120 يوماً مرت، عقب قرار رئاسة الوزراء بتطبيق حظر التجول فى 14 محافظة من محافظات مصر، كانت من بينها القاهرة، التى تحوّلت شوارعها طوال 4 أشهر، إلى ثكنة عسكرية فى الليل، حيث كانت تنتشر مدرعات الجيش والشرطة فى معظم الطرقات، عقب بدء ساعة الحظر فى الواحدة ليلاً، كان الناس يسارعون إلى بيوتهم، لكن اليوم انتهت فترة الحظر. الساعة تجاوزت 12:30 صباحاً، وقف رجل مرتدياً سترة بنية، على كوبرى الجلاء بالقرب من مبنى دار الأوبرا المصرية، يمسك بصنارة صيد، لا يلتفت لشىء ولا يأبه بمن حوله، سوى التأمل فى النيل، فى مشهد يضفى عليه جمالاً فوق جماله. محمد عثمان الذى يعمل موظفاً فى محافظة القاهرة، يأتى يوم الخميس من كل أسبوع، يقف على كوبرى الجلاء، لممارسة هواية الصيد حتى صباح اليوم التالى، يقول إنه اعتاد الصيد فى أيام الحظر فى موعد محدد من كل أسبوع، لم تحدث له مضايقات فى أى يوم، حتى إن بعض رجال الشرطة والجيش كانوا يقفون بجانبه يشاهدونه وهو يمارس هوايته. على كوبرى قصر النيل، ملتقى المحبين، أحد أهم معالم القاهرة فى ليلها الساهر، تجاوزت الساعة 1 صباحاً، تراصت أعداد من السيارات فوق الكوبرى، تجمعات صغيرة لبعض الشباب، لقاء بين شاب وفتاة، عريس وعروسته، رجل يصطحب زوجته وأطفاله، يجلسون على الكراسى لتناول «حمص الشام». يقول أحمد حامد أحد الشباب الذى يعمل على «نصبة شاى»، إنه سعيد بانتهاء حظر التجول، لأن الساعة كانت تقترب عقاربها من الواحدة صباحاً، فيسرع للانتهاء من عمله، حتى يستطيع الذهاب إلى بيته قبل بدء ميعاد الحظر. داخل ميدان التحرير، جلس رجل يصطحب زوجته وأطفاله الأربعة، يلعبون ويلهون سوياً، فى تلك الأجواء التى يسودها الهدوء، وسط روعة الميدان وأضوائه البراقة، جعلت هانى رمضان يستمتع مع أبنائه الصغار فى أول ليلة لانتهاء حظر التجول. هانى رمضان الذى يبلغ من العمر 40 سنة يسكن فى منطقة القلعة، اصطحب أولاده إلى ميدان التحرير، بعدما ظل شهوراً لا يستطيع أن يخرجهم فى مثل هذه الأجواء من الليل، خصوصاً فى يوم الجمعة الذى كان يبدأ فيه ميعاد الحظر فى الساعة 7 مساءً. الساعة تقارب عقاربها على الساعة 1:45 صباحاً، صوت مدرعات الجيش تقتحم الميدان، تسير كل منها فى اتجاه مختلف، تقف كل واحدة على مدخل من مداخل الميدان، حتى تم إغلاقه تماماً فى الساعة الثانية والنصف صباحاً، فالمرور ممنوع فى الميدان، وكأنه مستثنى من قرار رفع الحظر. على أحد مقاهى وسط البلد، داخل المقهى يجلس شباب وفتيات، يعزف أحد الشباب على العود، يمسك آخر بطبلة والثالثة تغنى على أنغامهم، شباب يحتفل بانتهاء فترة الحظر، يسهرون ويغنون، فى إعادة واحدة من سهرات القاهرة. عند دقات الساعة الثالثة صباحاً، ينطلق صوت صاحب المقهى «ربع ساعة ونخلص يا شباب عشان أقفل»، يرد عليه الشباب فى ضيق وتذمر: «ليه! إحنا خلاص مافيش حظر، ليه هتقفل بدرى!»، بعد ذلك خرج الشباب أمام المقهى، يقفون فى الشارع، منهم من يستكمل غناءه، وآخرون يتغنون بأوبريت «الليلة الكبيرة».