على طريقة الكوارث المصرية التى تحل دون موعد، حوّل حادث انقلاب سيارة نقل محملة بالمواد البترولية، كوبرى قرية الدلجمون بكفرالزيات إلى كتلة من الجحيم والنيران، التهمت 15 مواطناً كانوا يستقلون سيارة ميكروباص وتوك توك فى دقائق قليلة. النيران امتدت لمسافة 100 متر، وعجز الأهالى عن إنقاذ الضحايا، فيما جاءت سيارات المطافى والإسعاف بعد ربع ساعة من الحادث، لتطفئ الحريق وتنتشل الجثث متفحمة. لم تترك النيران فرصة أمام «عماد محمد جويدة»، سائق «توك توك»، للنجاة بحياته، إلا القفز من أعلى الكوبرى، تاركاً عمته و4 من أسرتها، هم ابنتها وحفيدتاها ووالدهما، ليموتوا محترقين، وتغتال النيران فرحتهم بعد مشاركتهم فى عيد ميلاد قريبتهم، وتتحطم عظامه هو، ويدخل فى حالة اكتئاب. ووقعت مشادة كلامية بين أهالى قريتى «النحارية»، و«إسديمة»، داخل مشرحة «كفرالزيات»، بسبب عدم تمكن الطبيب الشرعى من تحديد جثتى يسرى عبدالقادر، وعماد عاقول، نظراً لتفحمهما بشكل كامل، وتدخل عقلاء القريتين لتهدئة الأجواء، حتى تمكنت كل أسرة من التعرف على نجلها وأخذه لدفنه بمقابر العائلة. واكتست ثلاث قرى بالغربية هى «النحارية» و«إسديمة» و«كليب أبيار» بالسواد، وشارك الآلاف فى تشييع جثامين 14 من الضحايا، فى جنازات جماعية، فيما نُقل الضحية ال15 لمسقط رأسه بالدقهلية. «الكوبرى تحول لكتلة من الجحيم فى دقائق، ولم يكن أمامى خيار، إلا القفز من أعلى الكوبرى، للهرب من النار، فتركت أبناء عمتى، وقفزت».. بهذه الكلمات روى «عماد محمد جويدة»، سائق «توك توك»، وأحد الناجين الأربعة من حادث اشتعال سيارة نقل محملة بالمواد البترولية على كوبرى قرية الدلجمون ب«كفر الزيات»، تفاصيل دقائق «الموت»، وقرار هروبه بالقفز من أعلى الكوبرى تاركا عمته وابنتها وزوجها وحفيدتيها، الذين كانوا معه، بعد أن رأى النار تلتهم كل شىء بما فيها سيارة ميكروباص بمن فى داخلها. ونقل «جميل جويدة» شقيق «عماد»، عن أخيه، الذى نقل لمنزله، بعد خروجه من المستشفى، ورفض التحدث لإصابته بحالة نفسية سيئة: الكوبرى تحول إلى كتلة من الجحيم، فى دقائق، وأخى قفز بعد أن رأى النار تلتهم الميكروباص ومن به أمام عينيه. وتابع أن «عماد» أصيب بكسر بالساق اليسرى والحوض وحالة اختناق، مضيفا أن شقيقه كان يصطحب معه عمته وابنتها وحفيدتيها الاثنتين وزوج ابنة عمته فى التوك توك، وأنهم كانوا عائدين من عيد ميلاد نجلة عمتهم من قرية أبيار المجاورة لقرية النحارية. وقال إن شقيقه أخبره أنه فوجئ بالسيارة النقل تنحرف نحوه، فحاول زيادة السرعة لتفاديها، غير أنه لم يتمكن، واشتعلت النيران بسرعة كبيرة، ما اضطره للقفز من فوق الكوبرى لإنقاذ حياته. من جهته، قال مراد الشيخ، مقيم بقرية الدلجمون، وأحد شهود العيان إن سيارة البترول كانت قادمة من طنطا متجهة للإسكندرية، وكانت تسير بسرعة كبيرة، عندما انفجر إطارها الأمامى بالناحية اليسرى، ما أدى لاختلال عجلة القيادة بيد السائق وانحرافها وتخطيها الحاجز الخرسانى بين الاتجاهين، وانقلبت على حافتها، فيما تطاير الشرر نتيجة احتكاك السيارة بالأرض، لتشتعل النيران بالسيارة، وانتقلت النيران التى امتدت لمائة متر ل«توك توك» وسيارة ميكروباص كانا يمران مصادفة، ما أدى لتفحم الركاب فى دقائق. وأوضح أنه سارع للاستغاثة بأهالى القرية، الذين حاولوا إنقاذ ركاب السيارة الميكروباص، لكنهم فشلوا بعد تحولها لكتلة من اللهب، مؤكدا أن سيارات الإطفاء والإسعاف جاءت بعد نحو ربع ساعة من وقوع الحادث