العلاقات بين الدولة العظمى المزعومة أمريكا مع بلاد العرب وبشكل خاص مصر هى علاقة يمكن وصفها بالحسابات المعقدة فأحياناً تجد أرقامها فى تصاعد وأستقرار للطرفين دون عائق وأحياناً أخرى تجد تعقيدات غريبة تطرأ على المشهد ربما يكون السبب العميق فيها هو ذلك الحلم الأمريكى فى قيادة العالم الى الأبد دون شرط أو تذمر من أى طرف مهما كانت التكاليف التى تدفعها الشعوب لحساب الممارسات التى تقوم بها الإدارات المتعاقبة للولايات الأمريكية , فيجب حسب زعمهم أن يطيع الأخرون دون نقاش أما عن أقتناع أو خوف دفين . وقبل الحديث عن المعونة علينا الخوض فى سياق العلاقات المشتركة ؛ يمكن وصفه بالصراع بين حضارتين أحدهما عريقة ضاربة فى جذور التاريخ الأنسانى وهى الحضارة العربية الأسلامية , أما الآخرى الذى يطلق عليها البعض حضارة " العم سام " لا تتجاوز بعض مئات من السنين. لا نستطيع إنكار أن بعض التطور الذى يعيشه عالمنا اليوم هو نتاج تلك الحضارة الذى وجدت طريقها نحو التكنولوجيا والتطوير ولكن لا يمكن نسيان أهم مشاهد العلاقات أو الصراع كما يجب أن نطلق عليه هو أشتراك أمريكا بقوتها الضاربة فى الحروب العديدة ليس لصالح مبدأ حيوى أو أنتصار لحياة شعب بل لتأمين مصالح ضيقة للدولة الأمريكية المنفذة لرغبات كيان صهيونى وطائفة محددة تعيش داخلها تعتبر الأقوى والأعلى صوتاً يطلق عليها " اللوبى اليهودى " , ويرى الأخر فى سياق فهم العقلية الأمريكية أن هناك مخطط ماسونى هو المحرك لكل الأحداث والمحدد للسياسات التى تتبعها الولاياتالأمريكية لإحكام السيطرة على محاور العالم بينما هناك من يرى أن أمريكا هى درع حماية البشرية من الأشرار !! حروب وضحايا وأسلحة فتاكة متنوعة وغزو لبلدان أخرى وإلحاق الأذى بالشعوب هى حصيلة ما يطلقون عليه قوة الأمريكان ... دعونا نحاول التدقيق فى إحدى أهم النقاط الشائكة فى المشهد بين الامريكان والعرب وخاصة جمهورية مصر العربية , أنها المعونة الملعونة .. المعونة الأمريكية .. قصة المعونة الأمريكية لمصر منذ البداية : بدأت قصة المعونة الأمريكية لمصر مع وصول الرئيس الأمريكي جون كندي للبيت الأبيض في ستينيات القرن السابق حيث قام بإرسال رسالة للزعيم جمال عبد الناصر يبلغه فيها أنه قرر منح مصر معونة قدرها 40 مليون دولار أمريكي سنوياً عربوناً للصداقة، وقد كانت المعونة عبارة عن فائض المنتجات الزراعية الأمريكية. وفي عام 1955 تقدمت أمريكا وبريطانيا بعرض لتمويل السد العالي، عن طريق إمداد مصر بنحو 70 مليون دولار لتمويل المرحلة الأولى من السد، وبمساعدة أمريكا، تمكنت مصر من الاتفاق مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير على قرض بقيمة 20 مليون دولار، لكن أمريكا سحبت تأييدها لمصر وكذلك العرض بعد اتجاه عبد الناصر لشراء أسلحة من المعسكر الاشتراكي، كما جمدت الأرصدة المصرية في البنوك الأمريكية كردّ فعل لتأميم قناة السويس ولم تعود عن ذلك القرار الا بعد التوصل لاتفاق تعويض حملة أسهم شركة قناة السويس. وفي عام 1962 في عهد الرئيس الأمريكي جون كيندي تم التفاوض بين مصر وأمريكا على عدد من الاتفاقيات، بلغت قيمتها 670 مليون دولار تم توجيهها لاستيراد السلع الأمريكية، خاصة القمح والزيت والدخان وتمويل مشروعات السكة الحديد ؛ لكن في عام 1963، رفض عبد الناصر مطالب أمريكا بتعهد مصر بعدم إنتاج أسلحة ذرية وعدم الأستمرار في إنتاج الصواريخ مع منح أمريكا حق التفتيش على مصر، للتأكد من ذلك، بالإضافة إلى مطالب الإدارة الأمريكية