القرار الصادر من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بتشكيل لجنة مستقلة من مجلس الوزراء لإدارة الأموال والعقارات والمنقولات المتحفَّظ عليها مالياً وإدارياً وقانونياً من جماعة الإخوان، ماطلت حكومة ثورة 30 يونيو فى تنفيذه، مما سمح بالتصرف فى معظمها، وعندما شُكلت اللجنة فى 8 أكتوبر 2013، اختزلت القرار فى 76 مدرسة وممتلكات 138 قيادياً بالجماعة، وأشارت إلى أن التقدير المبدئى للنشاط الاقتصادى لرجال الأعمال الإخوان تجاوز 400 مليون جنيه!! رقم بالغ التواضع يثير الدهشة، بل التوجس والريبة. مركز الدراسات الاقتصادية يؤكد أن الإخوان يسيطرون على 22-28% من الاقتصاد المصرى، ما يعنى تجاهل اللجنة للقطاع الأكبر من الممولين الحقيقيين للجماعة. عمليات الإرهاب التى تقوم بها الجماعات المسلحة فى سيناء تتم بالوكالة ومقابل مبالغ طائلة. يؤكد ذلك اعترافات الإرهابيين، التى بدأها محمد الظواهرى بالإقرار بتلقيه 25 مليون دولار من خيرت الشاطر لهذا الغرض. الاحتجاجات العنيفة التى تشهدها الجامعات المصرية يقوم بها 40 ألف طالب ينفق عليهم الإخوان، كذلك المظاهرات التى يقوم بها الألتراس لقطع الطرق وحصار المنشآت، أما الأسلحة والذخائر التى يحوزها الإخوان فهى نتاج لعمليات تهريب تحتجز منها احتياجاتها وتتاجر فى الباقى لتمول أنشطتها.. تجفيف مصادر التمويل هو المدخل الوحيد لتجفيف منابع الإرهاب.. سنعرض باختصار لأهم مصادر التمويل قبل تناول آليات تجفيفها. مصادر التمويل الخارجى للإخوان: 1- استثمارات الإخوان بالخارج.. قدَّرَتها المصادر الأمريكية ب5 - 10 مليارات دولار، لكنها فى الحقيقة تصل إلى 25 ملياراً، قيادات الجماعة تقدر أرباحها ب100 مليون دولار سنوياً، لكنها فى الواقع تصل إلى 500 مليون، تُحوَّل سنوياً فى صورة سندات إلى بنوك سويسرية، بأسماء شركات صورية أنشئت خصیصاً لهذا الغرض لتحصل على خطابات ضمان واعتمادات وهمية يتم عن طريقها تحويل الأموال للخارج. 2- التبرعات التى تحصل عليها جمعيات الإخوان الخيرية بالخارج: * فى الولاياتالمتحدة «الجمعية الإسلامية» (MAS) (60 فرعاً فى 35 ولاية - 1000 عضو عامل - 100 ألف مشارك) ومنظمة الشباب المسلم. * فى سويسرا (مؤسسات ثقافية واجتماعية وإسلامية واتحادات للمعلمين فى كانتون ولوزان وزيوريخ وجينيف وفروعها بالدول العربية). 3- نسبة من أرباح شركات رجال الأعمال الإخوان: * شركتان فى سويسرا: Stahel Hardmeyer AG لتجارة الجملة والمنسوجات القطنية، وBS Altena AG للعقارات «حسن أبويوسف وآخرون». * شركتان بجزر فيرجن البريطانية sirocco aerospace international-UK-limited، وKamel Corporation SA en liquidation وبنك دار المال الإسلامى (DMI) والشركات التابعة له بمدينة «ناسو» بجزر البهاما «إبراهيم كامل». * الشركات القابضة والتابعة والمؤسسات والمصارف المملوكة للإخوان فى بنما وليبيريا وجزر فيرجن وجزر كايمان وقبرص ونيجيريا والبرازيل والأرجنتين وباراجواى ومسجلة بأسماء قيادات الجماعة مثل «يوسف ندا» و«نصر الدين» و«القرضاوى» و«غالب همت». * شركات ال«أوف شور» فى إمارة «ليخنشتاين» بين النمساوسويسرا. * استثمارات فى شركة «دايو» للسيارات وشركات الأجهزة الإلكترونية فى كوريا، بخلاف استثماراتهم فى دبى، هونج كونج، قطر، اليابان، الولاياتالمتحدة، تركيا. 