فى الثامن من مارس الماضى، تم عقد اجتماع فى العاصمة القطرية، الدوحة، بين ممثلين عن التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، وعدد من قيادات جماعة الإخوان فى مصر، سواء هؤلاء الموجودون فى الدوحة، أو الموجودون فى بلدان أخرى خارج مصر. كان من أبرز البنود المطروحة على جدول أعمال هذا الاجتماع قرار المملكة العربية السعودية بإعلان تنظيم «الإخوان» تنظيماً محظوراً، واعتبار الجماعة جماعة إرهابية. وقد بدا واضحاً خلال المناقشات المطولة بين المشاركين: 1- أن القرار السعودى قد شكل مفاجأة غير متوقعة للجماعة، وضربة قاسية لرموزها وكيانها التنظيمى خارج البلاد. 2- أن هذا القرار ليس مقصوراً على المصريين المنتمين إلى جماعة الإخوان فى المملكة العربية السعودية، وإنما هو يمتد إلى جميع الجنسيات الأخرى من المقيمين بالمملكة، سواء كانوا يمنيين، أو سودانيين، أو غيرهم، وهو أمر يزيد الأوضاع تعقيداً. 3- أن هذا القرار يقلب الأوضاع رأساً على عقب فى علاقة الجماعة بالمملكة العربية السعودية، خاصة أن الاتصالات لم تنقطع فى أى مرحلة من المراحل بين الجماعة وبين المملكة. 4- لقد ثبت للتنظيم الدولى للإخوان أن القرارات التى أصدرها خادم الحرمين الشريفين باعتبار الإخوان جماعة إرهابية هى قرارات سعودية خالصة غير مرتبطة بأية ضغوط من مصر أو أية جهة أخرى. 5- يجب التعامل بحذر مع السعودية خلال الفترة المقبلة، حتى لا يتعرض أمن عناصر الجماعة المقيمين فى المملكة للخطر. كانت النقطة الثانية التى بحثها اجتماع التنظيم الدولى للإخوان هى تلك المتعلقة بفحوى ومضمون آخر لقاء جرى بين أعضاء من الاستخبارات المركزية الأمريكية ال«سى. آى. إيه» وممثلين عن وزارة الخارجية والأمن القومى الأمريكى مع ممثلين عن التنظيم الدولى للإخوان خلال الاجتماع الذى جرى فى «بروكسل» فى نهاية شهر فبراير الماضى. وقد أكد ممثلو التنظيم الدولى للمجتمعين فى الدوحة أن اللقاء الأمريكى - الإخوانى ركز على عدة نقاط: 1- أن الجانب الأمريكى أبلغ ممثلى التنظيم الدولى للإخوان بأنهم سيغضون الطرف عما يجرى فى مصر لحين إجراء الانتخابات الرئاسية فى مصر. 2- أن الإدارة الأمريكية ستكون مضطرة للاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية، خاصة إذا ثبت أنها كانت حرة ونزيهة، وأنه لا يمكنهم التغاضى عن نتائجها مهما كانت. 3- أن جماعة الإخوان يجب أن تكون مستعدة لما بعد مرحلة الانتخابات الرئاسية المصرية، والتعامل معها وفق تكتيك استراتيجية جديدة، وألا يغلقوا الباب بالكامل أمام المشاركة السياسية فى مصر ما بعد الانتخابات الرئاسية، بل يجب عليهم أن يعطوا أهمية كبرى لانتخابات مجلس الشعب التى ستتلو الانتخابات الرئاسية، حتى يمكن إيجاد التوازن داخل الساحة المصرية. 4- أكد الجانب الأمريكى لممثلى التنظيم الدولى للجماعة أن واشنطن لن تتأرجح فى موقفها طويلاً، وقال: «إن أمامكم فترة من الزمن، وهى كافية لتعطيل وإفشال إجراء الانتخابات الرئاسية، وأن جهودكم يجب أن تنصب على ذلك، لأن موقف الولاياتالمتحدة سوف يختلف تماماً بعد الانتخابات الرئاسية عما هو عليه الآن، لأننا سنتعامل مع الأمر الواقع الذى ستفرضه نتائج الانتخابات، خاصة أن مصالح الولاياتالمتحدة فى المنطقة باتت مهددة بالخطر، بسبب دعمها لجماعة الإخوان، وأنهم لا يمكنهم التضحية بعلاقتهم مع مصر، وهم سوف يتعاملون مع الرئيس القادم، أياً كان، حتى إن كانوا ينظرون بقلق وريبة من القادم الجديد. وهكذا