بخفض عدد قوات الجيش، فكان رد الكونجرس الأمريكي بالموافقة على قانون يقضى بمنع المعونات الأمريكية عن أية دولة تقوم أو تستعد لعمل عسكري ضد أمريكا أو ضد أي دولة تتلقى مساعدات أمريكية ( الكيان الصهيوني). وفي يناير 66 عادت المعونة الأمريكية لمصر في شكل اتفاقية بقيمة 55 مليون دولار واشترطت أمريكا خفض إنتاج القطن بينما فى ذلك الوقت كانت مصر تبادل القطن بالسلاح الروسي ورفضت الإدارة المصرية ذلك وتوقفت المعونة مرة أخرى. وفي أكتوبر 67 وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على إجراء تعديل في برنامج المعونة الخارجية يقضى بقطع المعونة عن أي دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية بها، وكانت مصر قد قطعت علاقتها بالولاياتالمتحدة في أعقاب نكسة 1967 وبذلك توقفت المعونة الأمريكية. وفي فترة حكم الرئيس السادات وبعد انتصار أكتوبر 1973 والدخول في مفاوضات فض الاشتباك ومن بعدها أتفاقية السلام المصرية مع الكيان الصهيونى ومعاهدة كامب ديفيد، شهدت العلاقات المصرية - الأمريكية تحولا كبيرا بدأ عام 1974 بعودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وأمريكا، والتي توقفت بعد حرب 1967، وجاءت العودة أثناء الجولة الرابعة لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في الشرق الأوسط ,, وفى أعقاب عودة العلاقات الدبلوماسية وافق بنك الأستيراد والتصدير الأمريكي في يناير 1974 على منح مصر قرضا وضمانات تصل إلى 100 مليون دولار لتمويل إنشاء خط أنابيب البترول. وفي عام 1975، صادق الرئيس الأمريكي فورد على قانون المعونات الخارجية الأمريكية لعام 75 وبلغ نصيب مصر منها 250 مليون دولار، وأثناء جولة كيسنجر الثانية تم التوقيع على أول عرض ضد برنامج المعونة الأمريكية بقيمة 80 مليون دولار لمصر، تستمر المعونة الأمريكية في الارتفاع لتصل إلى 2.1 مليار دولار معونة عسكرية و815 مليون دولار معونة اقتصادية بعد توقيع كامب ديفيد ومعاهدة السلام. واستمرت المعونة الأمريكية لمصر بهذا المعدل إلى عام 1998، حيث تقرر تخفيض المعونة الاقتصادية بمعدل 5% سنويا بدءً من عام 1999 لمدة عشر سنوات، مع الإبقاء على المعونة العسكرية دون تغيير حتى عام 2008- 2009، ثم يعاد النظر بعد ذلك في المعونة الأمريكية لمصر. وقدرت المعونة الأمريكية لمصر خلال ال 30 عاما السابقة بنحو 30 مليار دولار، ولم تتلق مصر منها نقداً، سوى مبالغ ضئيلة، بينما حققت الولاياتالمتحدة لنفس الفترة فائضا تجاريا مع مصر بلغ نحو 45 مليار دولار، ولم تزد قيمة الصادرات المصرية للولايات المتحدة على 6.7 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات الأمريكية لمصر أكثر من 55 مليار دولار، وقد ساعد برنامج المعونة التى أسست لنفسها هيئة على الأراضى المصرية لأدارتها على فتح السوق المصرية للسلع الأمريكية التي أصبحت لها الأفضلية . وكالعادة هناك بعض الشروط الواجب أن تتم فليس هناك عطاءاً متاح دون شروط ولكن قبل ذلك ربما يظن البعض أن تلك الأموال هى نقود سائلة فى الأرصدة المصرية الا أن ذلك خدعة كبرى هم يتحكمون فى صورها بالكامل .. المعونة تكون فى هيئة معدات وأسلحة محددة النوع وقطع غيارعسكرية وذلك فى الجانب الذى يخص القوات المسلحة أما باقى المبلغ فهو دعم للتعليم والزراعة والثقافة يكون بدعم الصناديق والهيئات والوزارات والمعاهد والمراكز المتخصصة فى هذه الشئون تحت نظر هيئة أدارة المعونة . أما عن شروط المعونة أو القيود التى فرضتها معاهدة (كامب ديفيد ) بكافة بنودها كانت بمثابة العقد الذى بقتضاه أصبحت مصر مطالبة بالعمل على حماية الحدود المشتركة مع الكيان الصهيونى حرصاً على آمنه !! بالنسبة لأمور التسليح والتطوير العسكرى للجيش المصرى باتت تحت القيود المشددة فلا يمكن أن تكون الا عبر النافذة الأمريكية فقط المتاحة للمصريين . بذلك أصبح الجيش المصرى كتاباً مفتوحاً أمام الجانب الأمريكى والصهيونى وتم حرمانه من تطوير وتنويع مصادر التسليح . ذلك ما كان له أثر غير طيب على نفوس المصريين جميعاً خاصة وهم يشاهدوا أداء الأمريكان بمختلف أدارتهم وعلاقة التدخل السافر فى القرار المصرى فضلاً عن العربدة الأمريكية فى مقدرات الوطن العربى التى لا تغيب مظاهرها عن أنظارنا جميعاً اليوم يلو الأخر . وبعد الزلزال الذى أحدثه شعب مصر فى 30 يونيو وأعلان خارطة المستقبل مما أدى لأنهيار جزء كبير من مخطط الشرق الأوسط الجديد الذى كان يعمل على الطريقة الأمريكية , أصبحت بلاد الحرية المزعومة كالحيوان الضخم الى أصابه السعار تصرخ فى كل مكان بأقاويل وأفعال من خلال رموز أدارتها تدل على ان الصراع المشترك بيننا سيأخذ شكلاً جديداً أو أن شئت قل صياغة ودرجة أكثر حدة من الجانبين. وأهم ردود الفعل الأمريكية التى توضح بشكل لا يقبل التأويل أن المعونة هى أحد أدوات الضغط على الدولة المصرية حتى تحافظ على المشروع الأمريكى الذى تمثل مؤخراً فى الحفاظ على وجود جماعة الإخوان المسلمين فى سدة حكم مصر , كانت الاجراءات التى قامت بها الولاياتالمتحدة إذاء ثورة شعب مصر فى 30 يونيو , حيث قامت بوقف صفقة تصدير الطائرات المقاتلة من طراز أف16 لمصر ووقف المناورات العسكرية المشتركة المعروفة أعلامياً بأسم النجم الساطع كأول رد فعل انتقامي من أجل أصدقائهم الإخوان الذين عملوا كأدوات تنفيذ مشروعهم فى المنطقة . وفى المشهد الأخير لقصة المعونة الملعونة ومع الأعلان عن موعد أولى جلسات محاكمة الرئيس المعزول السيد مرسى , قامت الولاياتالمتحدة بتجميد جزء كبير من المساعدات العسكرية والأقتصادية لمصر لأجل غير مسمى تحت دعوة زائفة وهى لحين تأكدهم بأن الأدارة المصرية تسير فعلاً نحو الأستقرار والحريات والديمقراطية , عذر أقبح من ذنب !! أخيراً .. علينا أن نسعى لأستعادة أستقلال القرار المصرى والعمل على تقدم أقتصادى أجتماعى يلقى بظلال التطوير والحداثة على المجتمع وكذلك أزاحة مانع المعونة عن طريق أمتنا المصرية والعربية الى جانب وضع بداية جديدة لتحديث منظومة الصناعة والزراعة فضلاً عن التعليم بالأضافة الى تطوير وتنويع مصادر التسليح للجيش المصرى وأطلاق شعلة الأنتاج الحربى مجدداً حتى نتمكن عن جدارة بالأستغناء عن المعونة الأمريكة بكافة برامجها بذلك تعود مصر الى مصاف دول الريادة العربية والعالمية , فقد أصبحت المعونة عبر العقود الماضية أداة ضغط وتدخل فهم يقحمون أنفسهم فى أمور غيرهم دون أدنى تعقل لتظهر أمريكا بذلك شيئاً من وجهها القبيح ليتأكد الجميع دون أدنى شك لماذا كان أصرار أمريكا على أعتماد المعونة كأهم بنود معاهدة السلام ومن ثما أستمراراها على مدار العقود السابقة !! , وقد أتضح فيما يستخدمونها معنا , لهذا وأكثر أزعم أن الغالبية الساحقة من الشعب المصرى يرفض أستمرار المعونة الأمريكة لمصر بل يطالب المصريين بوقفها فوراً وحل الهيئة الخاصة بأدارتها التى لا يخفى على أى متابع انها ستار للعديد من المؤامرات التى تحاك ضد مصر , معونة ملعونة تحمل الخراب للنفوس والشعوب تحت زعم الدعم الأمريكى للبلاد العربية .