«سيدة» اسم يذكرك بتلك الشخصية التى جسدتها شادية فى فيلم «نحن لا نزرع الشوك» ولكنك حين تتعرف إلى صاحبته تجد أن وجه التشابه ليس فقط الاسم، ولكن تظل المأساة هى البطل الحقيقى فى قصة سيدة بطلة شوك شادية و«سيدة عبدالمنعم» بطلة شوك الحياة. «والله يا زمن ما بإيدينا زرعنا الشوك ولا روينا يا زمن» كلمات الأغنية الشهيرة تعبر بصدق عن مأساة الست سيدة التى زوجها أهلها لرجل يكبرها بخمسة وثلاثين عاماً، وكانت لا تزال فى الرابعة عشرة ولم يكن فارق السن هو السبب الوحيد لطلاقها منه بعد سبع سنوات، ولكن قهرها فى منزل صعيدى حتى النخاع تترأسه الزوجة الأولى لتظل «سيدة» الزوجة الثانية المستضعفة حتى بعد أن أنجبت طفليها. هذان الطفلان كانا شوكة فى ظهرها منعتها طويلاً أن تتخلص من تلك الزيجة مبكراً، ولكنها حين قررت كان عليها أن ترضخ وتترك لهم الولد وتأخذ البنت «طبع الصعايدة كده خدوا الولد ورمولى البت» تترقرق الدموع فى عينيها وهى تتذكر ولدها محمود الذى لم تره منذ أن كان فى السادسة من عمره «بقى فى ثانوى أزهرى دلوقتى». حكاية «سيدة» لم تنته؛ فالقدر لا يزال يسطر فى سطورها الأولى، عادت إلى القاهرة تاركة سوهاج وبها قطعة منها، وأخذت القطعة الأخرى لتبحث عن مكان يؤويها هى وطفلتها فلم تجد إلا منزل والدها الذى توفى تاركاً غرفة «بمنافعها» وعربة فول وطعمية. أشعلت النار التى أطفئت بموت أبيها وعاد ضجيج ماكينة الطعمية يهز البيت المتهدم عند أذان الفجر وأهالى الحسين أصبحوا فى انتظارها يومياً «بابتدى شغل 7 الصبح والحمد لله على كل حال». تحمد الله دوماً فقد أصبحت أشهر بائعة فول وطعمية وباذنجان فى الحى القديم، كثيرون من يحسدونها وهم لا يعلمون أن «الجاى على أد اللى رايح» وأنها ظلت 12 عاماً تبحث عن سبعين جنيهاً يكفلها معاش المطلقات من وزارة الشئون الاجتماعية أصبحت الآن 160 جنيهاً. عربة الفول فى رمضان لا تختلف كثيراً عن باقى الشهور فقط يتغير الموعد؛ فبدلاً من السابعة صباحاً تبدأ «سيدة» وقفتها بعد الإفطار يومياَ وتنتهى منها قبل الفجر بقليل حين تخف وطأة المقبلين عليها بقروشهم القليلة التى ترفضها موائد سحور الحسين التى تتخطى الخمسين جنيهاً للفرد «رمضان ده فيه ناس وناس» تقولها وهى تمسك قرطاس الطعمية وتستطرد «فى ناس دلوقتى سهرانة بتتفسح وإحنا سهرانين نشقى.. لكن الحمد لله».