أحيا الأرمن، أمس، ذكرى الإبادة التى تعرضوا لها عام 1915 فى عهد الدولة العثمانية، تزامناً مع تطور وُصف ب«التاريخى» من الجانب التركى، حيث اعتذر رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان للمرة الأولى، أمس الأول، إلى أحفاد الأرمن عن الأحداث المأساوية التى تعرضوا لها فى عهد الدولة العثمانية. وقالت وكالة أنباء «إيتارتاس» الروسية، إن الأرمن عادة ما يحيون الذكرى ب«الحداد» ويصفونه ب«اليوم الأسود». وفى مركز العاصمة الأرمينية «يريفان»، بدأ المواطنون إحياء الذكرى بحرق العلم التركى والخروج فى مسيرات ليلية بالشموع، حيث يوجد النصب التذكارى لضحايا الإبادة الجماعية، الذى تأسس عام 1967، وقد تم بناؤه على هضبة تطل على سائر العاصمة الأرمينية، ويرمز إلى الفاجعة والحزن على الضحايا وإعادة إحياء القومية. وفى الوقت الذى تعترف فيه دول عديدة فى العالم بحقيقة الإبادة الجماعية للأرمن، ترفض تركيا الاعتراف رسمياً بها، وهو ما يثير أزمات عديدة فى مناسبات مختلفة بين الجانبين. وفيما وُصف ب«توجه تاريخى»، اعتذر «أردوغان» بشكل غير متوقع إلى أحفاد الأرمن، مؤكداً أن «المعاناة من الأحداث التى كانت لها آثار غير إنسانية، مثل الترحيل خلال الحرب العالمية الأولى، يجب ألا تحول دون أن تنشأ بين الأتراك والأرمن مشاعر الرحمة الإنسانية المتبادلة تجاه بعضهم البعض»، إلا أنه لم يلفظ كلمة «إبادة» نهائياً خلال خطابه. وسبق أن استخدمت عبارة «المأساة اللاإنسانية» التى قالها «أردوغان»، للمرة الأولى قبل بضعة أشهر من قبل وزير الخارجية التركى أحمد داود أوغلو، خلال زيارته إلى «يريفان». بدأت أحداث الإبادة فى أرمينيا بقرار حكومة «تركيا الفتاة» يوم 24 أبريل عام 1915، بترحيل مئات آلاف الأرمن المتهمين بالتعاون مع العدو الروسى إلى ولاية سوريا العثمانية. ويؤكد الأرمن أن 1.5 مليون أرمنى قتلوا فى عمليات اضطهاد وترحيل، لكن تركيا تقر بمقتل 300 ألف شخص، رافضة وصف تلك الأحداث بالإبادة التى أقرت بها دول عديدة بينها فرنسا. وتنظَّم فعاليات لإحياء الذكرى أيضاً منذ عام 2010 فى إسطنبول، القسطنطينية سابقاً، التى كانت عاصمة السلطنة العثمانية. وأجرت منظمات تركية لحقوق الإنسان والأرمن، فعاليات لإحياء الذكرى، أمس، أمام محطة «حيدر باشا» للقطارات، حيث انطلقت أول قافلة ترحيل لمئات الأعيان. ورفع المتظاهرون وسط حماية الشرطة صوراً لمرحَّلين ولافتة كتب عليها «نحيى ذكرى ضحايا إبادة الأرمن: مئات الجروح لم تندمل مع الزمن». وجرى تجمع آخر فى المساء فى ساحة «تقسيم»، فى قلب المدينة، ووجه الرئيس الأمريكى باراك أوباما رسالة إلى الأرمن كما فعل أسلافه. التعازى التى وجهها «أردوغان» إلى أحفاد الأرمن، لاقت أصداء دولية وإعلامية واسعة داخلياً وخارجياً، ووصف الرئيس التركى الأسبق سليمان دميريل، رسالة التعزية التى وجهها رئيس الوزراء لأحفاد الأرمن، بأنها «تعبير عن رأيه الشخصى». وأضاف «دميريل»: «تلك الأيام كانت مؤلمة وقاسية، كما أننا نقابلها بكل ألم وحزن». ورأى المثقفون الأتراك فى تصريح «أردوغان»، وفق وكالة «فرانس برس»، رغبة فى الحد من سيل الانتقادات التى توجه إليه لمناسبة الذكرى المئوية للوقائع التى حدثت فى عام 1915. وقال الأستاذ الجامعى باسكن أوران: «بالتأكيد يجب الترحيب بهذا التصريح لكنه غير كاف إلى حد كبير». وقال قدرى غورسل الأخصائى فى العلاقات الدولية، فى صحيفة «ملييت» التركية: «مع تلك التعازى تأمل الحكومة تخفيف صدمة التعبئة التى تتحضر للذكرى المئوية». وأكد «داود أوغلو» أن اعتذار «أردوغان» لم يكن بدافع الرغبة فى تخفيف الضغوط التى يمارسها الشتات الأرمنى لدى المؤسسات الدولية وأنقرة، وقال: «تركيا لا تدلى بتصريح تحت قوة الضغوط». وقالت «فرانس برس» إن «تصريح أردوغان، ولو أنه غير مسبوق، يبقى فضفاضاً ولا يشكل اعتذاراً رسمياً، فهو أشار فى الواقع إلى معاناة مشتركة، ووصف