رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المزايدون فى حب الرسل للشغب على إنكار الإرهاب
نشر في الوطن يوم 26 - 02 - 2014

تمضى الأيام وكلما طرأت على الناس فتنة دينية نقول ليس لها إلا الفقهاء، ولذلك جعل القرآن الكريم الفقه -وهو الفهم المتعمق لنصوص الدين ومقاصده- حقاً للناس لينقذ أفقههم أخاه من نار فتنة الجاهلين، ويحذره من شرورها ويظهر وجه الدين الحضارى فى كل جيل، فقال سبحانه: «فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» (التوبة: 122). وحتى ينتشر الفقه (فهم الدين) بين ربوع المسلمين فقد أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم بأنه أمارة إرادة الله تعالى بصاحبه خيراً؛ ليتنافس الناس فى تحصيله، فأخرج الشيخان عن معاوية بن أبى سفيان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين». وجعل الإفتاء الدينى حقاً شخصانياً، بحيث يفتى كل إنسان لنفسه، وما على الفقيه إلا بيان الأوجه الفقهية التى يعرفها من غير كتمان؛ لما أخرجه الحاكم وأبوداود بإسناد حسن صحيح، عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة». وتبقى سيادة كل إنسان على نفسة بغير وصاية دينية فيما أخرجه أحمد بإسناد حسن، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لوابصة بن معبد: «استفت قلبك، واستفت نفسك. وإن أفتاك الناس وأفتوك». وفى حديث أبى ثعلبة الخشنى بلفظ: «وإن أفتاك المفتون».
ويتميز الفقيه عن غيره بأنه يستطيع بفهمه الفطرى أو الذى يكتسبه بالتدريب أن يستنبط من القول الواحد معانى متعددة؛ ليوجد عذراً أو مخرجاً يجمع به الشمل أو ينقذ به متهوماً، فقد أخرج الدارقطنى وابن أبى شيبة والترمذى بسند فيه مقال عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة».
وقد أنقذ الفقهاء هذه الأمة على مدار تاريخها الطويل من كثير من الفتن التى كادت تهلكها، بفضل حكمتهم وطريقتهم المقاصدية. وحسبنا ما وضعوه من منهج علمى يدرب صاحبه على فتح المغاليق وليس غلق المفاتيح، وحل العقد وليس تعقيد المحلول، وتيسير المعسور وليس تعسير الميسور. ومن أهم معالم هذا المنهج دراسة المعانى اللغوية للمصطلح قبل تفصيل المعنى الاصطلاحى ومحترزاته، ثم تقسيم موضوع الدراسة إلى عدة مسائل، وإشعال المنافسة بين الفقهاء فى هذا التقسيم ليكون الأفقه منهم هو الأكثر قدرة على التفريع وضرب الاحتمالات وتحرير محل النزاع وذكر أسباب الاختلاف وبيان حجج الاحتمالات والدفاع عنها فى مواجهة من يناقشها؛ وفقاً لما وضعوه من قواعد أصولية توازن بين العمل بالحقيقة والعمل بالمجاز، وتجمع فى العلاقة بين المطلق والمقيد، وبين العام والخاص، وبين النص القرآنى والنص النبوى، وبين القول بالنسخ وعدمه، وغير ذلك من مباحث ولادة لشبكة عنكبوتية من المعلومات؛ لتتعدد الأوجه الفقهية فى خدمة الإنسانية، وليس لاختزال تلك الأوجه فى أحدها، كما يفعل أوصياء الدين فى هذا العصر.
تبنى الأزهر الشريف منهج الفقهاء العلمى سالف الذكر القائم على التعددية الفقهية أو المذهبية منذ نشأته قبل أكثر من ألف عام حتى اليوم، وصدّره لكل الجامعات العلمية التى نشأت بعده. ولعل هذا هو السبب فى تقدم الحضارة الإنسانية كثيراً عما كانت عليه فيما يتعلق بثقافة الاختلاف وقبول الآخر وإعذار المخالف.
وفى مقابل هذا البناء الحضارى للإنسانية الذى يتبناه الأزهر الشريف، فى صورة الالتزام بمنهج الفقهاء العلمى الذى يحترم التعددية الفقهية، نرى الأطماع السياسية تنخر فيه بفتنتها اللعينة، إما بالتصيد لما فيه شبهة المعارضة وإما بتحريف الكلم عن موضعه، بما يكون ذريعة للجدل والمشاحنة فى مزايدة غير مبررة فى حب الرسل. ومن ذلك ما افتعله ورثة فرعون فى هذه الأيام شغباً عما فعلوه خلال عامى 2012، 2013 م فى حكمهم للمصريين بالدين الذى وضعوه بأيديهم، وكما جاء فى كتاب الله: «وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (آل عمران: 78). فقلت فى حفل تكريم أسر شهداء الشرطة يوم الخميس السادس من فبراير 2014م: إن سنة الله لا تتخلف، فقيض الله للمصريين وبعث لهم «السيسى» و«محمد إبراهيم» لتحريرهم من هذا الاستعباد وجعل الدين لله، كما قال سبحانه: «وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» (البقرة: 193). وذلك على غرار سنة الله أيام فرعون الذى أرسل الله إليه سيدنا موسى وسيدنا هارون لتحرير المصريين من استعباده لهم بالدين، فأبى وتوعد المصريين بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم فى جذوع النخل عندما خرجوا من دينه إلى دين الله.
