من أجمل ممثلي الكوميديا، الذين جعلوا من أدوارهم الثانوية أدوارًا لا تنسى، تشعر دائمًا وكأن الأدوار التي قدموها كُتبت خصيصًا من أجلهم، لا يجوز لك كمشاهد أن يطل عليك دون أن تضحك. التحق سعفان بكلية الشريعة بناءً على رغبة والده، إلا أن موهبته كانت دافعًا له لأن يدرس التمثيل أيضًا، فدخل معهد الفنون المسرحية وحصل على الشهادتين، ثم عمل فترة مدرسًا لمادة اللغة العربية إلى أن توفي والده، فإنضم بعدها إلى فرقة التليفزيون المسرحية ثم إلى فرقة الريحاني، إلى أن تتالت مشاركاته في الأعمال المسرحية والإذاعية والسينمائية والتليفزيونية. نجح في دور "زوزو بيه" فى مسرحية "سنة مع الشغل اللذيذ"، بطولة أبوبكر عزت وليلى طاهر، فكانت لازمته الشهيرة هي أن يلقي بمزحة سخيفة ويضحك عليها وحده ثم يسأل من ألقي على مسامعه المزحة "ههأه.. ما بتضحكشي ليه؟"، كما أنه أبدع في أن يؤدي الدور كممثل محترف، فقد كان هناك تحول في الشخصية، في إحدى مراحل المسرحية، من شخصية "زوزو بيه" الفرفور إلى شخصية "عبدالعزيز"، الذي يتحمل مشقة العمل ويتحمل المسؤولية. كما يبدو هذا الأداء المركب جليًا في دوره في فيلم "أضواء المدينة"، حين كان يظهر أمام أفراد الفرقة على أنه سمو الأمير الذي يتحدث العربية على الطريقة التركية، والذي سمح لهم باستخدام قصر العائلة في خطتهم للوصول لعالم النجومية، ثم يكتشفوا بعد ذلك أنه ابن الغفير، وكان قد أفهم والده أنه يعمل مكانه على حراسة القصر في غياب أصحابه، لكي يعطي الفرصة لوالده أن يستريح إلى أن يعود أصحاب القصر، فقد أقنعنا طوال الجزء الأول من الفيلم أنه سمو الأمير "المتعنتظ"، ثم فاجأنا في الجزء الأخير من الفيلم بأنه فلاح ابن فلاح، ما جعل من هذه المفارقة في حد ذاتها "إفيه" مستقل بذاته. من منا ينسى شخصية "عم مبلولي".. قصدي "مدبولي" فى فيلم "أونكل زيزو حبيبى"، التومارجي المتقاعد الذي لم يكن حبه لابن أخيه "زيزو" يقل عن حبه للديك "لهيطة"، الديك الذي لو تمكن من النطق لتوسل لعم مدبولي أن يرحمه من "حقنة هتلر"، التي كان يحقنه بها يوميًا والتي كان زيزو يتهرب دائمًا من عمه حين يعرض عليه تجربة "حقنة هتلر"، حتى يعالجه من النحافة والضعف التي يعاني منهما، لذلك حين عثر على العشب السحري لم يكن أمامه سبيل لأن يحقن به زيزو سوى أن يحقنه به وهو نائم. أيضًا، من ينسى دور "أمين أفندي" في فيلم "تجيبها كده تجيلها كده هي كده"، حين كان مدير القسم الإداري الذي يعمل فيه أبطال الفيلم، فكنت تشعر وكأنه أب روحي لهم بالرغم من تسببهم الدائم في أن يتعرض للتحقيق والجزاءات بسبب مغامرات سمير غانم العاطفية، وعندما كانوا في رحلة صيفية وتشاجروا على الشاطئ كان يقود وينظم المشاجرة وهو جالس على الكرسي المامبو يقرأ الجريدة مرتديًا جلبابه الرحراح، من شاهد هذا الفيلم لا يمكن أن ينسى، أيضًا، اللازمة المشتركة ما بين أمين أفندي و مصيلحي الساعي "المنتصر بالله".. "-معايا حاجة حلوة. -وده وقته؟"، التي بدأ الفيلم وانتهى دون أن نعلم ما هي هذه "الحاجة الحلوة" أو فيما تستخدم بالظبط. كما لا يمكن أن ننسى أيضاً اللازمة المشتركة بينه وبين سمير غانم، حين كان يسأله سمير غانم في منتصف أي حوار و بدون أي مناسبة "تسعة × سبعة بكام"، فيرد عليه دون أن يغير في أداء الحوار الأصلي وكأن السؤال طبيعي ويجيب بأي رقم عشوائي، وفي إحدى المرات كانت إجابته "ماخدنهاش"، وبالرغم من أن بطل الفيلم سمير غانم، وهو من هو، إلا أنني لا أتصور أن يكون لهذا الفيلم مكانة خاصة دون وجود إبراهيم سعفان. كان هذا آخر ما قدمه سعفان للسينما قبل وفاته، في دولة الإمارات 4 سبتمبر 1982، وهو نفس شهر عيد ميلاده، فقد ولد في 13 سبتمبر 1924، أي أنه رحل عن عالمنا عن عمر 58 عام، رحل تاركًا لنا ميراث من الضحكات، ميراث كلما صرفنا منه لا ينتهي، فقد صنع من أدائه التلقائي ما يجعلنا نضحك مع نفس العمل الفني مهما تعددت مشاهدتنا له، وكم من أعمال كوميدية تمر علينا دون أن تلتصق بالذاكرة، وحين نشاهدها مرة أخرى نشاهدها كما لو نشاهد عمل تراجيدي باهت الأحداث، دون أن يبدو على ملامحنا أي رد فعل، وإن أبدينا رد فعل قد نبدي استياء.. وأحيانًا بكاء. وكم هي كثيرة هذه الأعمال ومن يقومون بها، بالمقارنة بإبراهيم سعفان وأمثاله.. فهم قليلون.