هذا ما أسميه تبجحاً ونطاعة وعمى بصيرة: نزع مرتزقة «25 يناير» برقع الحياء وعادوا يطلون بوجوههم المموّهة وبدأت أصواتهم ترتفع.. وكنا نظن أن ثورة 30 يونيو أخمدتها إلى الأبد. خرج هؤلاء المرتزقة من نعوشهم -بينما تخوض مصر حرباً مقدسة ضد إرهاب الإخوان- وتسللوا إلى بعض برامج ال«توك شو» ومساحات الرأى فى فضائيات وصحف يقال إنها «مستقلة»، ليعيدوا إنتاج سيرة المرحومة «25 يناير»، مع أنهم يدركون جيداً أن غراب الإخوان خطفها قبل أن ينبت لها ريش، وأن محمد مرسى وعصابته الحاكمة استولوا على كل بيضها، ثم ذبحوها وطبخوا على روحها «رز بالشرعية»، ثم أخرجوها غائطاً يتدفق الآن فى مواسير صرف برج العرب والعقرب وليمان طرة وغيرها من «بيوت الراحة» التى نشأوا وعاشوا فيها أكثر من ثمانين عاماً! وهكذا لم يبقَ من سيرة «المرحومة» سوى علامة «رابعة» وعلم «القاعدة» محتضناً علم «الصديقة» إسرائيل، وصور الخائن الإرهابى محمد مرسى، و«علقة» ما بعد كل ظهر جمعة، وكوكتيل وساخات وبذاءات على كل حائط ولوحة إعلان فى شوارع القاهرة، وضجيج طبول ألتراس محمد أبوتريكة، ورائحة «الاشتراكيين الثوريين» النتنة، وأرقام حساب سرية لطفل الإخوان أحمد ماهر و«الست أبريل بتاعته»، ولثغة الناشطة المجاهدة أسماء محفوظ غير البريئة، والخوخ الذى يطفح دموعاً على خدى مصطفى النجار منذ فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة»، وقبل هذا وذاك: «تويتات» كبيرهم الذى علمهم الخيانة.. محمد البرادعى! بالله عليك إذن قُل لى أنت أيها الثائر النحرير: كم عددكم بالضبط؟ وكيف يمكن للمرء أن يتعرف عليكم فى هذا الكرنفال الثورى؟ ماذا بقى من سيرة «المرحومة 25 يناير» -طيّب الله ثراها وأسكنها فسيح جناته- سوى هؤلاء المرتزقة وشعاراتهم البائسة، المعادية لكل ما له علاقة ب«فكرة الدولة»؟ ما الذى بقى من سيرة المرحومة سوى فلول الإخوان والمتاجرة ببعض ال«إيفنتات» التى تذكر هؤلاء المرتزقة بأمجادهم الغابرة مثل «محمد محمود» وغيرها من حفلات التخريب والفوضى؟ ما الذى بقى سوى حقدهم على ثورة 30 يونيو، وكرههم لكل ما تمخضت عنه.. وهو ما يعكسه خوفهم الدائم وغير المبرر مما يسمونه «عسكرة الحكم»، وتهليلهم لكل ما يعتقدون أن فيه إدانة للجيش وللفريق السيسى تحديداً، وسعيهم الدؤوب والمبكر لإقصائه والادعاء بمسئوليته عن كل ما لا يعجبهم، حتى إذا كان فى تفاهة برنامج باسم يوسف، كما تعكسه فوبيا «عودة الداخلية» بما تمثله هذه العودة من مخاطر محتملة أو مؤكدة على أجنداتهم الخاصة؟ لم يبقَ لهؤلاء المرتزقة من سيرة «المرحومة» سوى إحساسهم العميق بأنهم منبوذون، مشبوهون، مضحوك عليهم، وهو سبب كافٍ لظهورهم من جديد، وإصرارهم على أن ما جرى فى 25 يناير كان «ثورة»، مع أن المقدمات والنتائج تؤكد، بما لا يدع مجالاً لشك، أن هذا ال«25 يناير» يمكن أن يكون أى شىء إلا أن يكون ثورة! المقدمات تقول إن جموعاً من المصريين تحركت فى ذلك اليوم بصورة عفوية، لكنها لم تكن تدرك أن ما يجرى فى مصر، وما جرى من قبلُ فى تونس، وبعدها فى ليبيا واليمن وسوريا، ليس إلا مؤامرة كونية حقيرة سُميت -على غير مسمى- ب«الربيع العربى»، ولعبت فيها مخابرات وأجهزة إعلام عربية وإقليمية ودولية دور البطولة. والنتائج أيضاً تقول إن مصر بعد حوالى ثلاثة أعوام من تنحى «مبارك» أصبحت أكثر فوضى وخراباً وانهياراً وانفلاتاً، وإن الأمل الوحيد المتبقى للمصريين بعد ثورة 30 يونيو أن يستعيدوا دولتهم التى كادت تلحق ب«المرحومة» إلى مثواها الأخير.. لولا عناية الله وجيش مصر المنصوص عليه فى قرآنه الكريم. لن أتوقف عن رصد أكاذيب وضغائن وهلاوس هؤلاء المرتزقة. صحيح أن بعض المدافعين عن «25 يناير» شرفاء، لا تشوب ذمتهم السياسية والوطنية أية شائبة، وصحيح أننى خُدعت مثلهم وصدقت «جزيرة» قطر واعتقدت أنها «ثورة شعب».. إلا أن ما تواتر بعد ذلك من معلومات وأسرار عن هذه المؤامرة من ناحية، وما جرى على أرض الواقع طوال الأعوام الثلاثة الماضية من ناحية أخرى، جعلنى غير مقتنع بأن هذا ال«25 يناير» يمكن أن يكون «ثورة». وإذا كانت ثورة فأين مكاسبها؟ وما الذى أنجزته باستثناء صعود جماعة إرهابية خائنة على أنقاض دولة عمرها سبعة آلاف عام؟ ومع أن السؤال أصبح قديماً وساذجاً فإننى ما زلت أتساءل: هل كان الهدف إسقاط «مبارك» ونظامه أم إسقاط الدولة المصرية؟ إن كثيراً من الزملاء والأصدقاء يلوموننى ويطالبوننى بالكف عن وضع «25 يناير» فى مواجهة قد تكون ضارة مع «30 يونيو». والحقيقة أنهم مخطئون؛ إذ طالما كانت «هيبة الدولة» هى المعيار والهدف.. فإن «30 يونيو» هى بكل تأكيد «ثورة المصريين الحقيقية». والمؤكد أيضاً أن الشرفاء الذين مهّدوا ل«25 يناير» وخُدعوا كغيرهم من ملايين البسطاء.. شاركوا فى «30 يونيو» وآمنوا بأنها هى الثورة الحقيقية، حتى إذا كان الحياء والحسرة يمنعانهم أحياناً من تسميتها «ثورة»، مكتفين بالقول إنها «موجة ثانية». وإذا كنت ألتمس العذر لمرتزقة 25 يناير فى إصرارهم على أن ما جرى فى هذا اليوم «ثورة»، وأترحم مثلهم على تلك التى ولدتهم من رحمها (ولا تسل عن الأب الذى رمى)، وأرضعتهم من صدرها لبناً وعسلاً، وجعلت لهم سعراً وقيمة، فإننى لا أعذر من سمح لهم بالظهور من جديد، وأفرد لهم مساحات فى برامج ال«توك شو» وعلى صفحات الصحف. لقد أصبح واضحاً أن ثمة طابوراً خامساً فى بعض وسائل الإعلام الخاصة، ومن ثم لا بد من تطهيرها. لكننى لا أعرف إن كان السبب شكوكاً تحيط بالذمة السياسية والمالية لأصحاب هذه الصحف والفضائيات.. أم أنهم خائفون من إرهاب وقلة أدب هؤلاء المرتزقة!