مجدي البدوي يشكر حكومة مدبولي: قامت بواجبها الوطني    ارتفاع ودائع عملاء بنك saib إلى 63 مليار جنيه بنهاية مارس 2024    محافظ مطروح يتابع خفض منسوب المياه الجوفية بمشروع الإسكان الاجتماعي والشباب بمنطقة حفر الباطن    زعيم المعارضة الإسرائيلية يجدد عرضه منح نتنياهو شبكة أمان للاتفاق مع حماس    "الأونروا" تطالب بزيادة تدفق المساعدات إلى غزة وحماية طواقم العمل    موسكو تهدد واشنطن بعواقب الأضرار التي لحقت بنظام الإنذار المبكر    الرئاسة الأوكرانية: 107 دول ومنظمات دولية تشارك في قمة السلام المرتقبة بسويسرا    ذا أتلتيك: ريال مدريد يقرر تفعيل بند شراء خوسيلو    نائل نصار أمل الفروسية المصرية في أولمبياد باريس    يورو 2024.. سكالفيني يغيب عن "الآزوري"    تحرير 9 محاضر تموينية متنوعة في حملات على الأسواق ببلطيم    تفاصيل عقد قران جميلة عوض والمونتير أحمد حافظ    أحمد حاتم وحسين فهمي وأبطال قصر الباشا في أول يوم تصوير    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    تشكيل الحكومة الجديدة.. 5 أسباب ترجح كفة استمرار أشرف صبحي وزيرا للرياضة    محافظ الغربية: نتابع باستمرار ملف التصالح وتبسيط الإجراءات على المواطنين    تعديل تركيب وامتداد مسير عدد من القطارات على خط «القاهرة / الإسماعيلية»والعكس بدءًا من السبت المقبل    ناجى الشهابي: حكومة مدبولي قادوا البلد في ظروف صعبة بحرفية شديدة وضرورة الاهتمام بالصحة والتعليم    مجلس النواب يشكر حكومة مدبولي: بذلت جهدًا كبيرًا داخليًا وخارجيًا    رئيس حزب الاتحادى الديمقراطى: حكومة مصطفى مدبولى عملت فى صمت وحققت الكثير من الإنجازات    ثقافة الإسكندرية تقدم "قميص السعادة" ضمن عروض مسرح الطفل    نتنياهو: الحرب فى غزة ستتوقف لإعادة المحتجزين ثم ستتبعها مناقشات أخرى    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    رئيس الوزراء يتفقد المعرض الطبي الأفريقي الثالث    الأربعاء المقبل.. انطلاق مهرجان الأفلام اليابانية بالقاهرة    مي عمر عن علاقتها بمحمد سامي: «مبخافش من الحسد ومبركزش في كلام الناس»    جامعة كفر الشيخ تتسلم شهادة رخصة مركز تدريب معتمد من المجلس الأعلي للجامعات    إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي الغربي بقنا    نقيب البيطريين: حصلنا على وعد بضم أعضاء النقابة إلى تعيينات ال120 ألف فرصة عمل    6 قرارات للمجلس الأعلى للجامعات لشئون الدراسات العليا والبحوث    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    بعد الفوز على الاتحاد السكندري.. أبوقير للأسمدة يجدد الثقة في محمد عطية    من الترويج للمثلية الجنسية إلى إشراف «التعليم».. القصة الكاملة لأزمة مدرسة «ران» الألمانية    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    مرصد الأزهر: الحفاظ على عقول الأفراد من الانحراف أحد أهم مقاصد الشريعة    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    صيادلة الإسكندرية: توزيع 4.8 ألف علبة دواء مجانا في 5 قوافل طبية (صور)    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    برلماني يطالب الحكومة بدعم الاستثمار الزراعي والصناعي    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل ساعات من «رقصة الاعتزال».. عازف صاجات الغورية: «المسرح هيوحشني»
نشر في الوطن يوم 13 - 03 - 2019

كأنه طفل مشاكس، يخطف بلهوه عيون الحاضرين، يدخل إلى المسرح، ثم يعزف بآلته، فينصت الجميع، وتختفى الابتهالات وتتوقف الآلات الأخرى عن العزف، حتى يشير للفرقة باستكمال الرقص، ويعود النغم متجانسا من جديد. يفعل كل هذا بصاجاته النحاسية، وشعره الذى يسدله على كتفيه، وابتساماته وآهاته.
ساعات قليلة تفصل ذلك «الطفل» عن رقصته الأخيرة فوق مسرح قبة السلطان الغورى بالقاهرة، فاليوم الأربعاء عيد ميلاده، وهو المتمم أيضا لعامه ال60، ليمضى عادل يوسف إلى حياة أخرى بعيدا عن فرقة التنورة التراثية، وبعيدا عن القبة، بعد 31 عاما قضاها داخل ذلك المكان، الذى عرف فيه بأنه أقدم أفرادها وأشهرهم كذلك، وضابط إيقاع الفرقة كذلك.
