بعيدا عن مشاعر الرحمة والرأفة التى أكنها لكل المخلوقات والكائنات الحية التى خلقها الله سبحانه وتعالى.. بعيدا عما نشاهد.. نسمع وننتفض كل يوم.. بل ربما كل دقيقة مما نرى من وحشية الحروب والصراعات الدموية التى يروح ضحيتها أبرياء من البشر لا حول ولا قوة لهم، إلا أنهم ضعفاء لا يملكون حيلة تمنع عنهم أو تكفيهم شر التعرض لما يصيبهم من جنون عقول أصابها «اللوس» و«الهوس»، وهى تمسك وتضغط على زناد الرشاشات والمدافع والقنابل، وتصوبها نحو النساء والشيوخ والأطفال والرجال دون رحمة أو شفقة قد تلين قلوبهم عندما يُطلَق صوت بكاء طفل، أو تبرق نظرة ذعر من عجوز، أو يدوى صراخ امرأة مغلوبة!! بعيدا عن كل هذه المصائب التى يدمى لها القلب، وتدمع معها العين، ويعجز حتى القلم عن وصفها، يخرج علينا قوم «الطالبان» بفيديو ساذج ومستفز يتم بثه من خلال المحطات والشبكات الإعلامية الدولية، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعى، يصور كلبا عسكريا تم احتجازه كرهينة منذ ديسمبر 2013، ويزعم أنه ينتمى إلى القوات العسكرية الأمريكية الموجودة فى أفغانستان، حيث يتم استخدامه بعد تدريبات دقيقة خاصة فى عمليات البحث والتنقيب عن المفرقعات والقنابل، والمفقودين، وغير ذك من الأعمال التى تحتاج إلى حساسية هذه الكلاب التى تتحلى بمواصفات خاصة. والكلب، الذى يدعى «كولونيل» وظهر مذعورا حزينا معبرا عن مأساته وشعوره بالغربة وسط قوم ربما لا يقدرون قيمته أو مشاعره حتى وإن كان كلبا كما يرى البعض، كان يحمل كاميرا فيديو تم تلبيسها فوق ظهره مع سلسلة حديدية يتم سحبه منها أثناء ترديد عبارات التكبير والدعاء والشكر لنصرة الله للمجاهدين الأفغان ضد أعدائهم الخونة، وكلابهم المتجسسة!! وذلك بأسلوب لا يختلف كثيرا عن الأساليب المتبعة مع الرهائن الذين يقعون فريسة فى أيدى هؤلاء ويتم أسرهم. ويعتبر «كولونيل»، ويعنى بالعربية «عقيد»، أول حيوان يتم أسره واحتجازه كرهينة فى تاريخ الحروب والنزاعات المسلحة، لذا فقد حظى بهذا الاهتمام الواسع من أعلى الدوائر، ليس فقط من أجل قيمته، وسخاء تدريبه، أو حتى من أجل «حقه كحيوان» حيث لم يصدر للكلاب حتى الآن أى قوانين لحمايتها أثناء استخدامها فى الحروب، ولكن من أجل غرابة هذا التصرف أو الإجراء الذى قام به الطالبان، والذى بات غريبا وغير مفهوم بشكل لا يصدقه العقل!! لذا.. تُرى ماذا كان يفكر فيه هؤلاء القوم وهم يأسرون هذا الكلب الذى لا يعرف شيئا عن «الجهاد» أو «الجهاديين»؟ ما رد الفعل الذى كانوا يأملونه أو يتوقعونه وهم يصورون هذا الفيديو للكلب وهو رهينة؟! هل كانوا يعتقدون أن فرقا من قوات الإنقاذ الخاصة الأمريكية سوف تقوم بعملية عسكرية لإنقاذه؟! أم سوف تقوم القوت العسكرية الأمريكية بإجراء مفاوضات معهم من أجل إطلاق سراح الكلب؟ أو ربما ظنوا أنه يمكن أن تتوقف الولاياتالمتحدة عما تدبر من خطط، وتحول تركيزها واهتمامها بشكل جدى على هذه المشكلة التى ربما تصاحبها رسالة «لقد أسرنا كلبكم فعليكم الآن أن تنتبهوا وتخافوا منا»!! فى الحقيقة الأمر مثير للشفقة.. حتى وإن تعلق بمشكلة كلب يستخدم كأداة لتوصيل رسالة لا أحد يتخيل مغزاها أو دافعها.. إنها حالة يجتمع فيها الجنون مع اليأس، وتحملها هذه المسرحية الهزلية المبهمة!! لكنها فى الوقت نفسه تركيبة نفسية معقدة.. مثيرة أيضاً للرعب، ومشابهة إلى كثير من اللامنطق واللامعقول الذى كان يحيطنا قبل 30 يونيو الماضى. إن هذه القصة الغريبة ما هى إلا مزيد من التجسيد والتوضيح لهؤلاء القوم الذين صدّروا على مدى سنوات طويلة فكرهم المتخلف اللامنطقى، وأعمالهم الإرهابية التى لا تنتهى، وعقيدتهم المشوشة التى لا تستند إلى دين أو عقل. إنهم هؤلاء.. هؤلاء الخرقاء يا مصريين.. يا من يخرج منكم يقتل ويخرب ويدمر أرض وطنه.. ورفاق شعبه.. إنهم هؤلاء الخرقاء الذين ترددون شعاراتهم.. وتمسكون بأسلحتهم.. انظروا مرة أخرى إليهم واعقلوا ماذا يدعون إليه.. اعقلوا كيف يفكرون.. وكيف يعقلون ويزنون الأمور!! وبعد ذلك حكّموا منطقكم إذا كنتم تريدون هؤلاء لكم حكاما.. أو حتى جيرانا.