شاركت الشباب حلمهم بالثورة، وشاركت فى فعالياتها، منذ 25 يناير 2011، وحتى حكم محمد مرسى، فكان مصيرها دار رعاية الأحداث، بعد القبض عليها، فى إحدى المسيرات التى كانت تطالب بالإفراج عن المعتقلين، أمام قصر الاتحادية يوم 26 أبريل 2012، بتهمة الاعتداء على الشرطة ومحاولة اقتحام القصر الجمهورى. «ب. ى» طالبة بالثانوية العامة، جرى اعتقالها لمدة 18 يوماً رأت خلالها ما لا تستطيع نسيانه من عنف وبلطجة ومعاملة غير آدمية لنزيلات دار رعاية الأحداث فى منطقة «أبوقتاتة»، وروت ل«الوطن» ما تعرضت له، قائلة: «كنت نازلة أطالب بالإفراج عن زملائى المعتقلين ومرة واحدة قبضوا علينا أمام قصر الاتحادية ورحلونا على قسم مصر الجديدة، قعدنا هناك يومين ومحدش من أهالينا عرف عنا حاجة بعد كده نقلونا مكان فى رمسيس». بملامح طفولية وضيق لا يفارق وجهها، تتذكر «ب . ى» ما حدث معها بمجرد وصولها إلى مكان احتجازها فى «رمسيس» وتقول: «الضابط أول ما شافنى بهدلنى شتيمة، وقال لى إنتى المفروض تاخدى إعدام، إحنا نتكسف نقعدها مع البنات فوق، إنتى ناسية بيقولوا إيه على البنات بتاعة الميدان». استمعت «ب» إلى كلام الضابط دون أن تنطق بكلمة واحدة، ثم أصدر تعليماته لأمين الشرطة بتحويلها إلى مكان احتجاز الفتيات، لتصل إلى حجرة قالت عنها: «طلعونى أوضة صغيرة مفيهاش نور ولا حمام، ونمت على البلاط، كان فيه بنات معينة بس هى اللى بتاخد بطاطين، كانوا بيعاملونا على أننا حيوانات». وأضافت: «أنا مش هنسى إن اليوم دا نمت على البلاط وكمان مش قادرة أنسى الراجل اللى فتش شنطتى وأخد منها حاجات تخصنى وقعدنى جنبه طول النهار لو بابا جاب لى أكل ياخده يأكله وكان عايز ياخد رقم تليفونى لما عرف أنى جاية من الميدان، بالنسبة لهم البنت المقبوض عليها فى مظاهرة بتكون سيئة السمعة». ظلت «ب» حبيسة بين «الحجرة المظلمة» و«الرجل الذى لا يفارقها» إلى أن سلمها إلى الحرس الذى اصطحبها إلى دار رعاية الأحداث فى «أبوقتاتة»، وهو ما قالت عنه «ب»: «الحرس كانت معاملتهم أحسن بكتير ولما سلمونى لدار الرعاية، قالوا لى ما تخافيش، اعتبرى نفسك قاعدة فى مدرسة أو مستشفى بصراحة أنا مكنتش خايفة لحد ما دخلت جوا العنبر». فى «العنبر» تختلف الأوضاع عما حكاه الحراس للفتاة، التى قالت «أول يوم لى فى العنبر بدأ بمشاجرة مع أكبر السجينات سناً فى العنبر ويلقبونها ب(المشرفة) وهى صاحبة الكلمة العليا وسط السجينات ومدعومة من الإخصائيات النفسيات بالدار». تتذكر «ب» الواقعة مرددة: «أول ما دخلت حصلت مشكلة مع المشرفة لأنها شتمتنى وقالت لى «يا بتاعة الخيم» وبعد كده ضربتنى، أول ما رحت اشتكى، الإخصائية قالت لى «من حقها تضربك لأنها أقدم منك فى المؤسسة وبقالها 5 سنين». وتكمل «ب»: «المفروض إن المشرفة دى مسجونة زيى زيها، مش من حقها تضربنى وتهينى، بسمع كلام وحش وبشوف حاجات وحشة ومش من حقى أتكلم لأنى لو اتكلمت كله هيتلم عليّا ويضربنى، مرة واحدة بنت كانت معانا فى العنبر شافت واحدة بتشم بودرة، ولما راحت بلغت المشرفة البنات جوه العنبر ضربوها لحد ما وشها ورم، والمشرفة هددتها أنها هتنزلها غرفة تأديب لوحدها». بوجه شاحب وصوت يغلب عليه الانكسار تكمل: «عمرى ما سكت عن الحق، الميدان علمنى ما اسكتش عن حقى وحق الناس حواليّا لكن فى المؤسسة كنت مجبرة أنى أسكت، لأنى كل ما أتكلم وأشتكى أنا اللى بانضرب واتهان، لدرجة إن كان فيه أفعال شاذة بتحصل بين البنات وبعضها فى العنبر وقدام الإخصائيات ومكانش حد فيهم بيتدخل أو بيعترض أو حتى يقولهم إن اللى بيعملوه دا حرام». «النوم» كان هو الوسيلة الوحيدة التى تلجأ إليها «ب» هربا من مشاكل العنبر وفتياته، خاصة المتهمات فى قضايا الآداب واللاتى كن يحظين بمعاملة أفضل منها بحسب قولها: «كنت بنام عشان أهرب من المشاكل، بنات الآداب كانوا بيتعاملوا أحسن معاملة، بيتكلموا فى التليفون براحتهم، وممكن كمان يناموا فى غرف منفصلة لوحدهم، أما أنا لو حبيت أتكلم فى التليفون كانت المكالمات بتتسجل وبتروح نسخة منها للمأمور». «سوء المعاملة» الذى عانت منه «ب» كان له تفسير واحد من وجهة نظرها، وهو أنها من «تشارك فى المظاهرات» وهو ما تراه الفتيات المتهمات فى قضايا الآداب وتعدد الزوجات والسرقة والمخدرات «جرم كبير»، وهو ما ظهر أثناء مرضها المفاجئ وتعرضها لأزمة قلبية وامتناع الفتيات عن مساعدتها مرددين: «أنتى جاية تتعبى لنا هنا؟». أثر التجربة المريرة التى عاشتها «ب» فى الدار، كان له تأثير على حياتها فيما بعد، حيث تسببت فى رسوبها فى السنة النهائية بالثانوية التجارية، وعندما تعرف عليها أحد المراقبين أثناء أحد الامتحانات قال لها: «أنتى (ب . ى) اللى طلعتى على قناة الحياة، أنتى بلطجية وتستاهلى الإعدام»، وعندما اعترضت قائلة له: «أنا فى لجنة امتحان وعايزة أحل»، قاطعها: «ياريت تبطلوا صياعة فى الميدان وتركزوا فى امتحاناتكم»، وهو ما استقبلته «ب» بترك الامتحان وتسليم الورقة دون الإجابة عنها، لتضيع سنة دراسية من عمرها مرددة: «طول عمرى بكره الظلم وهساعد أى حد هيتظلم، وياريت النشطاء السياسيين والإعلاميين يهتموا بالمعتقلين العاديين، مش شرط أنه يكون ناشط معروف عشان نجرى وراه ونطلّعه».