كان طفلا تسحر عينيه «لفيفة التنورة» في الموالد والحفلات، وتجذب انتباهه أصوات الآلات الموسيقية، حين كان والده يصطحبه معه، فيشاهد ويسمع ثم يتخيل نفسه مكان أحد هؤلاء الذين يصفق لهم الناس إعجابا، ويطلبون منهم المزيد من الفقرات، حتى أدرك والده حب الصغير لذلك العمل، فدربه وأحسن تدريبه حتى صار فردا مهما فى فرقة والده، الذى كان مريدا في الطريقة الرفاعية الصوفية: «عملت من الكازوزة صاجات، كنت بجيبها من الشارع وألعب بيها، لحد ما أمي قالت لأبويا شوف ابنك» في تلك اللحظة أدرك يوسف أن ابنه عادل وقع في غرام تلك الآلة النحاسية، فاشترى له واحدة، وألقاها بين يديه، وتركه يحاول تعلمها، حتى أجلسه أمامه وصار يلقنه دروسها شيئا فشيئا: «لحد ما بقيت بريمو، أمسك الطورة وألعب وأجنن الناس وأخطف الأضواء، ورغم إني كنت لفيف وعزفت حاجات كتير بس حبيت الطورة أكتر حاجة».
فى 1977 توفى يوسف فايد، والد عادل، وبعد ذلك التاريخ، التقى عادل بالدكتور صلاح عناني، الفنان التشكيلي، الذي أخبره حول رغبته في وجود فرقة تهتم بشأن التنورة، فكان قرار عادل بالبحث عن أفضل من يعرف في ذلك المجال، وكانت الفرقة مكونة من 10 أفراد، وصلت الآن إلى 60 شخصا: «كنت في الأول في موالد وحفلات ومهرجانات، لحد ما اشتغلت بقى في قصر الغوري، تبع الهيئة العامة لقصور الثقافة» يحكي الرجل بينما كان يجلس داخل وكالة الغوري، متذكرا حين كان في أحد السفريات مع عناني: «قاللي النمرة اللي بتعملها بالطورة حلوة ليه متخليهاش حاجة ثابتة، فساعتها اشترت زمايلي وبقيت برقص بالطورة اللي هيا الصاجات ومبسيبهاش بقى».
يخرج من حقيبة معه تلك الصاجات النحاسية، يربط في كل واحدة منها قطعة من المطاط، تمكنه من إمساكها بإصبع واحد، فتكون الصاجات في 4 أصابع من يد الرجل، ثم يعزف بها، فى خفة ومهارة وسرعة: «عندي حوالي 10 صاجات، بحبهم وبحب أقتنيهم، لكن أحلى واحدة كانت بتاعة أبويا وعمي خدها لما أبويا مات، ومرات عمي احتفظت بيها». يتذكر حين كانت الواحدة من تلك الصاجات ب10 جنيهات قديما، وتخطت الآن ال300 جنيه، ويحتفظ داخل أحد الأدراج الخاصة به داخل الوكالة، في الغرفة المخصصة لتغيير الملابس، بكيس من القطن، ينظف به الصاجات كل مرة قبل أن يصعد المسرح للرقص: «أنا موتى وسمى من اللي يسرق مني الأضواء، لازم أبقى جاهز ومركز وطالع متأكد إني هبهر الناس» بينما كانت في الحقيبة التي إلى جواره، طاقية بيضاء وشال أبيض يلف به تلك العمامة، وجلابية بيضاء يرقص بها، وبخاخة مياه يرش بها على شعره: «زمان كنت بجهز للرقص، بعمل رياضة وأسخن وبتاع، دلوقتى لا خلاص بقيت بطلع على المسرح جاهز، بس مش غرور إنما ثقة». يخفي شعره أسفل تلك طاقية بنية اللون، فإذا ما ارتدى عمامته التي يلفها بعناية بالغة قبل الرقص، أطلق شعره، فهو جزء من شخصيته على ذلك المسرح، ويتذكر شعر والده الذى كان يصل إلى منتصف ظهره، بحسب ما تشير يده أثناء الحديث: «كل حاجة فيا جزء من شخصيتي، شعري الطويل، الآهات اللي ممكن أقولها فجأة، الابتسامة الحلوة، وعشان كده ليا تقل على المسرح».
