لم يكن القرار «السعودى - الإماراتى - البحرينى» بسحب السفراء المعتمدين لدى قطر مفاجئاً، بل كان رداً طبيعياً على استمرار قطر فى تآمرها ضد مصر وضد دول الخليج وضد المنطقة بأسرها، كان إعلاناً عن حالة الغضب ونفاد الصبر من قبل هذه الدول بعد استهانة أمير قطر وحكومته بكل ما جرى الاتفاق عليه فى وقت سابق.. وهو الاتفاق الذى انفردت «الوطن» بكشف تفاصيله فى العدد الصادر فى 10/12/2013. كان الاتفاق الموقع بين قادة السعودية وقطروالكويت قد قضى بوقف دعم قطر للإخوان، وتغيير خطاب قناة الجزيرة، والتوقف عن التحريض ضد مصر، والالتزام بوقف تحريض يوسف القرضاوى ضد مصر ودول الخليج، والكف عن التدخل فى الشئون الداخلية لهذه البلدان، والامتناع عن إيواء الإرهابيين على الأراضى القطرية، والتوقف عن التحريض الدولى ضد مصر. يومها طلب أمير قطر مهلة ستة أشهر لتنفيذ هذا الاتفاق، وهو ما أكد عليه الشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبوظبى خلال لقائه بالوفد المصرى المشارك فى احتفال الإمارات بعيدها الوطنى فى 8 ديسمبر من العام الماضى. يومها لم يكن خادم الحرمين الشريفين متفائلاً، بل كان يبدى غضبه خلال اللقاء بين الحين والآخر من مواقف أمير قطر، ومواقف والده، وقال له يومها: «أتمنى ألا تكون كاذباً مثل والدك، تعطى الوعود، ثم تخلف، هذه المرة لن نتسامح معك»! مضت الأسابيع ثم الشهور ولم يبد أمير قطر أى استعداد للوفاء بما تعهد به، ووقع عليه، فى إطار اتفاق كان أمير الكويت شاهداً عليه، وتم تسليم كل طرف نسخة من هذا الاتفاق، كما تم إرسال نسخة إلى مصر فى سرية كاملة، وتم الطلب من مصر إعطاء فرصة لدول المجلس لإنهاء هذه الأزمة. ومع استمرار قطر فى نهجها، وتآمرها، ورفضها الوفاء بتعهداتها، طلب خادم الحرمين الشريفين من وزيرى الخارجية والداخلية ورئيس الاستخبارات السعودية بدء جهودهم لإلزام قطر بتنفيذ الاتفاق. وبالفعل تم عقد اجتماع فى 17 فبراير الماضى فى الكويت بحضور أمير الكويت وأمير قطر ووزراء خارجية دول المجلس، وفى هذا الاجتماع تمت مواجهة أمير قطر بعدم التزامه بالاتفاق الموقع فى الرياض فى 23 نوفمبر 2013. احتدت المناقشات، وحمل وزير الخارجية السعودى رسالة واضحة تقول «إذا لم يستجب أمير قطر بتنفيذ ما تعهد به فى الاتفاق، فإن دول مجلس التعاون الخليجى سوف تتخذ الإجراءات المناسبة لذلك». يومها طلب أمير قطر مهلة لإجراء تغييرات تفضى إلى تنفيذ الاتفاق، ووعد بإبعاد الإرهابيين من الإخوان والحركات الأخرى ولم ينفذ، لقد اكتفى فقط بالطلب من بريطانيا منح حق اللجوء السياسى لهم، وعندما رفضت بريطانيا وجدها حجة، ولكن دون إجراء. ووعد أمير قطر بوقف التحريض الموجه ضد مصر ودول الخليج عبر قناة «الجزيرة» إلا أن القناة ظلت على موقفها، وإن حاولت افتعال بعض الاتصالات مع المعارضين لحكومة قطر وتوجهها مثل «طارق الخولى - سحر عبدالرحمن» وغيرهما، وقالوا لهم: «نرجوكم اشتمونا وقولوا ما تريدون» وكان الهدف هو أخذ هذه الاتصالات كذريعة أمام دول الخليج بأن القناة بدأت فى تغيير نهجها المعادى. ورفضت الحكومة القطرية إبعاد يوسف القرضاوى أو وقفه عن التحريض، بل تركته يتطاول على دولة الإمارات العربية شعباً وحكومة وقيادة ويقول «إن الإمارات دولة لا ترغب فى الحكم الإسلامى» وكأنه بذلك يحرض على نشر الإرهاب على أراضيها، بل راح القرضاوى يحرض ضد السعودية عندما قال «إن المال السعودى يستخدمه الجيش المصرى لقتل المصريين». أدركت المملكة السعودية أن الحكومة القطرية ماضية فى طريقها، سعى الشيخ محمد بن زايد كثيراً إلى محاولة إقناع أمير قطر