تلك الأرواح التى حلّقت بحلم الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية فى ثورة 25 يناير 2011 فأُهرقت دماؤها بلا شفقة ولا رحمة. لم يخرجوا طلباً للموت، بل كانوا يطلبون الحياة. وفارق شاسع بين أن تموت وأنت تطلب الموت وأن تموت وأنت تبحث عن الحياة. هذا الشباب الذى مات فى يناير مات مغدوراً مقهوراً، برصاصات قناصة، أو أدوات سحق عمياء، أو بتكسير الجماجم والأجساد بالدهس بالسيارات. فى أحد أيام يناير 2011، كنت عائداً من التحرير، عرجت على أحد الشوارع المتفرعة منه فى طريق العودة كعادتى كل يوم، ففوجئت بتحلق المتظاهرين حول سيارة، اكتشفت عندما اقتربت منها أنها السيارة الدبلوماسية التى سحقت العشرات أسفل عجلاتها وقد اعتلت أحد الأرصفة. كل من مات مدهوساً بها كان يسير فى الشارع بمحض الصدفة، لم يكن يريد الموت، بل كان يهتف بالحياة. القصاص لدماء الشهداء.. كانت أكثر عبارة تتردد على ألسنة من آمنوا بثورة يناير خلال المرحلة الانتقالية الأولى، ثم خلال فترة حكم «مرسى»، لكن أحداً لم يلتفت، حتى الجماعة التى ترفع شعار «القرآن دستورنا» لم تأبه بالأمر، والقرآن الكريم يقول «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب». بعد 30 يونيو مات من الإخوان من مات، نسأل الله تعالى الرحمة للجميع، صرخت الجماعة وجعجعت فى كل اتجاه بالدماء التى أُريقت، رغم أن كل عنصر من عناصرها كان -وما زال- يرفع على صدره عبارة «مشروع شهيد»! فلماذا العجيج وقد مات شهيداً؟! لقد خرج يطلب الموت فقدّر الله تعالى له أن يلقى وجهه الكريم، لكن شهداء يناير خرجوا يبحثون عن حياة أفضل فسحقتهم سلطة لا ترحم، لم يزعم أحدهم أنه خرج ليموت، لم يكتب أحدهم على صدره مشروع شهيد! كل الضباط والأمناء الذين اتُّهموا بقتل هؤلاء المغدورين نالوا البراءة، شُكلت لجان وروجعت ملفات، لكن أحداً لم يحدد اليد الآثمة التى قتلت شباباً خرج يطلب الحياة، الكثير من رموز عصر «المخلوع» وعصر ما بعد 30 يونيو وجّهوا أصابع الاتهام إلى الإخوان، قالوا إنهم هم الذين قتلوا الثوار فى التحرير وموقعة الجمل وفى محمد محمود والقصر العينى.. حسناً. لماذا لم تقدم الأدلة الدالة على ذلك ليحاكم الإخوان على الجريمة لو كانوا ارتكبوها؟ وإذا كانت جماعة الإخوان ترى أن آلة القمع التى وقفت تدافع عن دولة «مبارك» هى التى فعلتها، فلماذا لم تجتهد فى محاكمة القتلة وقد كان الحكم فى يدها عاماً كاملاً؟ لم يفهم الكثيرون أن دماء شهداء يناير لعنة أصابت وسوف تصيب من يتستر على من أهدرها، لم يستوعب المجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية الأولى ذلك فناله الجزاء، ولم تستوعبه جماعة الإخوان عندما حكمت فنالها العقاب، وأخشى أن تقع السلطة المؤقتة فى نفس الحفرة، إذا قصّرت فى استدراك ما فات من سبقها.. هل يكون هؤلاء هم السابقون ويتبعهم اللاحقون؟!