3- الدعم القطرى: استقبلت قطر مهاجرى الإخوان القادمين من مصر 1954، وسوريا 1982، والسعودية 2001، ودمجتهم فى الحكومة بعد مبادرتهم بحل تنظيم الجماعة 1999، وهو ما يفسر زخم الدعم القطرى للإخوان (95 مليون دولار للانتخابات البرلمانية، مكافآت دورية للقيادات كهبة من حمد بن جاسم رئيس الوزراء السابق، وعد بضخ 100 مليار دولار استثمارات فى مشروع «إقليم قناة السويس»، قروض وودائع 8 مليارات دولار أعيد منها 2 مليار بعد 30 يونيو، دعم حماس ب250 مليون دولار لدفع مقاتليها لحماية نظام الإخوان، تمويل حملات علاقات عامة دولية بعد الإطاحة بمرسى). مصادر التمويل الداخلى للإخوان: 1- اشتراكات الأعضاء.. تتراوح بین 7٪ و10٪ حسب مرتبات ودخول الأعضاء العاملين، يتجاوز عائدها الشهرى 60 مليون جنيه، رفعت الجماعة نسبة الاشتراكات مؤخراً إلى 15% لتزيد عائدها الشهرى إلى 100 مليون. 2- أرباح بعض الأنشطة غير المشروعة.. يشارك فيها الإخوان والجماعات الإسلامية وأهمها: تجارة السلاح، تهريب الأفارقة إلى إسرائيل، تجارة الأعضاء، زراعة المخدرات (تصل مساحات الأفيون والبانجو فى سيناء إلى 8 آلاف فدان، تتراجع إلى 4 آلاف خلال فترات الاضطرابات). 3- تبرعات بنسبة العُشر من أرباح شركات رجال أعمال.. بعضهم ينتمى تنظيمياً للإخوان والآخر يكتفى بمجرد الانتماء العقائدى لاعتبارات أمنية تفرضها مصلحة الإخوان فى إبعاد قطاع منهم عن التعقب الأمنى إبان الأزمات. آليات تجفيف منابع التمويل والإرهاب: أولاً: ضرورة توسيع تشكيل لجنة إدارة أموال الإخوان (تضم فى عضويتها ممثلين عن وزارات العدل «رئيساً»، والداخلية، والمالية، والتضامن الاجتماعى، والتنمية المحلية، والبنك المركزى، وهيئة الرقابة المالية، والهيئة العامة للاستثمار) لأنها لا يمكن أن تؤدى عملها دون مشاركة فعالة من جانب أجهزة الأمن (المخابرات العامة، الأمن الوطنى، المخابرات الحربية...) وكذا الجهات التمثيلية لمصر بالخارج (وزارة الخارجية، التمثيل التجارى، هيئة الاستعلامات).. أموال التنظيم -وفقاً للآلية التى رسخها المرشد السابق مصطفى مشهور- تتداخل مع الأموال الشخصية للقيادات، وهى لا تخضع للمراقبة والمحاسبة الحكومية الدورية وفقاً لقانون «من أين لك هذا؟» أو «الكسب غير المشروع»، ولذلك فإن ضم هذه الجهات يسمح بالاستفادة من قواعد بياناتها وتحرياتها فى رصد ممتلكات الإخوان وأرصدتهم المالية وأنشطتهم التجارية وتتبع ودائعهم واستثماراتهم وحركة أموالهم بالخارج. ثانياً: إن الاكتفاء بالتحفظ على أموال قيادات الإخوان ال138 الواردة أسماؤهم