إعلان غامض ظهر على بعض الفضائيات ثم اختفى، ليعود مرة أخرى بعد التعديل وينتشر فى الشوارع والقنوات الفضائية، وليشعل حرباً وأسئلة على «تويتر» وال«فيس بوك» حول حق المعلن فى أن يقول ما يشاء دون الكشف عن هويته، وهل تقف الحكومة خلف هذا الإعلان؟.. ولماذا تتورط فى هذا النوع من الدعاية السياسية المثيرة المستفزة؟! الإعلان الأول كان يدعو إلى التصويت ب«نعم» على الدستور، لمواجهة إرهاب الإخوان، وجاء فى نهاية الإعلان توقيع شعب 30 يونيو! وقبل أن نسأل من يمثل هذا الشعب، ليتحدث باسمه، وكيف يدعو الناس ليقولوا نعم لدستور لم يعرف بعد ولم تصوت عليه لجنة الخمسين، وكأن هذا الشعب قطيع مسلوب الإرادة، بلا رأى ولا حق فى أن يقول نعم أو لا، حتى لو كان مؤيداً لثورة 30 يونيو ومصدقاً على خارطة الطريق، أكرر قبل أن نسأل، اختفى الإعلان من على الشاشات، وغاب أياماً، يبدو أنها كانت لعلاجه من الأمراض والأخطاء الكارثية التى ظهرت على نسخته الأولى- ثم عاد ليطل علينا من جديد على أعمدة الإنارة وفى الشوارع الرئيسية وعلى الكبارى كما على شاشات التليفزيون، ولكن بصورة جديدة وإن لم تفلح فى إزاحة الغموض الذى سيطر على الإعلان الأول! الإعلان يدعو إلى القول ب«نعم» لثورتى 25 يناير و30 يونيو بالمشاركة فى التصويت على الدستور، والتوقيع: رجال من مصر. نعم، الإعلان الثانى أفضل من الأول، وإن كان سيئاً فى عدم وضوح الرسالة، خافياً لمن يقف خلفه، لذا كان الهجوم عليه كاسحاً من نشطاء وسائل الاتصال الإلكترونية، الهجوم الأكبر انصب على الحكومة حيث اتهموها بأنها هى التى تقف وراء الإعلان لحشد الناس للنزول والتصويت بنعم، وأنها تنفق على ذلك من أموال الشعب، وأن الإعلان مستفز يصادر على حق الناس فى الاختيار، وأن هذا الضغط الإعلانى يكشف أن الدستور الجديد سيئ ولن يرضى الشعب، لذا لجأت لمغازلة مشاعر الناس بأن ال«نعم» لثورتى 25 يناير و30 يونيو فى مواجهة إرهاب الإخوان! ما استوقفنى بشدة هو ما اكتشفته بعدما بحثت وسألت وفتشت خلف هذا الإعلان المستفز، الذى تعجل أصحابه وأرادوا أن يركبوا عقول الناس مبكراً، وقبل الهنا -الدستور- بأيام.. المهم، اكتشفت أن الحكومة بريئة مما لحق بها من اتهامات، وأن مجموعة من رجال الأعمال، من مناصرى الثورة وخارطة الطريق، هم الذين أنفقوا على هذه الحملة الإعلانية، لن أقول نفاقاً، لأن لا أحد يمكنه الكشف عن نوايا القلوب، ولكن رغبة فى الحشد المبكر، فهم يرون أن لا سبيل لتجاوز الواقع السيئ الذى نعيشه سوى بتمرير هذا الدستور وبأغلبية تفوق أغلبية دستور الإخوان، وإن كان فيه بعض العيوب فيمكن تلافيها وتصحيحها فيما بعد، هم يرون الدستور أول خطوة ديمقراطية فى خارطة الطريق، ستكون ضربة قاضية على الإخوان!! إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يعلن رجال الأعمال عن أسمائهم؟ الإجابة التى سمعتها، أن هؤلاء لهم شركات ومصانع ومعارض ومحلات، يخشون عليها من بطش الإخوان!! واقع آخر مؤسف يكشف عجز الدولة وتوحش الإخوان وقدرتها على إرهاب الآخر، الذى يختلف معها!! لا أتفق مع ما فعله رجال الأعمال هؤلاء، وإن كنت أتمنى أن يكون الدستور جيداً، وأن يخرج الشعب للتصويت ب«نعم» إذا اقتنع أن هذا هو دستور المستقبل، دستور الثورة، ولكنى أراهم مثل الدبة التى قتلت صاحبها، أقصد ثورتها، وما أكثر «الدببة» هذه الأيام!!