هل يمكن أن يؤدى الاتفاق الأمريكى الإيرانى الأخير إلى تقارب إيرانى - عربى, يعالج الخلافات السياسية التى تقوم على استغلال الخلاف المذهبى الشيعى السنى؟ لقد جرت محاولات فى الماضى وفشلت، بسبب السياسة وتخلف الفكر السياسى الإسلامى عامة وتركيز فقهائه على الخلاف، وكذلك بسبب عدم الرغبة فى التعرف على الآخر، ونقصد هنا المسلمين الشيعة، وفى محاولة للتعرف على الفكر السياسى الشيعى نشير إلى كتاب «تطور الفكر السياسى الشيعى» للمؤلف أحمد الكاتب الذى يلفت فيه النظر إلى أن المسلمين الشيعة لم يعرفوا خلال القرن الأول الهجرى نظرية «الإمامة الإلهية» القائمة على العصمة والنص، حيث كانوا يؤمنون فقط بأحقية أهل البيت النبوى من الأمويين فى الحكم والخلافة، وعندما اختلف أهل البيت فى القرن الثانى انقسم الشيعة إلى مذاهب ونشأ بينهم فريق يؤمن فى الحق فى الخلافة والإمامة. لكن المؤكد أن تلك النظرية وصلت إلى طريق مسدود عام 260 هجرية مع وفاة الإمام حسن العسكرى (رقم 11 فى قائمة الأئمة الشيعة) دون خلف يرث منه الخلافة، ما سمح لتيارات شيعية أخرى مثل الإسماعيلية والزيدية أن تواصل معركتها ضد العباسيين. كان من المحتمل أن يطوى التاريخ صفحة المذهب الشيعى الإمامى لولا مبادرة بعض أركانه إلى اختراع قصة وجود ابن غائب للإمام العسكرى، يدعى محمد تم عليه تأسيس نظرية «الإمامة الاثنى عشرية» ما سمح لهذه النظرية بالبقاء فى أذهان فريق ينتظر حتى الآن عودة الإمام الغائب، وثار فريق آخر على فكرة الانتظار، لأنها منعتهم من النشاط السياسى فى انتظار عودته، وانتهت ثورته بظهور نظرية جديدة هى «النيابة العامة للفقهاء عن الإمام الغائب» حتى يتمكنوا من ممارسة النشاط السياسى. فى الفكر السياسى الشيعى تطورت هذه النظرية إلى نظرية «ولاية الفقيه» التى حررت بعض فرق الشيعة من نظرية «الإمامة الإلهية» إلا أنها ظلت تشكل امتدادا لها، مثل الاعتقاد بأن الفقهاء منصّبون من قبل الإمام الغائب بالنيابة العامة، الأمر الذى أضفى على الفقهاء (المراجع) هالة من القدسية رفعتهم فوق الشعب وحالت دون مراقبة أعمالهم أو محاسبتهم أو نقدهم مما أدى إلى ظهور ديكتاتوريات باسم الدين. وفقا لهذه القراءة من جانب أحمد الكاتب تكون الثورة الإسلامية الإيرانية إحدى أبرز نتائج هذه النظرية، بحجة أنها جسدت هذا التطور فى الفكر السياسى الشيعى كثورة على هذا الفكر، حيث تخلت عن أحد أهم أعمدة الفكر الإمامى وهى العصمة والنص والسلالة العلوية، وأجازت حكم الفقيه العادل عبر مبدأ الشورى، بعدما كانوا يرفضون اختياره عبر الشورى لتناقض ذلك مع الفكر القديم. هنا -ومن أجل فهم التجربة الإيرانية- يجب التذكير بتجليات فكرة الانتظار والثورة عليها ونظرية النيابة العامة وولاية الفقيه، وكذلك التذكير بتاريخ المذهب الشيعى فى العالم العربى والإسلامى، فقد عرف القرنان الثانى والثالث الهجرى تنوعا شيعيا كبيرا حتى بلغ نحو سبعين فرقة، استقرت عبر التاريخ على ثلاث فرق رئيسية (الاثنى عشرية والزيدية والإسماعيلية)، ونجحت الزيدية -من دون الركون للانتظار- فى حكم اليمن مئات السنين، حتى دعم جمال عبدالناصر الثورة اليمنية 1961 التى أنهت حكم الإمامة (دعا عبدالناصر فى نفس الوقت للحوار السنى - الشيعى بين الأزهر ومراجع الشيعة فى قم والنجف)، ونجحت الإسماعيلية فى إقامة الدولة الفاطمية فى مصر، أما الاثنى عشرية فلم ينجحوا فى ذلك إلا عبر الالتفاف على فكرة الانتظار، مثل محاولة الصفويين فى إيران فى القرن السادس عشر إلى أن ظهرت نظرية «ولاية الفقيه» التى تعد الثورة الإيرانية إحدى أبرز نتائجها. وهكذا نجح الفكر السياسى الشيعى فى الفصل بين مسألة الحكم والسياسة وتداول السلطة من ناحية، وبين مسألة الإمام الفقيه من ناحية أخرى، لكن ذلك لم يمنع جيلا آخر وتيارات أخرى من الشيعة من الذهاب بعيدا فى التخلى عن الفكر الإمامى بتبنى مبدأ الشورى والفكر الديمقراطى. بالنتيجة وفى ضوء الثورات والتطورات السياسية التى يشهدها العالم العربى والإسلامى حاليا والتى رفعت شعارات العدالة والديمقراطية ثم انتهت إلى إحياء الخلافات المذهبية والتحريض الطائفى الشيعى - السنى (بما يخدم مصالح الولاياتالمتحدة الإمريكية التى ذهبت إلى إبرام اتفاق مع إيران) قد كشفت أحد أهم أسباب تخلف الفكر السياسى الإسلامى، حيث أغلقت الثورات العربية الباب أمام حوار إسلامى، سنى - شيعى، وحول فكر إسلامى صحيح خال من التفسيرات الخاطئة للدين وخال من فقهاء الفتنة. يفتح سقوط جماعة الإخوان ومن لف لفها فى مصر، ومراجعة ما يجرى فى سوريا من إرهاب باسم الدين والمرونة الإيرانية فى التعامل مع واشنطن الباب أمام حوار سياسى عربى - إيرانى وحوار إسلامى سنى - شيعى، فالفرصة سانحة، فقد تخلى الفكر السياسى الشيعى عن شرط الفقه للاتحاد مع المسلمين غير الشيعة ومع عامة المواطنين من غير المسلمين، من أجل إقامة نظام حكم عادل وديمقراطى يوفر الحرية والمساواة لجميع الناس، لكن فى الوقت نفسه تتوجب أهمية التخلص من رواسب التاريخ وتصحيح المواقف وإعادة النظر بإيجابية من جانب الشيعة للشيخين الجليلين، أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب، ولعموم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لإنهاء العقد التاريخية التى تعكر صفو العلاقات بين السنة والشيعة، وكذلك عدم مؤاخذة أى منهما على ما يقوله المتطرفون منهم بحق الآخر، من أجل بناء نظم حكم سياسية مدنية تقوم على الحرية والمساواة والشورى والمواطنة والتداول السلمى للسلطة ومن أجل حوار يقوم على مبادئ الإسلام.