بعد أن التهمت النيران الضحايا. وقال إنه شاهد سائق التوك توك وهو يقفز من فوق الكوبرى، هربا من النيران. وكشفت التحقيقات الأولية لرجال المباحث أن السيارة التريلا التى تحمل أرقام (د ر ب 7286) و(د ه ر 5438) كانت قادمة من الدقهلية ومتوجهة للإسكندرية ويقودها رضا السعيد أيوب (40 سنة)، مقيم بالمنصورة، وأثناء صعودها الكوبرى انفجر إطارها الأمامى فاختلت عجلة القيادة فى يد السائق وتخطت السيارة الحاجز الخرسانى الموجود بين الاتجاهين، وانقلبت على أحد جانبيها، وأثناء ذلك تصادف مرور سيارة ميكروباص وتوك توك لم يستدل على لوحاتهما المعدنية لتفحمهما بشكل كامل، ما أسفر عن تفحم 15 جثة وإصابة 4 آخرين بكسور وحروق متفرقة بالجسم. وقال مصدر أمنى إن قوات الحماية المدنية انتقلت لمكان الحادث وتم قطع الطريق ومنع السيارات من المرور وإطفاء جميع أعمدة الإنارة وفصل الكهرباء عن المنطقة بأكملها، وانتقلت 10سيارات إسعاف لمكان الحادث، وقال إن الحماية المدنية سيطرت على الحريق وأعادت فتح الطريق بعد نقل الجثث إلى المشرحة وإزالة آثار الحادث، وإحضار سيارات لشفط كميات البنزين المسكوبة أعلى الكوبرى، والاستعانة بعدد من السيارات المحملة بالرمال لامتصاص البنزين خشية اشتعال النيران مرة أخرى. وأوضح أنه تم الاستعانة بونش ثقيل وزن 100 طن لرفع السيارة النقل المقلوبة أعلى الكوبرى المشتعل بها النيران، بعد اتصال اللواء محمد نعيم، محافظ الغربية، الذى تفقد مكان الحادث، بوزير النقل للاستعانة بأحد الأوناش العملاقة لرفع السيارة المنكوبة وتمت الاستجابة له وإرسال أحد الأوناش من شركة المقاولون العرب (فرع طنطا). وفى مستشفى كفرالزيات، حيث نقل الضحايا، قال الدكتور عبدالعال قوزع، مدير المستشفى إن عدد ضحايا الحادث ارتفع ل15 قتيلا، تم التعرف على أسماء 14 منهم من خلال الطب الشرعى. وأوضح «قوزع» أن الضحايا هم فوزية محمد جويدة، 60 سنة، ربة منزل، ونجلتها بسمة صالح المرشدى، 28 سنة، وزوجها إبراهيم الجندى، 35 سنة، سائق، ونجلتاهما رانيا إبراهيم الجندى، 4 سنوات، ومنة، 3 سنوات، مضيفا أنهم كانوا يستقلون توك توك متوجهين لقريتهم «النحارية». وأضاف أنه تم التعرف أيضاً على هدى زكريا، 45 سنة، ربة منزل، وعزيزة الخولى، 34 سنة، ربة منزل، وأحمد خضر، 17 سنة، طالب، وعماد يحيى عبدالله، 35 سنة، سائق، وأمينة مجاهد، 50 سنة، ربة منزل، ونجلتها ندى ياسر، 17 سنة، طالبة، ويسرى عبدالقادر، 45 سنة، وشوقى توفيق، 27 سنة، ورضا السعيد أيوب، 40 سنة، سائق السيارة التريلا فنطاس، مقيم بمدينة المنصورة، وعريف شرطة محمد قطب الخولى. وتابع أن الحادث أسفر عن إصابة 4 هم عماد محمد جويدة، سائق التوك توك، ومحمود أحمد قطب الخولى، 21 سنة، عامل مصاب بحروق من الدرجة الثالثة بنسبة 70%، ووائل فوزى سعيد رضوان، 32 سنة، مصاب بحروق من الدرجة الثالثة بنسبة 100%، وحالته خطرة للغاية، ورضا محمود أبوفرد، 25 سنة، مصاب بحروق من الدرجات الثلاث بنسبة 80%. إلى ذلك، اتشحت قرى النحارية وأسديمة وكليب إبيار بالسواد عقب وقوع الحادث، واحتشد الأهالى أمام مشرحة مستشفى كفرالزيات للتعرف على جثث ذويهم واستلامها ودفنها بمقابر العائلة، والاطمئنان على المصابين. وقرر اللواء محمد نعيم محافظ الغربية، صرف 5 آلاف جنيه من مديرية الشئون الاجتماعية لكل متوفى فى الحادث، و1000 جنيه لكل مصاب، وإرسال مذكرة عاجلة للدكتور أحمد البرعى وزير التضامن الاجتماعى لصرف تعويضات أخرى تصل إلى 5 آلاف جنيه لكل متوفى.