عادةً، كنا نراه على أحد أرصفة شوارع وسط القاهرة منتصف تسعينات القرن الماضى، وبمرور الوقت والأوساخ، أصبح له نفس لون الرصيف، كلاهما مغطى بطبقة من الأوساخ الدهنية التى تركت على الأرض بقعة زيتية غامقة. ولا أحد يعرف من الذى منح هويته للثانى، هل انتقلت قذارة الرصيف إليه أم انتقلت قذارته إلى الرصيف؟ وفى بعض الأحيان كان يغادر رصيفه ليتجول فى الشوارع عارياً تماماً. ولا أحد بالتأكيد كان يسبه أو يحاول ردعه، فالاقتراب من المجانين خطر، والمجانين لديهم رخصة أن يفعلوا ما يشاءون. حسب رواية سفر التكوين، كان سيدنا آدم عارياً فى عهد براءته الأولى قبل أن يعصى أمر الله، كان العرى رمز البراءة، ولسبب ما صار العرى فيما بعد رمزاً للخطيئة، ولا يستثنى من ذلك إلا المجانين. وخلال السنوات الثلاث الماضية بدا أن العالم كله انخرط فى حفل جماعى للعرى. لكن الغريب فى الأمر أنه يتعرى مدعياً العقل والحكمة والإنسانية. وصار عادياً أن نرى العراة يتحركون بحرية فى الشوارع ويتجولون بين الصحف وشاشات الفضائيات، وبعضهم يعمل فى مهن مرموقة: رؤساء دول وحكومات وأمراء ورجال أعمال ومحامون ومهندسون وأطباء.. ونشطاء. وفى تقديرى أن باراك أوباما يستحق عن جدارة لقب إمبراطور العراة، فالرجل الذى زعمت دولته أنها تخوض حرباً ضد الإرهاب، هو نفسه الآن الذى ينزع عن نفسه وعن دولته ملابسها، لتظهر على حقيقتها باعتبارها مصنع الإرهاب ومصدره ومموله الأول وربما الوحيد. والغريب أن أمريكا «الدولة» تمارس العرى باعتباره فناً، استناداً إلى أن عروض التعرى الشهيرة «استربتيز» مشروعة هناك. ومن حق أوباما أن يتعرى كما يشاء ومن حقه أيضاً أن يتمرقع ويهز ردفيه كغانية فى ملهى ليلى، لكن ليس من حقه أن يجبرنا على تصديق أنه يرتدى ملابسه مثل بقية البشر. وفى حفل التعرى الأمريكى، جمهور عريض، نسميهم فى مصر النشطاء، بعضهم طيبون وأغبياء لا يعرفون أنهم عراة، وبعضهم يذكرنى بالنكتة الشهيرة التى تقول إن الناس ذهبوا إلى رجل وحذروه من أن زوجته تخونه قائلين «الحق يا جدع.. شافوا مراتك مع فلان الكهربائى فى الجنينة» فكان رده عليهم «ولا كهربائى ولا يفهم فى الكهربا». وأقصد هنا أن البعض أغمض عينيه عن حقيقة ما فضحته التسريبات عن هؤلاء واكتفى بالتركيز على السؤال العويص: التسريب حلال أم حرام؟ ومن أمراء العرى الذين يتباهون بعوراتهم فى مصر، طائفة من الكتاب، على رأسهم فهمى هويدى، فقيه الإرهاب ومفتى الدم، وهو نسخة طبق الأصل من أوباما. عارياً يكتب وعارياً يفكر وعارياً يدافع عن القتلة وحقوق الإخوان العراة، الذين نراهم كل يوم جمعة يسيرون دون ملابس ودون أدمغة فى بعض شوارع مصر. ومنهم أيضاً حسن نافعة، الذى يطالب بالتصالح مع الإرهاب والحوار مع القاتل، تماماً مثل ذلك الرجل الذى يجلس على الرصيف المتسخ ثم يتجول عارياً، فنغفر له عريه لأنه مجنون.. فهل يطالب هؤلاء أن نغفر لهم للسبب نفسه؟