طفرات من التقدم فى المجال النووى قامت بها ألمانيا، وهذا ما هو متوقع من العقلية الألمانية، ففى عام 1974 بدأ تشغيل أكبر مفاعل نووى لتوليد الكهرباء فى العالم A-Biblis ذات قدرة كهربية 1200 ميجاوات. كيف يحدث هذا وهى دولة خرجت من الحرب العالمية الثانية مهزومة ومحتلة، فهل يترك المارد يكمل طريق نشوته التى بدأها فى الخمسينات واستمرت فى الستينات، فالعيون كانت ترصد والقلوب ترتجف خوفا والشكوك تزايدت فلابد من كبح جماحه، فكانت البداية مع بداية السبعينيات بمعارضة من الداخل، مظاهرات مناهضة للانشطة النووية فى مدينة Wyhl، واستمرت حتى كان قرار المحكمة الإدارية فى 21 مارس 1975 بسحب رخصة بناء محطة نووية، واستمرت المعارضة والاحتجاجات العنيفة ضد المنشآت النووية وفى مواقع العمل، وانتقلت الأحتجاجات للمحطة النووية Brokdorf قدرة 1480 ميجاوات كهربى والتى دخلت الخدمة فى أكتوبر 1986. كما واجه مركز إدارة النفايات النووية Gorleben ووحدة أعادة المعالجة Wackersdorfمظاهرات للمعارضة، وأيضا كانت هناك مظاهرات من الحركات المناهضة للنووية ضد المفاعل النووىKalkar SNR-300 ، وهو من المفاعلات المولدة السريعة Fast Breeder reactor (FBR) ذات قدرة مقدارها 327 ميجاوات. فى الفترة من عام 1969 الى عام 1974 تم تشكيل حكومة ائتلافية بين الحزب الديمقراطى الاجتماعى SPD والحزب الديمقراطى الحرFDP برئاسة المستشار "فيلى برانت" وكانت هذه الحكومة تقوم بتقدم كل الدعم للطاقة النووية، وخاصة بعد حرب 1973 ومع ارتفاع أسعار البترول عام 1974 وظهور مشكلة عدم تأمين إمدادات الطاقة. فى عام 1979أكد الحزب الديمقراطى الاجتماعى SPD تأييده للطاقة النووية ،حينما كان "هيلموت شميت" مستشارا لألمانيا (فى الفترة من عام 1974الى عام 1982). يوم 26 أبريل 1986حدثت حادثة تشيرنوبل وكان "هيلموت كول" مستشارا لألمانيا وهو من الحزب الديمقراطى المسيحى CDU (فى الفترة من 1982 حتى 1998)، وبسبب هذه الحادثة انهارت سياسة دعم وتأييد الطاقة النووية، ففى أغسطس عام 1986 كان قرار الحكومة "التخلص عن الطاقة النووية خلال عشر سنوات"، وكانت آخر محطة نووية المانية جديدة تدخل الخدمة فى عام 1989 هى محطة Neckarwestheim- 2 قدرة 1310 ميجاوات من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR، وكان تأثيرهذه السياسة مباشرعلى مشروعات الأبحاث والتطوير R & D لمفاعلات تعمل عند درجات حرارة عالية وتبرد بالغاز HTGCR، وكذا المفاعلات المولدة السريعة FBR، فقد توقف هذا العمل الواعد بعد 30 عاما من العمل الجاد، لكن بالنسبة للمحطات النووية الشغالة فقد استطاع الحزب الديمقراطى المسيحى CDU أن يحافظ على دعم الحكومة الاتحادية لها حتى هزم فى 1998. مذبحة ال VVER، فى سنة 1990 وبعد إعادة توحد ألمانيا فى 3 أكتوبر 1990 تم إغلاق عدد 5 مفاعلات Greifswald 1-5روسية الصنع من نوع ال VVER قدرة المحطة الواحدة 440 ميجاوات، وكانت هذه المحطات قد أمضت فى الخدمة 16 سنة فقط (عمر تشغيل المحطة 40 سنة وحاليا تم تمديده الى 60 سنة ومن المرجح أن يتم التمديد الى أكثر من 100سنة)، كما تم ايقاف تنفيذ عدد 3 مفاعلات Greifswald 6-8 من نفس النوع ونفس القدرة الكهربية، وكذا تم ايقاف تنفيذ عدد2 مفاعل Stendal 1-2 بقدرة كهربية للمحطة الواحدة 1000 ميجاوات، هذه المحطات كانت متواجدة على أراضى المانياالشرقية، وحول هذه المذبحة علامة أستفهام كبيرة. ولكن ردا على هذه المذبحة فالجميع يعلم أن هذا النوع من المفاعلات VVER مشهود لها بالكفاءة "شغال عال العال" ويعمل حتى هذه اللحظة وهو متواجد فى روسيا وخارج روسيا، ومثال على ذلك يوجد فى المجر عدد أربعة مفاعلات PAKS 1-4 شغالة وقدرة الواحدة منها 470 ميجاوات، وفى سنة 1996 قامت المانيا ببيع 235 حزمة قضبان وقود نووى غير مستخدم فى مفاعلاتها التى تم اغلاقها من نوع VVER الى دولة المجر لكى تستخدمها فى مفاعلاتها من نفس النوع. كما أن روسيا تقوم حاليا بتطوير وتصنيع هذا النوع من المفاعلات، وتوجد عدة طرازات من هذه المفاعلات تتراوح