بمعرفة اللجنة هو إما جهل، أو نتيجة تخوفات من التأثير السلبى للمساس بمشاريع معينة على الاقتصاد، وهى تخوفات لا مبرر لها، فالإخوان حتى وإن سيطروا على ربع الاقتصاد المصرى، إلا أن جميعهم يعملون فى أنشطة التجارة والمقاولات والاستيراد ولها بدائل بالسوق، وليس لهم أى أنشطة صناعية أو زراعية تحقق قيمة مضافة، وبالتالى فمن غير المقبول استبعاد اللجنة لممولين رئيسيين لأنشطة الإخوان.. حسن مالك «استقبال للأثاث، فرجينيا للسياحة، رواج والأنوار وسنابل للتجارة، الإنشاءات العصرية، الشهاب للسيارات، المزارع السمكية، محلات الفريدة...»، عبدالرحمن سعودى «توكيل نيسان ومتاجر سعودى وشركة العطاء»، صفوان ثابت «جهينة»، ممدوح الحسينى «الاستثمار العقارى»، ومحمود مؤمن «مطاعم مؤمن وبيتزا كينج وثرى شيفز»، د. شريف عبدالعظيم «جمعية رسالة»، أحمد شوشة «المدائن للإنشاءات والتصميمات والملتقى»، رجب السويركى «التوحيد والنور»، حسام أبوبكر «هيونداى للمصاعد»... إلخ ثالثاً: أهمية قيام البنك المركزى وهيئة الرقابة المالية للبورصة بمتابعة التدفقات والتحويلات المالية الواردة من الخارج لرصد ما يتعلق منها بتمويل الإخوان، وكذا التعرف على ما يمكن أن يتم من تصفية لممتلكات وأنشطة إخوانية وتحويل قيمتها للخارج، مع مراعاة أن هذه العمليات ستتم فى دفعات بمبالغ صغيرة للحد من فرص رصدها، الأمر الذى يفرض أهمية تحليل حركة التدفقات بمعرفة المختصين، ودعمها بتحريات أجهزة الأمن تأكيداً لنتائجها تجنباً لأى إجراءات تمس المستثمرين أو من لا يمارسون الأنشطة الإرهابية. رابعاً: قيام الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات بمراجعة كافة عمليات الإسناد للمقاولات التى تمت خلال فترة حكم مرسى، وإعلانها بكل شفافية، لأن إقرار مبدأ إسناد المقاولات بالأمر المباشر فى بداية حكمه، ثم الدور الذى كانت تقوم به بعض الشخصيات داخل الاتحادية فى توجيه المسئولين لإسناد كافة العمليات إلى شركات إخوانية كان لافتاً (لاحظ ما تم من حرق لغرفة أرشيف عمليات المقاولات بشركة النيل للطرق وإنشاء الكبارى بشارع الطيران بعد إلقاء المولوتوف عليها يوم 8 يوليو 2013 خلال محاولة الإخوان اقتحام الحرس الجمهورى). خامساً: أهمية فرض الحراسة على بعض النقابات التى يثبت دعمها للإخوان.. أجهزة الأمن رصدت استغلال نقابة الأطباء للجنة الإغاثة فى إخفاء التمويل الخارجى للجماعة حتى قبل ثورة يناير 2011.. أما نقابة المهندسين فقد قررت فى 14 سبتمبر صرف تعويضات لأسر ضحايا رابعة والنهضة «25 ألف جنيه» والمصاب «15 ألف جنيه»، والمحبوسون احتياطياً على ذمة قضايا سياسية «1500 جنيه للمتزوج، 750 جنيهاً للأعزب)، ويطبق ذلك على طلبة كليات الهندسة والموظفين أسوة بالمهندسين!! وهو ما يشكل خروجاً على قواعد الصرف القانونية لأموال النقابات، واستغلال مجلس النقابة لأموالها فى أهداف سياسية وحزبية ينبغى وضع حد له. سادساً: مراعاة أن جزءاً لا يستهان