بين الأديرة البعيدة، راح البابا تواضروس الثانى يتنقل، 10 أسابيع قضاها بابا الأقباط الأرثوذكس معتكفاً داخل القلالى النائية فى قلب الصحراء يتابع ما يتعرض له الوطن من ترويع وتهديد، يرى نيران الحقد تقتل المصريين، وتحرق دور العبادة، عزى نفسه قبل أن يعزى الناس «حرق الكنائس جزء من ثمن الحرية الذى نقدمه بحب لمصر»، تحصن بما يحفظه من الإنجيل، صلى فى الظلام «طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض، طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يدعون». يستحضر روح المسيح على الجبل، ويهمس: «من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضاً، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين، ومن سألك فأعطه». يلتقط نفساً طويلاً قبل أن يردد: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم». 10 أسابيع، هجر خلالها البابا الكاتدرائية، تنقل بين الأديرة، يتابع أبناءه، ويوجه أساقفة الكنيسة لمد يد المساعدة والعون لهم، يرحب بالوفود المقبلة من الخارج ليظهر حقيقة ما جرى فى الموجة الأخيرة للثورة، ويفضح الإرهاب الذى استهدف الكنائس ودور العبادة، ويعلن مساندته ومباركته للدولة الجديدة، ويرفض أن يفصل المقبلون من الخارج ما يحدث للكنيسة والأقباط عما يتعرض له كل أبناء الشعب تحت نيران الإرهاب، يكلمونه عن تهديده بالاغتيال، فيحدثهم عن شهداء الكنيسة منذ دقلديانوس حتى الآن، يبشرهم أن مصر بخير، لأنها وطن فريد بين أوطان العالم له جذور وأصول وحضارته تشهد بذلك، وأن لها حاضراً حياً فى تفاعلاته ونشاطاته، ولها مستقبل مشرق متجدد ومنطلق، وأن كل تاريخها محفوظ فى يد علوية تباركها من كل شر. ينهى البابا اعتكافه الطويل، ويعود لرعاياه مرة أخرى عبر موعظته الأسبوعية، يلتقى الجموع التى اعتادت أن تستمع له، يباركهم من على عرش البابوية، يصلى من أجلهم، هم أنفسهم من اختاره القدر فى يوم ميلاده ليصبح قائدهم وراعيهم، فى حين حرص هو على أن يكون معهم فى كل المحن والأزمات التى مروا بها، فرفض أن يحل عيد رأس السنة القبطية، ولا يكون وسط الناس فى الكاتدرائية. قرر مواجهة المخاطر فى ظل الانفلات الأمنى، وتحدى قوى الإرهاب التى وضعته على رأس قوائم الاغتيال ليقف أمام مذبح الكنيسة، ليعلن أنه فى يد الله، يصلى من أجل من يضعون أنفسهم أعداء للكنيسة والأقباط، ويؤكد أنه ليس له عدو من البشر، ولكن عدوه وعدو الأقباط هو الشيطان فقط. عاد تواضروس إلى الكاتدرائية، منهياً خلوته فى فلوات الصحراء، ومعاوداً عظاته الأسبوعية للأقباط، متحدياً قوى الظلام، بنشر المحبة والسلام فى نفوس البشر.