تفاجأت بتلك المناحة، التى بدأها الكثيرون بعد قرار الحكومة رفع أسعار الغاز وتقسيم المستهلكين لثلاث شرائح، ومن النائحين تجد إعلاميين، وكتاباً، وسياسيين، وفنانين، وأطباء وإلخ.. إلخ.. إلخ. وجلست أتابع التعليقات، عسانى أجد ما يقنعنى بخطأ موقفى من تأييدى لهذا القرار، ولكننى لم أجد إلا نوعين من البشر، إما مُتاجراً بقضايا الفقراء وتصديرهم فى مقدمة دفاعه للإبقاء على الدعم ورفض إلغائه أو المساس به. أو مكرر أقوال عن غياب فهم واعٍ وحقيقى لكل المعلومات المتعلقة بالقضية وبواقع المجتمع. أما الصنف الأول فلا علاقة له بالفقراء من قريب أو من بعيد، هو فقط يتذكرهم وقت الحاجة حينما يحتاج لسند لما يقول، يستفيد بالدعم المقدم لهم فى البنزين والكهرباء والخبز والغاز وغيره من السلع بعين مفتوحة يملؤها الجبروت دون خشية أو حياء. والكارثة الأكبر أننى أعرف منهم شخصيات تملأ العين والسمع والبصر والبوتاجاز تتحدث فى المكاتب عن أن مشكلة الاقتصاد المصرى هو الإصرار على الإبقاء على الدعم!!! لكنها تعشق المتاجرة بمشاعر البسطاء فيبدون أمام الناس أبطالاً يحاربون الفساد. أما النوع الثانى فهو المتحفز ضد كل قرار حكومى الساعى للمشاركة فى أى نقاش وترديد شائعات على أساس كونها معلومات حقيقية. وليس على الكلام جمرك. ولكلا الفريقين أقدم معلومات تؤكد أنهم لا يعلمون أى أرقام حقيقية عن الفقراء الذين يتحدثون عنهم. فهل تعلمون أن عدد السكان تحت خط الفقر 22.560 مليون مواطن؟ وأن من يعانون الفقر المدقع بلغوا 2.586 مليون مواطن؟ أى أن نسبة الفقراء فى بلادنا تبلغ 30.7%. وحينما تعلمون أن الشريحة الغنية من الشعب يصل لها 35% من دعم الكهرباء، 92% من دعم البنزين، 66% من دعم الغاز الطبيعى، 25% من دعم أنابيب البوتاجاز. وأن أفقر 20% من المجتمع يستفيدون فقط بنحو 11% فقط من الكهرباء، 1% من البنزين، 2% فقط من دعم الغاز، إذن عن أى فقراء تتحدثون؟ بلاها سوسو، واسمعوا هذا الرقم، هل تعلمون أن فى بلادنا 18 مليون أسرة لديها بطاقة تموين ولو ضربنا هذا الرقم فى متوسط 4 أفراد للأسرة، لكانت النتيجة 72 مليون مواطن تقريباً، وهو ما يعنى أن هناك أسراً لا تحتاج لبطاقة التموين من الأساس وأعلم منهم أغنياء وأساتذة جامعة وزملاء مهنة. لأنه لو كانت البطاقات فى يد من يحتاجها فى بلادنا ما كان لدينا 25 مليون مواطن يعانون الفقر بدرجاته. طيب بلاها نادية ودعونى أسألكم هل يجوز أن يدفع من هم مثلى وأعلى فاتورة غاز لا يزيد قيمتها على 8 جنيهات شهرياً، بينما من تتحدثون عنهم من الفقراء ليس لديهم غاز من الأساس ويشترون أنبوبة البوتاجاز الواحدة ب15 أو 20 جنيهاً غير الوقوف فى طابور لانتظار تبديلها؟ هل يجوز لمن هم مثلى وأعلى أن يحصلوا على دعم للبنزين، بينما الفقراء ما زالوا يتسلقون سلالم الأوتوبيس وينظرون وهم عليها لقادة السيارات المكيفة بانكسار تارة وحنق تارة أخرى؟ هل يجوز أن يحصل المقيمون فى مساكن فاخرة وفيلات عامرة على نفس دعم الكهرباء الذى يحصل عليه المقيم فى شقة لمحدودى الدخل؟ وبالتالى يا سادة أرجوكم لا تتحدثوا عن الفقراء ودعونا نتقِ الله فى وطن يحتاج لكل مليم لتشغيل الفقراء وتنميتهم وإيجاد أعمال لهم بدلاً من انتظار صدقاتكم، وقد بلغ عدد العاطلين ل11.752 مليون مواطن. نعم نحتاج لإلغاء دعم يكلف الدولة نحو 200 مليار جنيه، والتفكير فى طرق فعالة لحماية المواطن من جشع التاجر وغياب ضمير المسئول. نحتاج لرؤية حقيقية للنهوض بمواطنين غابت عنهم الدولة لسنوات وكفانا مزايدة بهم، ونحن لا نعلم عنهم سوى أنهم فقراء.