يتوجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما الشهر المقبل إلى السعودية، حيث سيلتقي الملك عبدالله لإجراء نقاش صريح في وقت يقوم توتر بين البلدين حول انفتاح الولاياتالمتحدة على إيران وتحفظاتها في سوريا. وشكلت سياسات "أوباما" خيبة للرياض وشهدت ولايته تقلبات في علاقة واشنطن الاستراتيجية مع حليفها الأساسي في المنطقة. ولم تخف المملكة استياءها من دبلوماسيته حيال البرنامج النووي لإيران، الخصم الشيعي للسعودية السنية في هذه المنطقة التي تشهد توترات متفاقمة، وعدوله في اللحظة الأخيرة في نهاية العام الماضي عن تسديد ضربة عسكرية لسوريا. ونشر أمراء سعوديون منذ ذلك الحين مقالات في صحف أمريكية شبهوا فيها واشنطن ب"دب ضخم" يتمنع عن إخراج مخالبه ووصفوا فيها الاتفاق المرحلي الذي تم التوصل إليه مع إيران بشأن برنامجها النووي، بأنه "مجازفة خطيرة". وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" أول من أعلن السبت الماضي، نقلا عن مسؤولين عرب، أن "أوباما" يعتزم زيارة السعودية، غير أن البيت الأبيض انتظر حتى الاثنين ليؤكد الخبر، مشيرا إلى أن "أوباما" سيضيف محطة لم تكن مقررة إلى جولته المعلنة على هولندا وبروكسل والفاتيكان في مارس. ورفض مسؤولون أمريكيون الكشف عن الجانب الذي اتخذ المبادرة في هذه الزيارة. وبالرغم من "الكلام الدبلوماسي" عن علاقة واسعة النطاق وحيوية بين البلدين، إلا أنه لم يتمكن من تبديد الانطباع بأن الزيارة هدفها الحد من الأضرار. وقال المتحدث باسم "البيت الأبيض" جاي كارني: "أيا كانت الخلافات في وجهات النظر بيننا، فهذا لا يبدل بشيء واقع أنها شراكة هامة جدا ووثيقة جدا". وبالرغم من أن الصورة ليست قاتمة تماما، حيث تبدي السعودية ارتياحها لجهود "كيري" من أجل تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط وتقوم علاقة وثيقة بين البلدين على صعيدي الأمن والاستخبارات، إلا أن الخلافات تبقى جسيمة بشأن سورياوإيران. وقال ديفيد أوتاواي الباحث المتخصص في الشرق الأوسط في معهد "ويلسون": "أتوقع أن يدور نقاش صريح للغاية كما يقال في اللغة الدبلوماسية". ورأى سايمون هندرسون، الباحث بمعهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن السعوديين لن يخفوا على "أوباما" خيبتهم بالرغم من حرصهم على مجاملته. وقال: "المغزى المبطن هو (سوف نطلعك على بعض الحقائق بشأن الشرق الأوسط يبدو أنها لا تلقى استحسانك)". ولم يخف السعوديون استياءهم حيال الاتفاق المرحلي الذي أبرم بين الدول الكبرى وإيران، ونص على تعليق طهران بعض أنشطتها النووية لقاء تخفيف العقوبات المفروضة عليها. وتعتبر الرياض على ما يبدو أن أي دبلوماسية تسمح لإيران بتحسين موقعها في المنطقة تشكل انتكاسة للسعودية. وقال "هندرسون": "أعتقد أن أوباما سيجد صعوبة كبرى في تهدئة مخاوف السعوديين". وكتب وزير الدفاع السابق في إدارة "أوباما" روبرت جيتس، في كتاب صدر له مؤخرا، أن الملك عبدالله قال له بصراحة إن "إيران هي مصدر كل المشكلات وخطر لا بد من التصدي له". وتتنازع السعودية السنية وإيران الشيعية منذ زمن بعيد دور الزعامة الجيوسياسية في الشرق الأوسط. وقال أنتوني كوردسمان الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، في مقال، إن "هذا الصراع بين إيران والسعودية يزداد تعقيدا على ضوء الشكوك المتزايدة لدى السعوديين وغيرهم من العرب حول تحالفهم مع الولاياتالمتحدة وحول السياسات الأمريكية في المنطقة". وتبدأ قائمة المآخذ السعودية على إدارة أوباما بالخيبة إزاء عدم بذل الرئيس الأمريكي جهودا كافية لتحقيق وعده ب"بداية جديدة" مع العالم العربي الذي قطعه في خطابه الشهير في القاهرة عام 2009. وتصاعد غضب السعوديين بعدما تخلى "أوباما" عن حليف قديم للولايات المتحدة هو الرئيس المصري حسني مبارك الذي أطاحته ثورة شعبية. وفي غمرة "الربيع العربي" الذي أسقط أنظمة ويهدد أخرى، فقدت الرياض الأمل في إمكانية أن يقف أوباما "في الجانب الصحيح من التاريخ". وصدرت انتقادات علنية ملفتة لواشنطن عن شخصيات مثل الأمير تركي الفيصل والسفير السعودي في بريطانيا الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز، بعدما عدل "أوباما" في اللحظة الأخيرة عن تسديد ضربات جوية بدت وشيكة إلى نظام "الأسد"، لمعاقبته على استخدام أسلحة كيماوية ضد مواطنيه. وعزز هذا التراجع في الموقف الأمريكي حجج منتقدي واشنطن في الشرق الأوسط الذين يشككون في مصداقية "أوباما"، حين يهدد بمهاجمة إيران في حال فشل السبل الدبلوماسية معها. كما غذى هذا التراجع رأيا يسعى المسؤولون الأمريكيون بشكل متزايد لنقضه، يقول إن "واشنطن تنصرف عن الشرق الأوسط في وقت يسحب أوباما قواته من ساحات مواجهة في المنطقة ويعيد تركيز سياسته في آسيا". وتجلت الخيبة السعودية حيال رفض "أوباما" تسليح مقاتلي المعارضة السورية في مداخلة لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل خلال مؤتمر صحافي عقده مع "كيري" في الرياض في نوفمبر. وقال إن "سوريا هي أصعب أزمة في العالم في الألفية الراهنة، وإن لم يكن ذلك سببا كافيا للتدخل لوقف سفك الدماء، لا أعرف متى يكون هذا". وفي حين أن "أوباما" والملك عبدالله قد يتفقان على الاختلاف بشأن إيرانوسوريا، إلا أن الرئيس الأمريكي سوف يشدد على جهود "كيري" لدفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين قدما، وهو التزام لطالما طالبت به السعودية. كما أن البلدين يريان تهديدا مشتركا في انتشار الجماعات الموالية لتنظيم "القاعدة" في العديد من المناطق السورية والعراقية الخارجة عن سيطرة السلطات. وسبق أن زار "أوباما" الرياض في يونيو 2009، في مستهل ولايته الأولى. وبعد سنة استقبل في البيت الأبيض العاهل السعودي الذي يبلغ التسعين من العمر هذا الصيف، وأكد في تلك المناسبة على متانة العلاقات بين البلدين.