مشاعر مختلطة، اليوم يتم الاحتفال بعيد ميلاده لأول مرة، فعلى مدار 60 عاما لم يسبق له الاحتفال به. يبتسم كما لو كان طفلا، لدى حديثه عن الأمر: «بكرة بقى عيالي وأحفادي، وحبايبي والناس هنا هيجيبولى تورتة، ويحتفلوا معايا، ودي أول مرة تحصل في حياتي» لكن تلك الابتسامة لا تلبث حتى تتحول إلى علامات حزن: «بس جمهور الغورية هيوحشني، الكبير والصغير والغني والفقير، كل دول هيوحشوني أوى، وعيد ميلادي بيتوافق مع آخر مرة ليا هنا». ثم تلمع عينيه، وهو يتحدث عن أيامه المقبلة، فهو بصدد إنشاء فرقة تهتم بالتنورة بعيدا عن تلك التابعة للمجلس الأعلى للثقافة: «ومش هبطل رقص إلا لما أموت، زي أبويا بالظبط، مبطلش شغل إلا لما مات».
أكثر اللحظات التى تسعد الرجل حين يراه أحد الأطفال، ويخبره أنه شاهده ذات مرة بينما يلعب بالصاجات، أو حين يسلم أحد المارة في الشارع، ويخبره أنه يعرفه بالاسم.. كان يحكي تلك الكلمات بينما يقف في شارع الأزهر، حين مر من أمامه بائع سريح، فيتوقف للحديث معه، ويخبره أنه شاهده ذات مرة عبر الإنترنت، فيسر الرجل لذلك سرورا شديدا: «أهو دي اكتر حاجة ممكن تفرحني وتخليني مبسوط، وإحساسي بالحياة وحلاوتها قد الدنيا». يتذكر كذلك بعبارات أسى ووجه حزين، حين أخبره أحد الشباب في العرض قبل السابق، أنه يأسف لتوقفه عن الرقص داخل قبة الغوري، بعدما اعتاد الشاب المجيء للمكان في كل سبت واثنين وأربعاء، الأيام الخاصة بعروض الفرقة: «بس هيا الحياة كده، مضطر أبطل هنا عشان طلعت معاش، وخلاص بقى عايز أعمل لنفسي فرقة».
على المسرح، يقف عادل حاضر الذهن، يغلق عينيه أحيانا، ثم يفتحها برى رد فعل الجمهور، أو ليشير لآخر بالدخول إلى العزف، ويقدم العروض بأكثر من شكل وعزف، ويتذكر حين أخذه الغرور ذات مرة، وقام بتحدي أحد الأشخاص في دولة أجنبية، ضمن دول كثيرة سافر إليها مع الفرقة، وسقطت إحدى الصاجات من يده، فألقى بالأخرى إلى جوارها، وصار يعزف بصاجتين بيد واحدة، باعتبار أن ذلك ضمن العرض، لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أنه وقع في خطأ: «ومن ساعتها مبيركبنيش الغرور، وبدعي ربنا يحفظني منه». يعرف متى يدخل إلى المسرح، وكيف يسرق الأضواء، وبأي وسيلة يلوم عازف آخر لم يبدأ في اللحظة المناسبة عزفه، وذلك كله دون أن يلحظ المتفرجون ذلك: «النجاح مش فتونة، النجاح احترام، لكل الناس العيل الصغير اللي بيتفرج للراجل الكبير اللي معاك على المسرح».
داخل منزله، لا يهتم الرجل كثيرا بأمر الصاجات ولا التنورة، لديه ابن وابنة، لم يستطع دفعهما تجاه محبة ذلك الفن، وله أحفاد يسلون وقته ويملأون عليه حياته، وحين يضيق به المنزل ينزل إلى الشارع للعب الكوتشينة والطاولة على المقاهي: «إحنا كنا زمان في الحسنية وبعد كده قعدنا في الجمالية، وبعد كده أنا رحت منازل سوزان مبارك، وقاعد هناك وليا صحاب وناس حبايبي بقضي معاهم وقتي». في بعض الأوقات يجد الرجل نفسه يبحث عن الصاجات، ثم يقوم للرقص داخل المنزل، يرى في الأمر وسيلته أحيانا لتمضية الوقت، أو البحث عن راحة نفسية، غير أنه حين يقع في مشكلة كبيرة لا يؤثر ذلك على عمله: «بفصل كويس أوي بين شغلي وبين حياتي الشخصية، لما أمي الله يرحمها ماتت، كانت الجنازة الثلاثاء، وعندي شغل يوم الأربعاء، والناس كلها استغربت إني حضرت واشتغلت من غير ما حد يحس بزعلي».
يخشى الرجل على ذلك الفن من الاندثار، يرى أن المقبلون على تعلمه قلائل، ويرى أن الدعم المقدم لذلك الفن قليل، ورغم أن له جمهوره، الذين يملأون قبة الغوري، إلا أن كثير من الشباب يحجم عن تعلمه: «وعشان كده قلقان وخايف على الفن ده، بس أنا شخصيا ناوي أعلم ناس وأدربهم، وأعمل فرقة قريب، عشان تفضل التنورة والربابة والسلامية والطبلة والصاجات موجودة ومستمرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.