بعد انتهاء هذا اللقاء اجتمعت قيادة «الإخوان» فى قطر، والخارج بشكل عاجل يوم 14/3/2014 حيث تدارسوا ما تم إبلاغهم به من التنظيم الدولى للإخوان. وفى هذا الاجتماع الموسع، تم اتخاذ القرارات الآتية: أولاً: التهدئة الكاملة على جبهة الخليج العربى وعدم الخوض فى جدال ومواقف إعلامية تمس دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية، مع إرسال رسائل مطمئنة لدول الخليج من قبل الإخوان تبلغهم فيها بأن قيادة الجماعة حريصة كل الحرص على أمن دول الخليج، وأن الإخوان لا يفكرون مجرد التفكير فى تهديد وزعزعة الأمن فى دول الخليج. ثانياً: دعوة كل القوى الإسلامية والوطنية المصرية المتحالفة مع الإخوان والمطالبة بعودة «الشرعية» إلى اجتماع سريع بهدف توحيد الجهود داخل مصر، على أن يدرس الإخوان، وفى فترة قصيرة، بعض الاقتراحات المقدمة من بعض التنظيمات الإسلامية «الجهادية» الخاصة بتشكيل الجيش المصرى الحر وتوحيد كل الجهود العسكرية تحت قيادة واحدة. ثالثاً: يجب أن ينصب جهد الإخوان على عملية تعطيل الانتخابات المصرية المقبلة بأية طريقة، حتى ولو كانت بحراً من الدماء، كما يجب أن ننقل للعالم أن «الانقلابيين» قد أجروا الانتخابات على دماء الشعب المصرى، فإذا لم نكن قادرين على تعطيلها، فلابد من تشويهها والتشكيك فيها. رابعاً: سيقوم «الإخوان المسلمون» المصريون بإحياء كل الخلايا النائمة فى مصر، والمرتبطة بالتنظيم الخاص للجماعة فى القوات المسلحة وأجهزة الأمن والمؤسسات والجمعيات والوزارات مع بدء التنسيق مع جميع التنظيمات «الجهادية» الأخرى العاملة داخل مصر تحت عنوان: «تشريع جديد»، يقول أن لا أهداف محظورة الآن فى معركتنا مع «الانقلابيين» فى مصر، ويجب توجيه ضربات قاسية وحاسمة «للقوى المعادية» فى أوكارها، كما يجب أن ندفع «بالانقلابيين» إلى الإقرار باستحالة إجراء الانتخابات الرئاسية، وفى هذه الحالة نكون قد أنجزنا إنجازاً كبيراً، حيث سيعود الشعب المصرى إلى احتضان مشروع «النهضة الإسلامية»! خامساً: يجب أن ندفع بالشعب المصرى للنزول إلى الشارع، عندها تكون بوادر النصر قد تحققت، وهذا لن يتحقق إلا إذا وجهنا ضربات قاسية «للانقلابيين» ورموزهم، وأن تصفية رموز «الانقلابيين» يخلق نشوة داخل الشارع المصرى ويمهد للنصر «المبين». سادساً: تفعيل التنسيق مع جميع الحلفاء غير المصريين فى أماكن متعددة، استعداداً للمعركة الكبرى، مستفيدين من حلفائنا بما لديهم من إمكانيات سواء لوجستية أو بشرية أو جغرافية. وفور انتهاء هذه الاجتماعات، قام وفد من قيادة الإخوان بالسفر فى طائرة قطرية خاصة يوم 19/3/2014 إلى إسطنبول، حيث تم إبلاغ قيادة التنظيم العالمى للإخوان بالقرارات التى تم اتخاذها. وفى 21/3، عقد اجتماع موسع للتنظيم الدولى فى إسطنبول، وقد جرى هذا الاجتماع تحت رعاية حزب العدالة والتنمية التركى، وبحضور ممثلين شخصيين عن رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان. وقد بارك الاجتماع الموسع هذه القرارات التى تم اتخاذها فى الدوحة، وأعلن عن تأييده لها وتقديم الدعم الكامل بكل ما أوتوا من قوة لها. وفى مقابل ذلك تم إبلاغ الجانب الأمريكى بمضمون ما تم الاتفاق عليه وأبدى موافقته وتأييده بشكل سرى وغير معلن. هذا عن المخطط، وهو يكشف عن تعامل واشنطن مع الأوضاع فى مصر، بوجهين، وجه لا يؤيد ولا يعارض، والآخر يتآمر وينسق مع المتآمرين، ذلك أن واشنطن التى تعلن على لسان كبار مسئوليها أنها تحترم إرادة