لست من المصدقين لمقولة أن أمريكا تتبع «ازدواجية المعايير» أو أنها تُكيل بمكيالين فى أى من الشئون الدولية، فيقينى أن للولايات المتحدةالأمريكية، معيارا واحدا ومكيالا وحيدا، يمكن اختصاره بأنه ذلك الذى يخدم مصالحها وكذلك مخططاتها. وقد أوهمت واشنطن بعض الحكومات وقطاعات لا بأس بها من الشعوب، بأنها حامية حقوق «الإنسان؟» دون تمييز، وهو ما تثبت الأيام أنه ادعاء كاذب ومضلِل.. فالإنسان فى منطقتنا، هو أولاً وقبل كل شىء، ذلك الإسرائيلى، شرط أن يكون يهودى الديانة وليس، لا سمح الله، المسلم أو المسيحى، من عباد الله الفلسطينيين، الذين فُرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، والتى يحلو لإعلامنا، الواعى، وصفهم ب«عرب إسرائيل»!!، وإذا ما شنت إسرائيل حملة إبادة، ضد ما تطاله أسلحتها من العرب، فالصمت الأمريكى المعهود والمزلزل مع ذلك، حيال الضحايا العرب، لأنهم ليسوا من بنى الإنسان، وفقا لمعيارها الوحيد.. أيضاً إبان حربها ضد الاتحاد السوفيتى السابق، القوة الوحيدة المنافسة لها آنذاك، رفعت أمريكا، مثلها مثل جماعة الإخوان، شعار الدين، مدعية، أنها، هى المؤمنة، إنما تخوض حربا مقدسة ضد «الكفار»، بأشد أنواع الأسلحة فتكا، وأهمها بطبيعة الحال «الدفاع عن الدين».. فإذا أنت لم تحارب تحت رايتها، حتى لو كان عدوها، أى الاتحاد السوفيتى، الذى ساعدك فى أحلك اللحظات، فأنت تستحق الإعدام وليخرس كل من يُذكر بمبدأ حرية الفكر والاعتقاد، فتلك الحرية قاصرة على ما تراه واشنطن، ومن ثم فكل «شيوعى» بأى مكان فى العالم، مرشح للإبادة، مع الأخذ فى الاعتبار أن كل من يختلف مع سياسة واشنطن، أيا كان فكره أو انتماؤه، هو بالضرورة «شيوعى ابن شيوعى»، والمكارثية المفزعة ليست ببعيدة، وعندما يقاتل «المسلمون» معها فى أفغانستان، فهم مجاهدون، أما إذا انتهت مهمتهم، فالوصف اللاصق بهم هو الإرهابيون! وآخر أدلة المعيار الواحد والمكيال الوحيد، هو ما يجرى فى وطننا خلال السنوات الثلاث الأخيرة.. فوقوف الجيش إلى جانب الشعب فى ثورة يناير، عمل شرعى ومشروع، ولا ينتقص من عظمتها ملليمترا واحدا.. لكن انحياز الجيش إلى الشعب فى ثورة يونيو، انقلاب عسكرى بامتياز، حتى لو كذبه الواقع، بخروج أضعاف المصريين الذين شاركوا فى يناير، التى أُضيف إلى مطالبها «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية» مطلب آخر حيوى، به نكون أو لا نكون، وهو إنقاذ مصر من براثن مخطط تمزيقها، وذلك بطبيعة الحال لكونه مخططا أمريكيا!! راهنت الولاياتالمتحدة على جماعات الإسلام السياسى، التى سطت على ثورة يناير، لتنفيذ مآربها الاستراتيجية، وتعامت عن كل صنوف التجاوزات والانتهاكات التى مارستها تلك الجماعات ضد «الإنسان» ما دام «مصريا» لا ولاء له إلا لمصر! وعندما خسرت الرهان على حكم «الفاشية الدينية»، تفتق ذهن ماما أمريكا، عن ابتكار عجيب، يسبغ على جرائم أتباعها، بعد إقصائهم عن السلطة، «شرعية» تنكرها، بل وتدينها كل «الديمقراطيات» فى العالم، فأصبح كل ما يقترفه هؤلاء يندرج، بقدرة قادر، فى «الكتالوج الأمريكى» لحقوق الإنسان.. فإذا أشعل الإخوان النار فى الجامعات، أو قطعوا الطرق، أو قتلوا أفرادا من الجيش أو الشرطة، أو أسالوا دماء مواطنين، عابرين بالصدفة، أثناء فعل التفجير «الإنسانى» فلا يحق لنا، نحن المواطنين الذين ثرنا ضد من «تعاقدوا» على بيع مصر، إبداء ولو مجرد تذمر من جرائم الإخوان والأفضل حتى، ألا نذرف دمعة على أى شهيد سقط بأيديهم!! طبقا لمعيار واحد، ليس به شبهة أى ازدواجية بأن «الإخوان» حبايب البيت الأبيض، ولهم بالتالى مطلق الحرية، فى العبث بكل القوانين والقيم، بما أنهم سبق وعبثوا بالدين ذاته، بينما لا حقوق للمصرى المحب لوطنه والحريص على وحدته والمتطلع إلى النهوض به إلى ما يستحق من مكانة وما يليق به من تقدم.. والهدف الأهم، هو مشروع تقويض الدولة بذريعة «حقوق الإنسان» لذا لا تبخل علينا أمريكا بمحاربتنا بكل السبل، على الصعيدين، الداخلى، كما تؤكد التفجيرات الأخيرة، والدولى، مثل تجاهل دعوة القاهرة إلى القمة الأمريكية الأفريقية، وتسخير هيئات ومنظمات «لإدانة» القمع الحكومى؟! ضد الجماعات «السلمية»، وقد غاب عنهم أن التكنولوجيا، التى اخترعوها، تسجل بالصوت والصورة، إرهاب تجار الدين، ومن يوظفه، لخدمة مصالحه، وهذا هو المعيار الوحيد والمكيال الأوحد، وليت كان لواشنطن معايير مزدوجة أو مكاييل متباينة..!! فلربما «ضبطناها» ولو مرة واحدة، متلبسة بالوقوف إلى جانب الإنسان وحقوقه الثابتة، فى كل زمان ومكان، بغض النظر عن «المواصفات الأمريكية!!»..