ما زلت أذكر ذلك اليوم، العاشر من رمضان سنة 1393ه، الموافق السادس من أكتوبر 1973، وكان شقيقى الأكبر منى مجندا بجيشنا الباسل، وسمعت صوت المذيع وهو يقول إن العدو الإسرائيلى هاجم بعض تشكيلات قواتنا المسلحة وجارى التعامل مع هذا العدوان، ثم توالت البيانات العسكرية فأيقنّا أن حرباً شاملة قد نشبت بيننا وبين العدو الإسرائيلى، ثم أخبرتنا البيانات العسكرية، بعد ذلك، أن قواتنا المسلحة استطاعت أن تمد جسوراً فوق قناة السويس وتدفقت عليها المدرعات والدبابات حاملة جنودنا البواسل ليبدأ الجيش المصرى فى تحرير شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الصهيونى الذى جثم عليها بعد حرب الخامس من يونيو 1967، واستطاع الأبطال المصريون تحطيم خط بارليف الحصين الذى كان ممتداً بمحاذاة قناة السويس من الجهة الشرقية من بورسعيد شمالا حتى السويس جنوبا فحققت القوات المسلحة إنجازا لم يسبق مكوَّنا من مرحلتين: اجتياز المانع المائى (قناة السويس) وتحطيم خط بارليف، تم ذلك وأفراد القوات المسلحة صائمون وقد رفعوا أصواتهم بصيحة النصر «الله أكبر» فسرت روح الانتصارات الرمضانية لتضيف إليها انتصارا متميزا فى العاشر من رمضان. وسبق ذلك الانتصار حرب طالت منذ 1967 وحتى 1973 وهى حرب الاستنزاف التى كان لها أثر معنوى وأثر مادى على طرفى الصراع (مصر والعدو الصهيونى)، فعلى الجهة المصرية كانت روح الانكسار والإحباط سائدة بعد هزيمة يونيو 1967 وتبعثرت بعدها قوة الجيش المصرى بأفراده ومعداته فجاءت حرب الاستنزاف لترفع الروح المعنوية للجيش والشعب معاً؛ إذ استطاعت قواتنا المسلحة المظفرة أن تعيد البناء فى كافة أفرعها برا وبحرا وجوا، واستطاعت أن تبنى حائط الصواريخ الشهير غرب قناة السويس ليوقف غارات الطائرات المعادية التى كانت تصل إلى العمق المصرى كما حدث فى نجع حمادى وبحر البقر وغيرهما، وعلى الجانب الصهيونى تكبد العدو خسائر مؤثرة فى الأفراد والمعدات فانتقلت إليه روح الإحباط واليأس. ومن الوفاء أن نذكر شهداء وأبطال تلك المرحلة، وعلى قمة الشهداء نجد الفريق الشهيد عبدالمنعم رياض الذى نال الشهادة أثناء حرب الاستنزاف فى الصفوف الأمامية وفى وسط جنوده، ومن أبطال تلك المرحلة الزاهرة القادة العظام الفريق محمد فوزى والمشير أحمد إسماعيل والفريق سعد الدين الشاذلى والمشير محمد عبدالغنى الجمسى وغيرهم الكثيرون ممن كان لهم أعظم الأثر فى تحقيق هذا النصر. وكان الشعب المصرى فى هذا الوقت نموذجا للصبر والتحمل فقد أدرك أن الأمر ليس معركة عسكرية فحسب لكنها معركة لإثبات الوجود واسترداد الكرامة. وبعد ثورة 25 يناير أصبحت مقاليد الأمور بيد هذا الشعب الذى هو البطل الحقيقى لحرب أكتوبر التى أعادت الأرض السليبة، كما هو البطل الحقيقى لثورة 25 يناير التى أعادت العزة والكرامة، وسرت روح جديدة فى هذا الشعب تساعده على العبور إلى دولة عصرية مزدهرة كما حقق العبور من هزيمة يونيو 1967 إلى نصر العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر 1973.