الشعب المصرى فى اختيار رئيسه، هى ذاتها التى تنسق وتدفع الإخوان إلى الإسراع بتعطيل الانتخابات الرئاسية، وإلا فإنها ستعترف وتدعم الواقع الجديد فى مصر الذى سينجم بعد هذه الانتخابات حال إتمامها. لقد سألت الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن خلال لقائه بعدد من الصحفيين والإعلاميين على هامش زيارته للقاهرة مساء الأربعاء الماضى عن الموقف الحقيقى للإدارة الأمريكية من تطورات الأوضاع فى مصر، فقال: لقد سألنى أوباما وقال: احك لى عن مصر. قال أبومازن: لقد قلت لأوباما: «أنا لست مصرياً وليس من حقى أن أتحدث عن الأوضاع الداخلية فى مصر، ولكنى أعتقد أن الناس سوف تنتخب المشير عبدالفتاح السيسى رئيساً». قال أبومازن: رد علىّ أوباما بالقول: «إننى أعرف أنه سيفوز فى الانتخابات، ونحن لن نتدخل فى الشأن المصرى، المهم هو ضمان شفافية الانتخابات ونزاهتها». قال أبومازن: لقد قلت له: سوف تكون هناك عقبات اقتصادية كبيرة على وجه التحديد، إلا أن المشير السيسى هو المؤهل لقيادة مصر. وقال أبومازن: لقد قلت للرئيس الأمريكى: «إن الأمور فى مصر ستمضى إلى الأمام فى ظل وجود السيسى كرئيس منتخب، وسينتصر المصريون على العقبات التى تعترضهم، وأظن أن الجميع لا بد أن يحترم خيار الشعب المصرى». قال أبومازن: لقد سألنى الرئيس الأمريكى وماذا عن موقف «السيسى» من الإخوان فى حال وصوله إلى السلطة؟ قال أبومازن: لقد قلت له: «إن الإخوان هم أساس الإرهاب والعنف فى المنطقة، وهم لا يختلفون عن طالبان فى شىء، بل هم «طالبان» المنطقة ولذلك لا يجب أن تفكر إدارتكم يا سيادة الرئيس، بأن هؤلاء معتدلون، هذا غير صحيح، إنهم أشد تطرفاً وعنفاً وإرهاباً». قال أبومازن: هنا سألنى الرئيس أوباما.. هل تعتقد أن السيسى عندما يتم انتخابه رئيساً، يمكن أن يتعاون مع جماعة الإخوان؟ قال أبومازن: لقد قلت لأوباما: لا أظن أن المشير السيسى سوف يتعاون مع الإرهاب، هذا اعتقادى، هو مستعد للتعاون مع الجميع، ولكن لا أظن أنه سيمد يده لمن يمارسون العنف والإرهاب. قال أبومازن: لقد قال لى الرئيس أوباما: نحن نريد الإفراج عن بعض الموقوفين بسبب آرائهم مثل الصحفيين وغيرهم من النشطاء. قال أبومازن: لقد قلت للرئيس الأمريكى: القضاء المصرى هو صاحب القرار فى ذلك، وعموماً مصر سيكون لديها رئيس منتخب خلال الأسابيع المقبلة. وقال لقد قلت له: لو نجح الإخوان وعادوا مرة أخرى إلى حكم مصر، فاعلم أن الأمر سيكون خطيراً وستصبح المنطقة كلها فى بؤرة الخطر، وقل علينا جميعاً «السلام» الأوضاع ستزداد تدهوراً والحروب ستنشب فى كل مكان، الأمر سيكون جد خطير. قال أبومازن: لقد قال لى أوباما: «نحن نتحدث مع مصر ونتواصل مع قادتها ونتعامل معهم، بل ونتعاون أيضاً، ونحن ننتظر الفترة المقبلة، وسنرى ماذا سيحدث فى المستقبل، مصر هامة جداً بالنسبة لأمريكا، ولذلك نحن نتواصل وسوف نستمر. هذا بالضبط نص الحوار الذى جرى بين أوباما والرئيس الفلسطينى محمود عباس، من هنا يمكن فهم الازدواجية التى تتعامل بها واشنطن مع الأوضاع فى مصر، غير أن الشىء الوحيد الذى يمكن التوقف أمامه، هو أن الولاياتالمتحدة لن تجد أمامها من خيار بعد إجراء الانتخابات الرئاسية سوى أن تتعامل مع الأمر الواقع، ذلك أن مصالحها مع مصر ستكون هى الأساس. وسواء كانت واشنطن صادقة أم كاذبة فيما تقول، فخيارنا الوحيد هو فى المضى قدماً إلى الأمام، وتنفيذ خارطة الطريق وانتخاب الرئيس القادر على حماية مصر وتحدى المؤامرة.