تسخر الأفلام الأمريكية من مرضى "البارانويا"، الذين يتخيلون أنهم تحت المراقبة والاستهداف من الحكومة وأجهزة المخابرات، إلا أن هذه "التيمة" الساخرة قد تنتهي إلى الأبد، بعد أن أصبح الخوف من المراقبة الحكومية واقعا يشعر به المواطن الأمريكية في كل لحظة من يومه. يسمونه "تراب واير"، أو السلك الشائك. إنه أحدث نظام أمني للمراقبة، يعتمد على نشر كاميرات حول البلد كلها، لتلتقط صورا لكل مايحدث، ثم تقوم بتجميع كل المعلومات في قاعدة بيانات عملاقة محصنة بمكان سري. تحلل أجهزة الكمبيوتر المعقدة الصور والبيانات، وتستطيع التعرف على الأفراد من خلال شكل جسمهم وأوزانهم ووجوههم، فيستنتج البرنامج أن "فلانا" كان يشرب الشاي في أحد مقاهي نيويورك منذ يومين، ثم سافر للترفيه في كاليفورنيا، ثم اتجه لمقابلة عائلته في نيفادا، وهكذا. ويستطيع البرنامج أن يضع كل مواطن أمريكي تحت عين الرقابة الحكومية في كل لحظة من لحظات حياته، إلى حد أن البرنامج يستطيع وضع خط زمني لحياة كل مواطن بكل ما يقوم به. المفزع أن هناك دلائل قوية تشير إلى أن النظام الرقابي الصارم، الذي طورته شركة "ستراتفور" الأمنية الأمريكية، يتم استخدامه بالفعل منذ عدة أشهر. مع التطور التكنولوجي الذي شهدته الولاياتالمتحدة، توالت الأفلام التي تتحدث عن نظرية المؤامرة التي تنفذها الحكومة للتجسس على جميع المواطنين من خلال حاسوب عملاق هو حاسوب "إيشلون"، حيث يتم توصيله بشبكة الإنترنت ومن خلالها يتجسس على كل من هو متصل بالشبكة من خلال كاميرات الإنترنت والهواتف المحمولة، وغيرها من الأجهزة التي تسمح بالاتصال بالشبكة. في السبت الماضي، كشفت شبكة "روسيا اليوم" عن مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني ل"ستراتفور"، التي تتخذ من شمال فيرجينيا مقرا لها، ويعمل بها نخبة من مجتمع الاستخبارات الأمريكية، تكشف فيها عن نظام المراقبة "Trap Wire"، والذي صممه مجموعة من خبراء الاستخبارات السابقين، حيث يعتمد على دقة أكبر من الدقة المعهودة في نظام التعرف على الوجوه الذي اعتاد الجميع مشاهدته في الأفلام، وقد تم تنصيب هذا النظام الجديد على جميع الرادارات في أنحاء الولاياتالمتحدة. ووفقا لمجموعة رسائل البريد الإلكتروني التي اخترقتها "أنونيموس"، فإن كل بضعة ثواني يقوم نظام المراقبة بجمع البيانات التي تسجلها نقاط المراقبة في المدن الكبرى ونقاط التفتيش في أنحاء الولاياتالمتحدة، وتسجيلها بشكل رقمي وتشفيرها، ونقلها على الفور لقاعدة بيانات مركزي محصنة في مكان سري لا تعرفه أي منظمة استخباراتية في الولاياتالمتحدة. ولم تخل مسألة عرض تلك الرسائل من المشاكل، فبعد إعلان مجموعة "أنونيموس" ومنظمة "ويكيليكس" عن بدء نشر الرسائل، بدأت مجموعة مناهضة للهاكرز في اختراق موقع ويكيليكس والمواقع الاحتياطية الخاصة به، تعبيرا عن رفضهم لنشر معلومات بتلك السرية، إلا أن القائمين على ويكيليكس أكدوا أن تلك الوثائق تعتبر الأحدث استخباراتيا وتم الحصول عليها. وأشارت التقارير التي حصلت عليها ويكيليكس إلى أنه في 2009، أرسل نائب رئيس "ستراتفور" فريد بارتون، بريد إلكتروني جاء فيه، "ترابواير هي تكنولوجيا جديدة تتنبأ بالسلوك بناءا على الأنماط السلوكية في المناطق الحمراء في المراقبة، وهي تساعد على توصيل النقاط ببعضها على مدى الزمن والمسافة". وفي رسالة أخرى، يؤكد بارتون على أنه بفضل هذا النظام الجديد، أصبحت الولاياتالمتحدة تمتلك أقوى أنظمة المراقبة بين جيرانها. وتؤكد المواقع الإلكترونية الأمريكية التي تعني بأنظمة المراقبة والتعدي على الحريات، على أن تسريب تلك الوثائق والرسائل، أعاد مسألة برامج المراقبة المحلية والأجنبية لدائرة الضوء بعد أن كانت قد غابت في ظل ما يشهده العالم من تغيرات يومية. ورغم ما أثارته برامج المراقبة المختلفة التي تطلقها الولاياتالمتحدة من مخاوف بشأن الحريات الشخصية والتعدي عليها، إلا أن مصممي تلك البرامج يؤكدون على أن الهدف الأول والأخير من تلك البرامج هو التعامل مع الهجمات الإرهابية ووقاية الولاياتالمتحدة منها، فإذا أدت تلك البرامج ما هو مطلوب منها بالضبط، فإنه من الممكن تفادي هجمات إرهابية قد تلحق بالولاياتالمتحدة. وطرحت بعض المواقع الأمريكية تساؤلا عن مدى تدخل الشركات الخاصة في تصميم أنظمة المراقبة العامة، كما تساءلت عن حدود الأمن القومي ونهاياته، ومتى يكون الأمر شخصيا، ومتى يتعلق بقضية أمن قومي تستلزم المراقبة، مؤكدة على أن "ستراتفور" نفسها لم تتقدم بأية تصريحات حتى الآن على الرغم من إعلان تفاصيل البرنامج الجديد.*