وهذا نفسه ما قاله ورثة فرعون فى الوصاية الدينية على المصريين فى 2013م بتفخيخ السيارات وحرق المنشآت وقطع الطرقات وترويع الآمنين، عندما خرج المصريون عن دينهم إلى دين الله.
والبشاعة فى الافتراء أن ورثة فرعون اختلقوا من هذه المقابلة التاريخية والعظة القرآنية أكذوبة تشبيه «السيسى» و«محمد إبراهيم» بسيدنا موسى وسيدنا هارون، واعتبروا ذلك مساساً بمنزلة رسل الله وأنبيائه للنيل من شخصى الضعيف المتواضع، وتبعهم بعض أهل العلم.
ومع عدم صحة التهمة المفتراة فإنه بمنهج الفقهاء الذى يتبناه الأزهر الشريف يتضح أنه لا تهمة ولا مساس بمنزلة الأنبياء والمرسلين؛ لما يأتى:
(1) أن الأنبياء والمرسلين هم قدوة الإنسانية؛ كما أمر الله تعالى فى قوله: «أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» (الأنعام: 90)، وقوله سبحانه: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» (الأحزاب: 21). وإذا لم يتشبه المسلم بالأنبياء فبمن يتشبه؟ لقد أخرج الشيخان عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى فى يوم حنين أناساً من أشراف العرب وآثرهم فى القسمة، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟»، ثم قال: «يرحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر».
(2) أن بعث الله تعالى للإنسانية لا يقتصر على الأنبياء والمرسلين أصحاب النبوة والرسالة، والذين انقطعوا عن البشرية بموت النبى صلى الله عليه وسلم. أما البعث بالخير والتجديد فسيستمر إلى يوم القيامة؛ لما أخرجه الحاكم وأبوداود بإسناد صحيح عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». قال الإمام أحمد: فنظرنا فى المائة الأولى فوجدنا عمر بن عبدالعزيز، وفى المائة الثانية وجدنا محمد بن إدريس الشافعى. ويرى بعض أهل العلم أن تجديد الدين لا يقتصر على شخص واحد، وإنما من مجموع نجاحات عمل مائة سنة يتجدد الدين.
(3) أن النبى صلى الله عليه وسلم شبه الإمام «على» بسيدنا «هارون» فيما أخرجه الشيخان عن سعد بن أبى وقاص، أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف علياً، فقال: أتخلفنى مع الصبيان والنساء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبى بعدى».
(4) أن لغة المؤمنين تنسب الفعل إلى الله حقيقة أو تبركاً؛ لعموم قوله تعالى: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ» (الصافات: 96). وهذا ما عم به خطاب المصريين وأكثر المصريين فشاع قولهم للضيف: «الله أرسلك لى». أو «الله بعثك إلى فلان». وإذا لم يكن الله تعالى هو المرسل والباعث فمن إذن؟ دون أن يكون ذلك ذريعة للمتواكلين أصحاب مبدأ الجبر، أو ذريعة للمتصيدين بتحميل إرادة المعنى الاصطلاحى للرسالة على مقصد المتحدث بإرادة المعنى اللغوى لها بقرينة البداهة، والتى فهمها الحاضرون وصفقوا؛ لحسن الظن به.
(5) إن الممنوع هو نداء الرسول باسمه المجرد أو رفع الصوت عليه، أو تشبيه النبى أو الرسول الحق بأحد من العامة وليس العكس. أما الدليل على منع نداء الرسول باسمه المجرد فقوله تعالى: «لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً» (النور: 63)، ويدل على منع رفع الصوت قوله تعالى: «لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ» (الحجرات: 2). وأما الدليل على منع تشبيه النبى بأحد من العامة فعموم قوله تعالى: «لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (الحجرات: 1). حيث إن المشبه به أعلى منزلة من المشبه، وقد أخرج البخارى عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولن أحدكم إنى خير من يونس بن متى». وفى لفظ مسلم ورواية للبخارى: «لا ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى». أما تشبيه الأفراد ذوى الصفات الحميدة بالأنبياء والرسل فى تلك الصفات فلا حرج فيه للتأسى بهم. وهذا ما اشتهر عند المصريين بقولهم للضيف: «زارنا النبى». وقولهم لمن رفض الهدية: «النبى قبل الهدية». وقولهم لمن صبر فى مرضه: «صبرك كصبر أيوب». وقولهم لمن استعف: «عصمك الله كما عصم يوسف». وهكذا دون نكير؛ لحسن الظن بأصحاب تلك العبارات. ولعل هذا كاف للرد على بعض من وصف كلامى بأنه «زلة لسان». كيف وهو الخطاب الشائع الأعم فى كلام الناس؟ وحسبنا حسن الظن فى فضيلة شيخ الأزهر عندما قال للبابا شنودة: «أرى فيك حنان المسيح». فهل هذه زلة لسان أيضاً، أم نحمل الكلام على حسن الخلق فى مجاملات ذوى الحنان والرأفة؟ لقد نقل ابن تيمية فى «الفتاوى الكبرى» و«درء تعارض العقل والنقل» عن الإمام القشيرى قال: كان أئمتنا فى عصر شيخ الإسلام أبى محمد الجوينى والمحققون من أصحابنا يعتقدون فيه الكمال والفضل والخصال الحميدة، وأنه لو جاز أن يبعث الله نبياً فى عصره لما كان إلا هو من حسن طريقته وورعه وزهده وديانته فى كمال فضله. وكانت الدهشة من تسرع بيان شيخ الأزهر المبنى على التصريحات الصحفية المغلوطة، والتى نسبت إلىَّ كذباً تشبيه قادة بالأنبياء، وليس إسقاط حال المصريين فى 2013 و2014م على حالهم أيام فرعون، بحسب القصص القرآنى من باب العبرة والموعظة، كما قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِى الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (يوسف: 111). فصدر هذا البيان تأسيساً على تلك التصريحات وليس بمراجعتى أو مراجعة نص خطابى فى أسر شهداء الشرطة. وتعجبت من هذا التعجل الذى أضر بى وأوقعنى فى ظلم من رمز المؤسسة التى أنتمى إليها. ولعل ما عوضنى خيراً هو ما تطوع به فضيلة الأستاذ الدكتور «أحمد عمر هاشم»، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء، عندما أجرى مداخلة تليفزيونية مع الإعلامى عمرو أديب، وكنت ضيفه يوم الثلاثاء الحادى عشر من فبراير 2014م، ورفض التعليق على القضية المثارة إلى أن يسمع لفيديو خطابى؛ حتى يتكلم عن بينة كما أمر الله. واستجابت له القناة بإعادة المقطع مثار الجدل، فأعلن شهادته على الهواء مباشرة بسلامة سياق خطابى وعدم العيب الشرعى فيه. وجادله المذيع مراراً، مشيراً عليه أن ينصحنى مستقبلاً بالبعد عن بعض ما ورد من ألفاظ لمنع الجدل، إلا أن فضيلته كان يكرر تأكيده على سلامة السياق وعدم الحرج الشرعى فيما ذكرت مما افتعل المغرضون منه قضية، مضيفاً ثقته فى علم شخصى الضعيف، ووصفى بالعالم. وكنت أتساءل لو فعل فضيلة شيخ الأزهر ما فعله فضيلة الدكتور «أحمد عمر هاشم» من الاستماع لمقطع الفيديو لاستبانة الحقيقة ربما تغير الوضع، وما كنا فى حاجة إلى البيان الذى لم نسمع مثله يوم إشاعة تشبيه الدكتور «مرسى» بسيدنا «يوسف»، الذى خرج من السجن إلى قصر حكم مصر، أو بإشاعة منام يزعم صاحبه تقديم النبى صلى الله عليه وسلم للدكتور «مرسى» عليه فى إمامة الصلاة، أو بإشاعة مشاهدة بعض معتصمى رابعة لسيدنا «جبريل» عليه السلام فى مسجد رابعة يثبّت المصلين المؤيدين لشرعية الدكتور «مرسى».
أعود فأقول: إن الفقه هو الحل للفتن الحقيقية أو المختلقة، وعلى من يصعب عليه الفهم أن يتروى أو يستعين بصديق فقيه، حتى لا يزيد الفتنة اشتعالاً. وإلى هؤلاء نهدى ما أخرجه الحافظ الكنجى الشافعى، وقال هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير عن حذيفة بن اليمان أنه لقى عمر بن الخطاب، فقال له عمر: كيف أصبحت يا ابن اليمان؟ فقال: أصبحت والله أكره الحق، وأحب الفتنة، وأشهد بما لم أره، وأحفظ غير مخلوق، وأصلى على غير وضوء، ولى فى الأرض ما ليس لله فى السماء. فغضب عمر وانصرف من فوره، وقد أعجله الأمر، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك. فبينما هو فى الطريق إذ مر بعلى بن أبى طالب فرأى الغضب فى وجهه، فقال: ما أغضبك يا عمر؟ فقال: لقيت حذيفة فسألته: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أكره الحق. فقال على: صدق، يكره الموت وهو حق. فقال عمر: إنه يقول: وأحب الفتنة. فقال على: صدق، يحب المال والولد وقد قال تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ» (الأنفال: 28). فقال عمر: إنه يقول: وأشهد بما لم أره. فقال على: صدق، يشهد على الله بالوحدانية ويؤمن بالموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط، ولم ير ذلك كله. فقال عمر: يا على، وقد قال: أحفظ غير مخلوق. فقال على: صدق، يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق. قال عمر: إنه يقول: أصلى على غير وضوء. فقال على: صدق، يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير وضوء، وهذا جائز. فقال عمر: يا أبا الحسن، قد قال أكبر من ذلك، فقال: إن له فى الأرض ما ليس لله فى السماء. فقال على: صدق، له زوجة وولد. فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لولا على بن طالب. أقول وصدق الله حيث يقول: «إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» (ق: 37).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.