تشهد الحدود المصرية الليبية عمليات هجرة غير شرعية وتسلل من مصر إلى ليبيا يومياً، وفى كل لحظة يتوجه الشباب من مختلف القرى والمدن الفقيرة فى الصعيد والوجه البحرى، عن طريق سماسرة إما بحراً عن طريق السلوم المطلة على البحر الأبيض المتوسط، أو براً عبر الصحراء، ليبدأوا «رحلة العذاب والموت». آخر ضحايا رحلات الهجرة غير الشرعية، 60 شاباً مصرياً لا يزال مصيرهم مجهولاً فى بحور الصحراء الليبية، عثر حرس الحدود الليبى على جثة اثنين منهم، جنوب المنطقة الصحراوية بطبرق، فيما نجا شخص وحيد من الموت بعد 12 يوماً ظل فيها تائهاً فى الصحراء يبحث عن شربة ماء بين الحياة والموت. أولى المفاجآت التى رصدناها، أن إهمال الحكومات السابقة وسماحهم لأصحاب النفوذ بالاستيلاء على مجرى النيل بفرع رشيد بإنشاء أقفاص سمكية قضت على زريعة الأسماك الصغيرة، كان سبباً فى انهيار الثروة السمكية بتلك المنطقة، مما أدى إلى لجوء أصحاب مراكب الصيد إلى استقطاب بعض الشباب من محافظات الجمهورية لتهريبهم عبر البحر الأبيض المتوسط من خلال بوغاز برج مغيزل ورشيد. تبدأ رحلة الموت المتلاحقة بشكل يومى على الحدود المصرية الليبية، وزادت أعداد الشباب المهاجرين بعد ثورة 25 يناير والانفلات الأمنى فى كل مكان، كما تزايدت أعداد السماسرة الذين يستغلون الشباب فى مختلف المحافظات. رصدنا مرور الشباب الراغبين فى الهجرة على أكثر من 5 سماسرة، حتى يصلوا إلى ليبيا، فمنهم من يتعرض للغرق بحراً، ومنهم من يموت بطلق نارى على الحدود البرية سواء من الجانب المصرى أو الليبى لدخوله أراضى محظورة. وتبين أن شباب محافظات الدقهلية والشرقية والغربية والبحيرة وكفر الشيخ هى أكثر محافظات الوجة البحرى إقداماً على رحلات الهجرة غير الشرعية، فيما تستحوذ محافظات الفيوم وأسيوط والمنيا وسوهاج على أكبر نسبة إقبال على الهجرة غير الشرعية فى صعيد مصر. الغريب أن مصر شهدت مؤخراً ظاهرة جديدة، فلأول مرة يقدم شباب فى سن المراهقة، أعمارهم تتراوح بين 14 و16 سنة على محاولات الهجرة غير الشرعية، فقد ضبطت القوات البحرية بالتعاون مع حرس الحدود، مركبتين على متنهما شباب فى هذه السن الصغيرة، كانت إحداهما تسمى «الأمير حميد»، والثانية «كريم يا رب» أثناء محاولتهم الهجرة فى عرض البحر على بعد 28 ميلاً شرق فنار علم الروم أمام سواحل مرسى مطروح أثناء محاولاتهم التسلل إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا. ويحصل السمسار على 5 آلاف جنيه من الشاب الواحد مقابل رحلة الموت سواء كانت براً أو بحراً من مصر إلى ليبيا يدفعها الشاب نقداً، ثم يجبره على التوقيع على إيصال أمانة حالة الاتفاق معه على الهجرة إلى ليبيا، ومنها إلى إيطاليا وغالباً ما تكون عمليات الهجرة إلى ليبيا، حيث يقوم السماسرة خلالها بتجميع الشباب فى عدة ميكروباصات من الصعيد والوجه البحرى، ثم إلى الإسكندرية ومنها إلى مرسى مطروح، ثم إلى السلوم، حيث يقيمون بمنازل بمعرفة سماسرة هناك، حتى يتم التربيط مع السيارات التى ستنقلهم أو مراكب الصيد. ويقوم السماسرة بتهجير الشباب من خلال طريقتين: الأولى عن طريق البحر، حيث يتم تجميعهم فى سيارات وإنزالهم أمام أحد الأخوار البحرية شمال منفذ السلوم من خلال سيارات ربع نقل «تويوتا هاى لوكس»، ثم تأتى مراكب صيد مصرية أو ليبية وتنقلهم إلى أحد السواحل الليبية، منها شاطئ البردى والذى يبعد حوالى 10 كيلومترات عن سواحل السلوم، وغالباً ما يقومون بتحميل المراكب فوق طاقتها وتغرق بسبب حمولتها الزائدة فى عرض البحر ليكونوا وجبة دسمة للأسماك المفترسة فى قاع البحر المتوسط، فإذا وصلت المركب سالمة غالباً ما يقوم خفر السواحل الليبية بضبط ركابها وحبسهم وترحيلهم مرة أخرى إلى الأراضى المصرية. أما الطريقة الثانية، والتى انتشرت فى الآونة الأخيرة، فهى الهجرة عن طريق المدقات البرية، حيث يقوم بعض السماسرة بإدخال الضحايا سيراً على الأقدام فجراً من بعض المناطق الحدودية التى لا يعرفها إلا أدلاء الصحراء، وفور دخولهم الأراضى الليبية تقوم سيارات تابعة لهم بنقلهم عدة كيلومترات فى أحد المنازل بالصحراء، ثم يتركونهم مجموعات كل 5 أصحاب أو أقارب يغادرون الصحراء الليبية وحدهم، فمنهم من يصل إلى الطرق ويركبون إلى مدينة طبرق أو بنغازى، ومعظمهم يفشل فى الوصول بسبب عدم درايتهم بالصحراء، حيث يضلون الطريق فتأكلهم الذئاب، ومنهم من يموت عطشاً ويعثرون على جثثهم صدفة فى حالة إذا رآهم قائد سيارة داخل الصحراء. وتقوم قوات حرس الحدود الليبية بضبط المئات من المصريين المهاجرين غير الشرعيين فى العديد من المناطق الصحراوية، فمنهم من تقوم بتسليمه للسلطات المصرية بمنفذ السلوم ومنهم من تقوم بمحاكمته وسجنه داخل السجون الليبية، وهناك من يقع فريسة للميليشيات الليبية المسلحة المنتشرة فى كل مكان، فيتعرضون للقتل وتكتب لهم نهاية مأساوية بسبب الهجرة غير الشرعية من نار الفقر فى مصر إلى الجنة المفقودة فى أوروبا.