عاش بين أركان المخابرات المصرية، فتش في سجلاتها، وأخرج من بين ملفاتها أبطالا كانوا في دفاتر التاريخ السرية، وضعهم في دائرة الضوء، وجعل منهم القدوة في الوطنية، ومثلا في التضحية، فيما لم يكن المجتمع المصري يعرف عنهم شيئا في ذلك الوقت، فساق بقلمه شخصيات لا تنسي إلى أعمق نقطة في ذاكرة المشاهد المصري، بعدما جسد بطولات العميل المزدوج جمعة الشوان، وقاهر الموساد رأفت الهجان، وبطلة حرب الجواسيس سامية فهمي. هو الروائي صالح مرسي، الملقب ب"أديب الجاسوسية" وهو أشهر وأبرز وأهم من كتبوا في هذا المجال. ولد صالح مرسي في كفر الزيات بمحافظة الغربية في 17 فبراير 1929، وعمل في جهاز المخابرات العامة المصرية، وكتب رواياته المأخوذة عن قصص حقيقية لجنود مجهولين، عملوا بجهاز المخابرات لسنوات طويلة، قبل أن يحولهم إلى شخصيات من لحم ودم في رواياته، فكانت قصصهم مع الفداء والتضحية سببا في خلود الأعمال الفنية التي تناولت سيرتهم، وقد جسدها نجوم التمثيل على شاشات السينما والتلفزيون. ويعتبر مسلسل رأفت الهجان، الذي أنتج في عام 1987، من أهم الأعمال الدرامية المصرية والعربية، وهو يتناول سيرة الجاسوس المصري رفعت علي سليمان الجمال، الذي تم زرعه داخل المجتمع الإسرائيلي، وكان له دورا فعالا في الإعداد لحرب أكتوبر، وقد جسد شخصيته الفنان محمود عبد العزيز، كما لا تزال شخصية "محسن بيه ممتاز" من الشخصيات الراسخة في اذهان المصريين وتجسد الصورة الذهنية لضابط المخابرات، بعدما نجح الفنان يوسف شعبان ببراعة في أن ينافس نجم المسلسل الأول بدور أقصر من حيث المساحة الزمنية. لم يكتف صالح مرسي برأفت الهجان، فكان في سجل أعماله المتميزة أيضا، مسلسل "دموع في عيون وقحة"، عن قصة العميل المزدوج جمعة الشوان، والذى قام بتجسيدها الفنان عادل أمام، وأيضا "حرب الجواسيس" وقصة الصحفية سامية فهمي. وايضا المسلسل التلفزيوني "الحفار"، إلا أنه لم يجسد شخصيات أبطال المخابرات المصرية فقط، بل نال العملاء والجواسيس قسطا من أعماله كما في الفيلم السينمائي "الصعود إلى الهاوية"، والذي يدور حول العميلة المصرية هبة سليم، التي تم تجنيدها من قبل المخابرات الإسرائيلية في فترة حرب الاستنزاف لتتجسس على مصر، وتم كشفها في باريس، وخداعها لتسافر إلى بلد عربي، ومن هناك استلمتها المخابرات العامة المصرية لتطير بها إلى مصر، حيث أحيلت إلى المحاكمة وتم إعدامها. أديب الجاسوسية، هو اللقب الذي حمله صالح مرسي، ورغم ذلك كتب أعمالا سينمائية عاطفية مثل السيرة الذاتية للفنانة ليلى مراد، والتي تحولت إلى عمل درامي غنائي بعنوان "أنا قلبي دليلي"، وله أيضا من الأعمال "البحار موندي" و"حب للبيع"، و"قصة زواج عصري"، وظل يبدع حتى رحل في 24 أغسطس 1996.