نهاية السلطنة العثمانية بأنها مرحلة صعبة، بالنسبة لملايين المواطنين العثمانيين من أتراك وأكراد وعرب وأرمن وغيرهم، أياً كانت ديانتهم أو جذورهم الإثنية». ورأت الصحافة التركية فى الرسالة، التى نشرت أيضاً فى اللغة الأرمنية خطوة «تاريخية» للنظام ذى المرجعية الإسلامية، فى وقت تشوهت فيه سمعته الدولية بسبب قمع الحراك المناهض للحكومة الصيف الماضى، والاتهامات بالفساد التى طالت «أردوغان». وقالت صحيفة «حرييت» التركية، فى افتتاحيتها: «مرحباً، إنها خطوة مهمة جداً.. إنها أكثر الكلمات صراحة يمكن أن تصدر فى هذه المرحلة عن رئيس وزراء تركى». وأشارت صحيفة «حرييت» إلى أن «الخارجية» التركية خرجت بالبيان، أمس الأول وليس أمس، كخطوة استباقية تأتى فى إطار محاولة تطبيع العلاقات مع أرمينيا، والجهود المستمرة فى هذا الاتجاه، وحتى لا يقال إنها صدرت أمس، رداً على إحياء ذكرى أحداث 24 أبريل 1915. وعلى الصعيد الخارجى، قال الرئيس الأرمينى سيبرج سيركسيان، إن «رئيس الوزراء التركى اعتذر لأحفاد الأرمن، لكن أنقرة تنكر تعرض الأرمن إلى إبادة جماعية، وتنكر مقتل 1.5 مليون من الأرمن، ومع ذلك الشعب التركى ليس عدواً لنا». وأضاف: «تركيا تواصل إنكارها التام للإبادة الجماعية، ونحن نرى أن هذا يمثل استمراراً للجريمة، والاعتراف بها يمنع تكرار مثل هذه الأحداث فى المستقبل.. الإبادة ما زالت مستمرة طالما أن تركيا التى خلفت الدولة العثمانية تواصل سياسة الإنكار التام للإبادة». وأضاف: «نقترب من الذكرى المئوية لإبادة الأرمن، ذلك يمكن أن يوفر لتركيا فرصة جيدة للندم والتحرر من تلك التهمة الخطيرة». وقال «سيركسيان»: «عام 2015 ينبغى أن يكون رسالة قوية إلى تركيا، فموقفها تجاه أرمينيا يتطلب خطوات حقيقية: فتح الحدود وإقامة علاقات طبيعية». من جهتها، وصفت الولاياتالمتحدةالأمريكية تصريحات رئيس الوزراء التركى ب«التاريخية»، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين بساكى: «نرحب بالاعتراف العلنى والتاريخى لرئيس الوزراء بالمعاناة التى عايشها الأرمن عام 1915». وأضافت: «نعتقد أن تصريحات أردوغان تحمل مؤشراً إيجابياً، نحو اعتراف كامل وصريح بالحقائق، التى نأمل أن تحدث تقدماً فى قضية المصالحة بين الأتراك والأرمن». ورحب مفوض الاتحاد الأوروبى لدى «أنقرة» ستيفن فولى بتصريحات «أردوغان»، قائلا: «مرحباً ببيان رئيس الوزراء، المصالحة هى القيمة الأساسية فى الاتحاد الأوروبى، ونأمل أن تستمر خطوات بهذه الروح». وفى الصحف البريطانية، سلطت صحيفة «الجارديان» البريطانية، أمس، الضوء على الخلاف بين الأرمن والأتراك فى منطقة الأناضول عام 1915، معتبرة أنه «خلاف سطحى لا مبرر له»، لافتة إلى تصريحات «أردوغان» التى دعا فيها إلى «عدم توظيف عزائنا لأحفاد الأرمن، لتحقيق أى مآرب سياسية». من جهتها، قالت هيئة الإذاعة البريطانية «بى.بى.سى»، إن «تصريحات أردوغان تعد الأولى من نوعها لمسئول تركى.. التصريحات لا تأتى بناء على أى ضغط سياسى تتعرض له الحكومة التركية، وأردوغان هو أول رئيس وزراء تركى يطلق تصريحات من هذا النوع بخصوص الأرمن»، مشيرة إلى أن «هذه التصريحات ستذيب جمود العلاقات بين تركياوأرمينيا». ولم يكن الداعية الإخوانى يوسف القرضاوى، بعيداً عن واقعة الإبادة الجماعية للأرمن، ففى ديسمبر عام 2011، حينما شرع البرلمان الفرنسى قانوناً يجرم إنكار إبادة الأرمن، مثل قانون إبادة اليهود، أنكر «القرضاوى» تماماً وجود إبادة جماعية للأرمن، وأعلن وقوفه إلى جانب تركيا، ضد قرار البرلمان الفرنسى. وخلال خطبة للجمعة فى قطر، ندد «القرضاوى» بقرار البرلمان الفرنسى، ودعا «كل المسلمين إلى التضامن مع تركيا ودعمها فى هذا المجال». وأضاف: «يعد القرار الذى صادق عليه البرلمان الفرنسى إهانة كبيرة لتركيا، وكذب وافتراء موجه ضد التاريخ المجيد للخلافة العثمانية»، مشدداً على وقوفه إلى جانب الأتراك.