قدرتها بين 300 ميجاوات الى 1700ميجاوات، وهناك عديد من دول العالم تقوم ببناء هذا النوع من المفاعلات، كما أن الأردن الشقيق وقع اختياره على هذا النوع من المفاعلات، كما أننى أؤيد وبشدة أن تمتلك مصر هذا النوع من المحطات وعلى أن تكون أول محطة نووية تشيد على تراب مصر. فى الفترة من عام 1998الى عام 2005 كان "جيرهارد شرويدر" مستشارا لألمانيا (الحزب الديمقراطى الأجتماعى SPD)، وفى أكتوبر 1998 تم تشكيل حكومة ائتلافية بين الحزب الديمقراطى الاجتماعى SPD وحزب الخضر برئاسة "يوشكا فيشر" ونتيجة لذلك فقد وافق هذين الحزبين على تغيير القانون النووى حتى يمكن التخلص التدريجى من محطات الطاقة النووية، وكانت تهديدات حزب الخضر بالحد من تراخيص المحطات النووية من جانب واحد دون تعويض فى حالة عدم التوصل إلى اتفاق، وقد كانت محادثات طويلة وشاقة بين الحكومة وشركات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء لوضع جدول زمني للتخلص التدريجى. هناك عنصر هام فى الحرب التي شنتها الحكومة الاتحادية ضد شركات المحطات النووية خلال الفترة من عام 1999الى عام 2000 وهو صدور قانون وبأثر رجعى لجمع ضرائب قيمتها 50 مليار مارك ألمانى من المشتركين ومستخدمى الكهرباء وهو بغرض الصرف على إدارة النفايات النووية وتكهين المحطات النووية وإعادة تأهيل مناجم الفحم البنى "فحم الليجنيت"، وردا على ذلك وعلى وجه السرعة تقدمت الشركات بما يفيد أن هذا العمل يمكن الطعن فيه لأنه "خرق صارخ للحقوق الدستورية الألمانية والمبادئ القانونية"، وعلى الرغم من اعتراض المستشار "جيرهارد شرويدر" فى مجلس الوزراء على هذا القانون، إلا أنه تمت الموافقة على الضريبة من قبل المجلس الفيدرالى فى اليوم الأخير. عام 2000 تم إبرام إتفاق بين الحكومة والشركات المالكة للمحطات النووية لإنتاج الكهرباء نص على "أن يبدأ التخلص التدريجى من المحطات النووية مع بداية عام 2021"، وتم تعديل قانون الطاقة النووية وفقا لذلك في أبريل 2002، ولم ينص قانون الطاقة النووية لعام 2002 على بناء محطات نووية جديدة أومحطات إعادة المعالجة للوقود النووى. فى يونيو 2001 وقع قادة الحكومة الائتلافية وشركات المحطات النووية الرئيسية الأربعة اتفاق لتنفيذ اتفاق سنة 2000، تعهدت الشركات بالحد من العمر التشغيلى للمفاعلات بمتوسط عمر مقداره 32 سنة، على أن تبدأ عملية إغلاق المفاعلات بأختيار المفاعلات التى أقتصادياتها منخفضة وهما المفاعلStade قدرة 640 ميجاوات ومن نوع PWR والمفاعل Obrigheim قدرة 340 ميجاوات ومن نوع PWR حيث تقرر أن يتم أغلاقهم فى أعوام 2003 و2005 على التوالى، بالإضافة الى مفاعل ليس فى الخدمة Muelheim-Kaerlich قدرة 1219 ميجاوات من نوع PWR سيبدأ تكهينه فى عام 2003، كما يحظر بناء محطات جديدة للطاقة النووية فى الوقت الحاضر. وكان الاتفاق قد وضع حد أقصى لانتاج الكهرباء مقداره 2623 مليار كيلووات ساعة على مدى عمرجميع المفاعلات الشغالة وعددهم 19 مفاعل، أى ما يعادل متوسط عمر تشغيل مقداره 32 سنة، وكانت أهم العناصر الحاكمة هى "التزام الحكومة بإحترام حقوق الشركات لتشغيل المحطات الشغالة وضمان التشغيل والتخلص من النفايات سوف يكون محمى من أى تدخل ذات دوافع سياسية"، وشمل الأتفاق التزام الحكومة بعدم فرض أى ضرائب واستئناف نقل الوقود المحترق لإعادة معالجته فى فرنسا والمملكة المتحدة لمدة خمس سنوات وكذا تقديم الدعم لصيانة مستودعى النفايات فى Konrad وفى Gorleben. شركات المحطات النووية كان هدفها تمديد سنوات تشغيل جميع المحطات النووية وعددهم 17 محطة إلى 40 عام بدلا من متوسط 32 عام وتسعى ايضا الى التمديد إلى 60 عام كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية. من هذه المقالة نستطيع أن نرى أن موضوع إغلاق المحطات النووية فى ألمانيا لم يحسم بعد، فهو لعبة سياسية كبرى يستخدمها السياسيون للفوز بمناصب وزارية فى الحكومة أومقاعد فى البرلمان، وحتى الأن فهذا الموضوع لم يستكمل شقه القانونى. إن شاء الله نستكمل الحديث فى المقالة القادمة.