنا ليس واجهة سياسية، بل ينظرون إليه ك(مستخدم)، وهو ليس أكثر من ضابط ارتباط أمنى، والمصريون يعرفون ذلك جيداً». أما موسى أبومرزوق، الذى تحدث هاتفياً من مصر، فقد قال: «إن المصالحة ستشكل انفراجة ل(حماس) على الساحة المصرية»، وأضاف أنه يتوقع، بل متأكد، أن «الإخوان فى الداخل سيتجاوبون معنا آخذين بعين الاعتبار الظروف المحيطة، سواء بالقطاع أو خارج القطاع، خاصة أن الحصار أصبح محكماً». وقال: «إنه خلال أيام مبارك عندما كان يطالبنا بوقف الأنفاق بين سيناءوغزة، كان الجيش المصرى والأمن المصرى يتركون لنا منافذ وكان الأخ أبوالوليد (خالد مشعل) يعرف ذلك، وقد واجهه المرحوم عمر سليمان بصراحة عندما قال لأخى خالد مشعل: (لا تتذاكوا كثيراً، فما هو مفتوح لكم هو بقرار منا نحن وليس بشطارتكم)، لكن الأنفاق الآن مغلقة بالكامل وأخشى أنه بعد الانتخابات سيزداد الحصار شدة، وعندها سوف تحصل الطامة الكبرى؛ فالشارع سوف ينتفض علينا، فلا تقولوا قاعدتنا عريضة وإن الشارع معنا». وقال: «أقول لكم بصراحة: يجب علينا الإسراع فى المصالحة والسير بخطواتها للأمام، وأى إنجاز فى هذا الملف سوف نستفيد منه أكثر من غيرنا وسنتعامل مع كل مرحلة بظروفها». وقال: «علينا أن نستغل الظرف نهائياً؛ فالمصالحة وصلت المفاوضات فيها إلى طريق مسدود؛ فهو بحاجة لها لتأكيد شرعيته، ولا أرى مانعاً من ذلك، ونحن لا نعى الشرعية لشخص أقدم على تنازلات، بل على العكس من ذلك صمد وما زال صامداً، قاوم تهديدات الإسرائيليين وما زال يقاوم، حقق وأنجز ما عجزنا نحن وغيرنا عن تحقيقه، وإذا كان الإقرار بشرعيته يدعمه فى المحافل الدولية ويدعم صموده فلا أرى سبباً لكى نرفض ذلك». وقال «أبومرزوق»: «إن الإخوة فى مصر سيتجاوبون معنا وسيدعموننا إذ خطونا هذه الخطوة، هم بحاجة إلى خطوة (شرعية عباس مقابل شرعيتنا فى قطاع غزة)، هم يستفيدون ونحن نستفيد والشاطر اللى يستفيد أكتر، وما دام كل شىء بالتوافق فلكل حادث حديث». وعاد خالد مشعل للحديث بعد انتهاء كلمة موسى أبومرزوق وقال: «فاتنى أن أبلغكم أن الأردن ما زال يماطل فى رده على طلب القيادة القطرية باستضافة بعض قادة حماس على الساحة الأردنية؛ حيث وعدوا بدراسة الموضوع ولا إجابة». وقال: «لقد علمت أيضاً أن الإخوة فى تونس اعتذروا للحكومة القطرية عن عدم استضافة بعض الإخوة المصريين الموجودين على الساحة القطرية؛ حيث قالوا إن ظروفهم الداخلية لا تسمح لهم، خاصة أنهم على أبواب انتخابات جديدة». وقال: «إن للسودان وضعاً آخر؛ فبعد عملية انفصال الجنوب، أصبح جنوب السودان القاعدة الأمنية الأولى والكبرى للموساد، وهى رأس حربة للانطلاق لكل الساحات، وقد حذرنا وأكدنا أن السودان أصبح غير آمن لأن مجموعات كبيرة ترسل من الجنوب إلى الشمال تحت رعاية وإشراف الموساد الإسرائيلى». لقد استمر هذا الاجتماع إحدى عشرة ساعة متواصلة، وبعدها تقرر أن يطلب خالد مشعل لقاء مع الأمير تميم، أمير قطر، وبالفعل عُقد اللقاء فى 12 أبريل الماضى. وقد أبلغ خالد مشعل الأمير تميم بأن «حركة حماس، ضمن الظروف الحالية، آخذة بعين الاعتبار ما يحدث فى كل الساحات، قررت التوجه للمصالحة، طالبين منكم الدعم فى ذلك، مقدرين ظروف قطر الداخلية ودعمها المتواصل لحركة حماس». بارك أمير قطر موقف «مشعل» وحركة حماس، وقال: «إن قطر لا يمكنها أن تتخلى عنهم مهما كانت الضغوط، ولكن ما يجرى ليس أكثر من (غيمة) سرعان ما ستنقشع». فى ضوء ذلك، طلب خالد مشعل من موسى أبومرزوق إبلاغ المصريين بهذا الموقف. وقبل أسبوع من زيارة عزام الأحمد إلى القاهرة، التى تمت يوم 20 أبريل الماضى، كان قد حصل لقاء بين موسى أبومرزوق ومسئولين من المخابرات العامة المصرية؛ حيث أبلغهم بموقف حماس من المصالحة وقال إنه موقف صادق وإيجابى مائة بالمائة، وأن قيادة «حماس» باركت ذلك بالكامل وهم بانتظار البدء بخطوات عملية، خاصة أننا نرى أن الدولة المصرية هى المعنية بهذا الملف وعليها مواصلة دورها ونحن نثق بهذا الدور. ووافقت المخابرات العامة المصرية على اقتراح المصالحة وتجاوبت مع طلب أبومرزوق بالسماح له للذهاب إلى قطاع غزة من أجل المساعدة مع قيادات القطاع فى تنفيذ خطوات عملية على طريق المصالحة وبعدها أبلغت المخابرات العامة موسى أبومرزوق بأن السلطة الفلسطينية جاهزة ومنفتحة لهذه المصالحة. وسافر «أبومرزوق» إلى غزة يوم 21 أبريل 2014، لكن ملف المصالحة لم يكن هو الملف الوحيد الذى ذهب من أجله؛ فهناك ملفات أخرى عديدة متعلقة بالاتهامات الموجهة إلى «حماس» طرحها على قادة «حماس» داخل غزة، ووعد بالرد القريب عليها.