بالالتزام بمضمون الاتفاق الذى وقع عليه وحاول أمير الكويت البحث عن حل، لكنه فشل أمام تعنت ومراوغة أمير قطر. كان طبيعياً، والحال كذلك، أن يتم تكليف وزراء خارجية دول مجلس التعاون بعقد اجتماع لدول المجلس فى الرياض فى 4 مارس، حاول الوزراء إقناع دولة قطر بالالتزام بتعهداتها، تحدثوا باستفاضة عن مخاطر الدور الذى تقوم به قطر فى دعم الإرهاب والتدخل فى الشئون الداخلية لمصر ولبلدان الخليج، إلا أنهم لم يجدوا رداً حاسماً على ذلك. وقد أبلغ وزراء الخارجية دولة قطر بأن قراراً لسحب السفراء سيكون هو الخطوة الأولى، وأنه إذا ما استمر نهج قطر بعدم الالتزام بالاتفاق الذى وقعت عليه فى 23 نوفمبر الماضى، فإن من بين المقترحات المطروحة تجميد عضوية قطر فى مجلس التعاون الخليجى وإغلاق الحدود معها واتخاذ إجراءات صارمة ضدها، وهى كلها أمور يجرى تدارسها فى الوقت الراهن حال إصرار قطر على مواقفها. ومن الواضح أن أمير قطر لم يكن يظن أن دول مجلس التعاون الخليجى سوف تكون جادة فى موقفها وتحذيراتها، خاصة بعد أن تلقى تطمينات أمريكية بأن واشنطن سوف تحول دون هذه الإجراءات، إلا أن الدول الثلاث تحدت الإدارة الأمريكية وقررت المضى فى طريقها غير عابئة بالاتصالات التى أجرتها واشنطن فى محاولة لوقف هذه الإجراءات. ومن الواضح أن دولة الكويت، التى قررت لعب دور الوسيط، لا تختلف كثيراً فى موقفها عن موقف الدول الثلاث، إلا أن أمير الكويت طلب من خادم الحرمين الشريفين منحه فرصة لإجراء وساطة أخيرة مع دولة قطر، وإذا لم تلتزم فسوف تنضم الكويت وتسحب سفيرها وتشارك دول الخليج فى كامل مواقفها ضد قطر. لقد أكد د.خالد الخليفة، رئيس لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطنى بمجلس الشورى البحرينى، أن دول مجلس التعاون الخليجى ملتزمة بمبادئ إنشاء المجلس وتطويره، وأن عدم التزام قطر بهذه المبادئ وعرقلتها لبعض الشئون التعاونية بالمجلس يحتم على دول المجلس اتخاذ إجراءات على مراحل لردعها، وقال إن سحب السفراء من قطر ما هو إلا خطوة أولى تؤكد عدم ارتياح الأعضاء من السياسات التى تتخذها قطر. وقال: إن هناك العديد من الإجراءات التصعيدية العقابية الجديدة التى يمكن أن نتخذها مستقبلاً فى حال استمرار قطر فى هذا النهج المعادى لإرادة دول المجلس التى قد تصل إلى القطيعة ضد هذه الدولة. أما القاهرة، فهى قد استدعت سفيرها منذ الثانى من فبراير الماضى، وأصدرت أمس بياناً شديد اللهجة، إلا أن كل ذلك لا يكفى، فأمامها خيارات عديدة يجب اتخاذها حماية لأمنها القومى. هناك اتصالات تجرى مع دول أخرى من بينها الأردن ودول أخرى عديدة بهدف إطلاعها على حقيقة الدور القطرى فى المنطقة وذلك بهدف توسيع حملة الحصار ضد الحكومة القطرية. إن السؤال الذى يطرح نفسه حالياً، كيف سترد قطر على هذه الإجراءات، هل ستتراجع أم سوف تستمر فى نهجها. المؤشرات الأولية تؤكد أن الحكومة القطرية فى حالة قلق شديد من تداعيات هذا القرار والإجراءات التى يمكن أن تفاجأ بها فى الفترة المقبلة، ولذلك بدأت اتصالات ساخنة مع الكويت للتباحث حول هذا الأمر. وهناك أطراف داخل الأسرة الحاكمة فى قطر راحت تحذر من خطورة اتباع سياسة العناد فى مواجهة دول الخليج، وتطالب بضرورة العودة مرة أخرى إلى مائدة الحوار والإعلان عن الالتزام بالاتفاق الموقع فى وقت سابق. أياً كانت التوقعات فى الفترة المقبلة، فالأسرة القطرية أصبحت الآن تعيش أزمة خانقة فى ظل رفض شعبى داخلى وخليجى وعربى، ومن ثم باتت كل الخيارات مفتوحة بما فيها هبوب رياح شعبية تذيق الأسرة الحاكمة بعضاً مما فعلته بالمنطقة العربية.