أكواب بلاستيكية و«سرفيس» مقسم لثلاثة أجزاء أحدها يمتلئ بالمكرونة بالشوربة وآخر به بطاطس بالصلصة وأخير يشتكى من وحدة قطعة اللحم به.. هذه وجبة فقراء حى الدقى على مائدة رحمن شارع إيران التى تقيمها جمعية مسجد روضة خليل الرحمن. المائدة الوحيدة فى شوارع الدقى، فإذا مررت فى هذا الحى وقت الإفطار لن تجد سواها.. «كان فى زمان أكتر من واحدة لكن حال الناس دلوقتى اتغير» يتذكر عم رمضان طباخ المائدة قبل عامين تلك الموائد العامرة فى أحياء الدقى والمهندسين: «اللى معه دلوقتى بيريح دماغه ويعطى الفلوس للجمعيات وهى تتصرف لكن الموائد خلاص راحت عليها». عم رمضان ليس فقط طباخ المائدة ولكنه موظف فى جمعية روضة خليل الرحمن «نفَسى حلو فى الأكل وباطبخ كل سنة فى المائدة». البعض يجلس منتظرا أن تمر الدقائق المتبقية على أذان المغرب والبعض الآخر يمسح عرقه المتساقط على جبهته وهو يجرى لاهثا للحاق بالمائدة قبل الأذان: «بابلط شقة هنا وأصحابها ماحدش ساب لىّ لقمة». عم عبدالراضى الرجل السبعينى الباحث عن رزقه طوال العام يأتى للمائدة كل عام «بآجى أدور على رزق الآخرة» يدور على المائدة يقدم الطعام ويدور بعلبة التمر يقدمه للصائمين: «اكسروا صيامكم بالتمر.. لو كان معانا كنا جبنا عصير». كثيرون حجزوا أماكنهم على المائدة وكثيرون أتوا أخذوا طعامهم وذهبوا.. الأستاذ ماهر سليمان، مدير الجمعية والمشرف على المائدة: «أمن المترو وأمن العمارات فطارهم من عندنا كل يوم بيروح لهم لحد عندهم». ماهر سليمان خريج كلية الإعلام وصاحب الدراسات العليا فى الاقتصاد والعلوم السياسية ويعمل فى التطوير الإدارى فى إحدى الشركات المرموقة وجد فى العمل التطوعى بالجمعية ما يشفى به صدره من الكبر والرياء وبرغم وجود المائدة فى هذا الحى الراقى إلا أنه يجد أن رقى الحى فقط «رقى فى الحيطان». الحاج ماهر وعم رمضان والأسطى عبدالراضى يتشاركون إفطارهم أيضا على المائدة لا يزيد إلا فى طبق السلطة الخاص بالحاج «30 يوم فى رمضان بافطر على المائدة وسط الناس ومن نفس الأكل مافيش حاجة زيادة»، الزيادة الوحيدة فى إفطار الحاج أتت من صاحب الصيدلية المجاورة «الحلو علينا النهارده يا حاج، صينية كنافة بيتى انتوا النص والصيدلية النص».. يضحك الحاج ماهر ويقبل الهدية ويقول «الدكتور ده مسيحى كل يوم بيفطر معانا المغرب عمره ما بياكل حاجة وقت الصيام». حوار معتاد بين رواد المائدة تتخلله السلامات والتحيات بين القادمين والجالسين «على آخر الشهر هنبقى عشرة عمر»، ضحكات من القلب وسخرية من أبسط الأشياء «شايف السلسلة اللى فى رقبة الكلب» حين مر أمام المائدة لم يثر فزع الجالسين عليها برغم شكله المهول الأقرب للأسد ولكنهم خافوا على قطعة اللحم أمامهم أن يشم رائحتها ولكنه مر عليهم بلا نظرة واحدة. دموع ونهنهات تسمعها فى آخر المائدة «بنتى مش عارفة أقدم لها فى مدرسة أبوها مش عايز يكتب لها شهادة ميلاد»، مآسى مائدة الرحمن لا تنتهى بحكاية أم ملك ولكن المائدة مليئة بحكاياتها «المائدة دى عليها مصر بطينها ومشاكلها»، يتذكر مدير الجمعية الذى ترك بذلته ليرتدى جلبابا ليقف وسط الناس: «فى أسر بحالها بتيجى تفطر ومنها بنسمع حكايات تقطّع القلب». المائدة التى خلت من أكواب العصير وقف على مدخلها بائع العرقسوس والخروب «بافطر وباسترزق برضه» يبيع أكياس العرقسوس على الجالسين، الجميع يشرب «الدنيا حر عايزين ميه لكن لسه التلت بتاع الطعام فاضى».