الخوف على طفله من الإصابة بالمرض دفعه للانتظار فى طابور طويل أمام شباك التطعيمات، حتى ينال صغيره قطرتين من لقاح الالتهاب السحائى، أو شلل الأطفال، أو الثلاثى، ويمر الوقت على محمد على، رب الأسرة، ولم يتمكن من أخذ التطعيمات لابنه، بهدوء انسحب الأب من مكتب الصحة فى المنصورة إلى عيادة خاصة للحصول على اللقاح بمقابل مادى لا تستطيع الأسر الأقل دخلاً تحمله. وتتحكم السوق السوداء فى اللقاحات والأمصال بمدينة المنصورة، حتى إن بعضها يباع للعيادات الخاصة ب320 جنيهاً، وليس أمام الأب الذى يفشل فى تطعيم ابنه فى مكاتب الصحة الحكومية التى تعطى اللقاحات بالمجان سوى الذهاب إلى إحدى هذه العيادات الخاصة والتطعيم فيها مقابل مبالغ كبيرة. يقول الدكتور عبدالعزيز عطاالله، أستاذ مساعد طب الأطفال بجامعة المنصورة، «ليست كل التطعيمات واردة على سجلات مكاتب الصحة، وهناك بضعة أنواع رخيصة مثل تطعيمات شلل الأطفال، والثلاثى، والكبدى ب، والثلاثى الفيروسى، أما الأنواع الأخرى فلا توجود أصلاً فى مكاتب الصحة، وبالتالى يلجأ الآباء والأمهات إلى العيادات الخاصة التى تبيعهم هذه الأمصال بأسعار غالية لأنها أصلاً لا تخضع للتسعيرة». أما بخصوص المخاوف من التجارة فى هذه الأمصال واللقاحات فى السوق السوداء، يقول الدكتور محمد حامد، أستاذ الصيدلة المتميزة: «منظمة الصحة العالمية أدرجت لقاحات الالتهاب الرئوى والنزلات المعوية على قائمة اللقاحات والأمصال التى يجب على الحكومة المصرية أن توفرها بالمجان لجميع الأطفال، مشيراً إلى أن ذلك لا يحدث وبالتالى يضطر الأب إلى حمل طفله إلى أقرب مكان يتوفر فيه مثل هذه التطعيمات مهما كلفه ذلك، وذكر أن بعض المستشفيات الخاصة توفر تلك التطعيمات مقابل 480 جنيهاً، وتزيد عليها سعر الكشف. ويؤكد حامد أن هناك أمصالاً لا تتوافر إلا فى السوق السوداء، لأهميتها القصوى وعدم توافرها فى مكاتب الصحة، مضيفاً أن الاتجار فى التطعيمات والأمصال بلا شك يحقق مكاسب أعلى من الاتجار فى المخدرات والسلاح، ولذا فوضع الضوابط لأسعارها وتوفيرها فى مكاتب الصحة بتحضيرها وتصنيعها فى الهيئة القومية للمصل واللقاح، أمر غاية فى الأهمية. ويحاول الدكتور سمير المرسى، نقيب صيادلة الدقهلية، شرح الطريقة التى تصل بها الأمصال الغالية إلى مصر بقوله «هناك مافيا فى اللقاح والأمصال، ولأن إنتاج مصر من هذه اللقاحات أصبح شبه منعدم فإن الصيدليات تعانى من نقص شديد فيها، فيبدأ مندوبو الشركات عندها فى التلاعب فى أسعارها، وبيعها بأغلى سعر يحقق للمندوب، وللشركة أكبر هامش ربح ممكن، عن طريق البيع المباشر بدون أى رقابة». ومن ناحيته لفت الدكتور محمد خشبة، رئيس لجنة التعليم بمجلس الشورى وأستاذ طب الأطفال بجامعة المنصورة، إلى أن «النقص الحاصل فى الوقت الحالى فى تطعيمات المربع، والثلاثى وهى لا تشكل أزمة لدى الأسر لأن سعرها ضئيل، واستغلال العيادات لا يكون كبيراً لأن الزيادة فى أسعارها، فى حال تهريبها إلى العيادات، لن تكون زيادة كبيرة، لكن المشكلة فى تطعيمات أخرى لا تصنع فى مصر، ولا توجد فى مكاتب الصحة، أو مكاتب الرعاية الأولية، ولذا فهى غالية الثمن جداً كتطعيم النزلة المعوية، وتطعيمات الروتا والالتهاب السحائى، والجديرى، والكبدى أ، والأنفلونزا. ويتابع الدكتور خشبة قائلاً «التطعيمات الإجبارية فقط هى التى توجد على كشوف مكاتب الصحة، وهذه تباع بأسعار زهيدة، وتقدم فيها بالمجان، لأننا نقوم بتحضيرها، ولكن كميات هذه اللقاحات أقل من أن تكفى حاجات المواطنين».