«من يوم ما مات وأنا حاسة إنى تايهة فى الدنيا مش عارفة هاعمل إيه، 24 يوم عدوا كأنهم 24 سنة، منهم لله اللى قتلوه غدر». بتلك الكلمات بدأت سحر محمد السيد، 25 عاماً، زوجة الشهيد العريف محمد محمد عبدالقادر عوض، 27 عاماً، مقيم بقرية بنى شبل، التابعة لمركز الزقازيق، من قوة مديرية أمن الإسماعيلية، إثر استشهاده برصاصات غادرة على يد إرهابيين مسلحين اعترضوا طريقة واثنين آخرين بمحافظة الإسماعيلية، أثناء عودتهما من مأمورية عمل فى الساعات الأولى من صباح 12 فبراير الماضى. تابعت الزوجة الشابة التى حوّلتها المصيبة إلى عجوز، وهى تحتضن أطفالها الثلاثة داخل حجرة بمنزلهم المتواضع قائلة: «محمد كان سندى وضهرى اللى انكسر، ومش ولاده بس اللى اتيتموا، أنا كمان اتيتمت قبل العيال، وربنا يقدرنى على تربيتهم ورعايتهم مع إنى لحد دلوقتى مش عارفة هاعمل كده إزاى، ولولا اخواته اللى مهتمين بينا من ساعة ما مات ماكنتش عرفت أروح ولا آجى». أشارت الأم إلى أن لديها 3 أطفال هم «رضا 11 عاماً بالصف الخامس، وممدوح 8 سنوات فى الصف الثانى الابتدائى، وأيمن 3 سنوات». وعن تفاصيل الأيام الأخيرة فى حياة زوجها قالت «سحر»: «هو كان فى إجازة يومين، وبعدين قعد معانا 3 أيام كمان بعد ما أخد إذن من الشغل، وطول الأيام دى زى ما يكون كان بيودعنا، وكان خايف على العيال، وكل شوية يوصينى عليهم، وراح زار كل اخواته وقرايبنا، وبعد الإجازة ما خلصت يوم التلات صلى الفجر وراح الشغل وبعدها جالنا جثة يوم الأربعاء العصر». «كلمنى يوم الحادثة المغرب قبل ما يطلع المأمورية عشان يطمن على العيال ويوصينى عليهم، وكلمهم وقالهم إنه جاب لهم كتب اللغة الإنجليزية واللغة العربية الخارجية اللى المدرسين طلبوها منهم، وقالهم عاوزكم تبقوا شاطرين عشان تدخلوا الجامعة، وربنا يقدرنى ويقدر أمكم على تربيتكم، وبعد كده قعد يسألنى هى العيال عندها كام سنة، وأنا استغربت، فقلت له هو انت مش عارف عيالك عندهم كام سنة يا محمد، فقالى (أنا حاسس إنى تايه ومتلخبط، خلى بالك منهم)». «رضا» 11 عاماً، نجل الشهيد الأكبر، جلس بجوار والدته، يبدو على وجهه علامات الحسرة والحزن الذى أصبح ملاصقاً له على الرغم من صغر سنه، يقول: «أنا واخواتى الصغار كنا بنستنى إجازة أبويا وأول ما نشوفه قرّب يوصل البيت نطلع نجرى عليه ونحضنه، وكان بيجيبلنا اللى احنا عاوزينه مع إنه مش معاه فلوس كتير»، ويتابع «دلوقتى خلاص مش هنقدر نشوفه تانى وبنروحله المقابر اللى جنب البيت وبنادى عليه». وأنهى «رضا» كلامه باكياً: «ربنا ينتقم من اللى قتله وحرمنا منه.. زمايل أبويا جابولنا الكتب اللى كان شاريهالنا بعد ما مات من أسبوع». التقطت الأم أطراف الحديث مرة أخرى، قائلة: «هو كان قلبه حاسس إنه هيموت، وكان خايف من كتر الحوادث الإرهابية اللى بيموت فيها زمايله، وكان عاوز يسيب الشغل ويشتغل سواق على أى عربية أجرة، بس أنا قلت له بلاش لأن العيشة غالية واحنا ناس غلابة وماينفعش شغل اليومية، لأنه مش مضمون وممكن مانلاقيش ناكل ولا نعرف نصرف على العيال وقلت له الأعمار بيد الله»، وانهمرت فى البكاء قائلة: «ياريتنى خليته يسيب الشغل». وأشارت إلى أن الله نجاه من الموت ثلاث مرات، حيث هاجمه مسلحون على فترات متباعدة 3 مرات أصيب فى إحداها برصاصة فى الكتف، والثانية أصيب برصاصة أثناء وجوده فى كمين أمنى، والثالثة اخترقت الرصاصة كاوتش السيارة، فأصيب بكدمات وجروح. تتذكر الزوجة لحظة تلقيها نبأ وفاة زوجها وعائلها الوحيد، وتروى: «فى يوم الحادث حوالى الساعة الثالثة فجراً كنت نايمة وحسيت كأنى سمعت صوت زوجى بينادى عليا ويقولى قومى افتحى الباب يا سحر، فاتفزعت وقمت من النوم أجرى وفتحت الباب فوجدت زوجة أخوه تجلس أمام منزلها، فقلت لها انتى قاعدة كده ليه، قالت لى قاعدة زهقانة، قلت لها ليه انتى قاعدة من قبل الفجر على الحال ده، هو فى إيه؟ قالت مافيش حاجة، أنا زهقانة وخلاص، قلت لها طيب أومال محمد جوزى فين، أنا سمعته بينادى عليا ماتعرفيش راح فين، قالت جوزك مش هنا، فقلت: جوزى مات؟