به من التدفقات المالية الواردة من الخارج لدعم الإخوان يتم نقله عبر الدبلوماسيين وأسرهم وحاملى الحقائب والبريد الدبلوماسى لبعض السفارات (قطر، تركيا...) الأمر الذى يفرض اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالسيطرة على ذلك. سابعاً: أهمية سرعة السيطرة على الأنشطة غير المشروعة التى تساهم فى تمويل الإرهاب (تجارة السلاح، المخدرات، التهريب، وتجارة الأعضاء...)، وذلك من خلال إجراءات محددة: المطالبة بالمشاركة فى نظام التأمين الإلكترونى للحدود، الذى وافق مرسى للولايات المتحدة وإسرائيل عليه فى نوفمبر 2012 ويتضمن زرع حساسات تنصت ومتابعة إلكترونية لرصد أنشطة جماعات وعناصر الإرهاب والمهربين، على أن تكون تلك المشاركة على أساس استقبال وتحليل الإشارات، وعدم الاكتفاء بمجرد موافاتنا بالنتائج.. الموافقة هنا شرط لاستمرار النظام، والظروف مهيأة للقبول خاصة أن الولاياتالمتحدة عندما فرضت حظراً على الدعم العسكرى لمصر استثنت ما يتعلق بمكافحة الإرهاب. التنسيق وتبادل المعلومات والتعاون فى مجال السيطرة على الحدود المشتركة مع ليبيا والحد من عمليات تهريب السلاح، ويمكن فى هذا الصدد البناء على ما حققته زيارة رئيس المخابرات الليبية سالم النحاسى للقاهرة فى 22 يوليو، والتى حققت نتائج طيبة (كشفت تورط قيادات مكتب الإرشاد فى اغتيال الدبلوماسيين الأمريكيين فى ليبيا - دور الشاطر فى صفقات تهريب السلاح لمصر). السيطرة على درب الأربعين لوقف تهريب الأسلحة من تشاد، وكذا وادى الجمال على الحدود مع السودان.. ويتم ذلك من خلال الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار؛ الأولى تملكها روسيا وأبدت استعدادها لذلك فى إطار تعاون استراتيجى، والثانية تنتجها دولة الإمارات العربية ومن اليسير إدخالها ضمن برامج التعاون المشترك. الاعتماد على آليات التصوير والاستشعار عن بعد لرصد وتدمير شبكة الأنفاق مع غزة، وتلك آلية يمكن تحقيقها عن طريق الأقمار الأوروبية -أشهرها الفرنسية- والتى تعمل وفقاً لمعايير اقتصادية لا علاقة لها بالتعاون الاستراتيجى.. إغلاق الأنفاق لن يتم إلا بهذه الطريقة وبعدها يتم تفعيل اتفاقاتنا السابقة مع الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية (ألمانيا - فرنسا) فى يناير 2009 بشأن تركيب أجهزة متطورة للسيطرة على الحدود مع قطاع غزة (أجهزة إنذار - كاميرات مراقبة)، والتى لم يتم تفعيلها لعدم جدية الأنظمة السابقة فى القضاء على الأنفاق، ويُستكمل ذلك بالطبع بإعلان حرم للحدود من الجانبين يتم التعامل العسكرى والفورى مع أى محاولة لاختراقه. *** سقط حكم الإخوان، لكن التنظيم الدولى ما زال قائماً.. فقدوا تعاطف الشعب مع مظلوميتهم، لكن الحماية الدولية تكفلهم.. فقدوا بريقهم الذى يجتذب المريدين، لكن أرصدتهم المليارية تجند الإرهابيين والمخربين ومثيرى الفوضى.. حقائق ينبغى إدراك دلالاتها والتعامل مع نتائجها.. قبل فوات الأوان!