قناة خاصة بالمنقبات.. فكرة جديدة وغير مسبوقة، حققت قبل أن تبدأ كثيراً من أهداف أصحاب القناة والعاملات فيها، فالمشروع غريب، وبالتالى حظى بتغطية إعلامية واسعة، كما أنه رسالة تمرد من وجهة نظر إسلامية متشددة على صناعة التليفزيون والأشكال التقليدية لظهور وربما استغلال المرأة وجمال الأنثى. لكن القناة محكوم عليها بالفشل، ليس لأنها تعتمد على المنقبات فقط، وإنما لأنها تفتقر للإمكانيات المادية والفنية، وتعمل بأساليب غير علمية، تكسب القناة عداء أغلبية المجتمع الذى قد يرى فيها مزايدة على تدينه، والمفارقة أن قناة المنقبات لا تلتزم بمنطق التشدد والانغلاق الذى يرى أن صوت المرأة عورة وقد يشكل فتنة، مما يعنى عدم تحقيق هدف خلق إعلام تليفزيونى خال من الإثارة والفتنة. فكما أن وجه المرأة السافرة وملابسها تثير الغرائز، فإن التخفى الكامل مع لغة العيون والصوت الناعم وربما الحالم قد يثير الشباب، هكذا تسقط أهم حجة للقائمين على قناة المنقبات، ويبقى التفسير الاجتماعى والإعلامى للقناة من حيث كونها محاولة لادعاء ما ليس فى صحيح الإسلام، وادعاء ما ليس فى الواقع أيضاً، وذلك بهدف ركوب موجة التدين العام فى المجتمع واستغلالها لتحقيق رواج كاذب لقناة متواضعة مهنياً وغير قادرة على منافسة القنوات الدينية وغير الدينية. استغلال الإسلام فى الفضاء الإعلامى وجه آخر لاستغلاله فى العمل السياسى، فقناة المنقبات تعنى ضمنياً أنها أكثر التزاماً بالإسلام من كل القنوات بما فيها القنوات الدينية، وهى مزايدة رخيصة؛ لأنه وفقاً للمنطق الإسلامى المتشدد لا يصح أن تعمل المرأة كمذيعة لأن صوتها عورة. قد تضمن حرية الإعلام تشغيل قناة أو أكثر للمنقبات؛ لكن ليس من حقهن توظيف الإسلام فى المنافسة على جذب الجمهور، وليس من حقهن ممارسة تمييز ضد غير المنقبات فلا يسمحن لهن بالعمل، وإذا كانت المذيعات المنقبات قد عانين من التمييز وتم منعهن من العمل، فإن الحل لن يكون بممارستهن لتمييز مضاد على غير المنقبات، وإنما بضمان حق المنقبات فى العمل بالتليفزيون إذا أثبتن كفاءتهن. أما القول بأن قناة المنقبات تستهدف فئة من المجتمع لا تشاهد أصلاً التليفزيون بسبب المذيعات السافرات أو المحجبات، فأعتقد أنها فئة ضئيلة للغاية، ومع ذلك فإن النقاب لن يشجعها على مشاهدة التليفزيون؛ لأن المضامين والبرامج هى الأهم فى جذب المشاهدين أيا كانت نوعيتهم. فى هذا السياق أدعو القائمين على قناة المنقبات إلى التفكير فى: 1- الخلافات الفقهية حول شرعية ارتداء النقاب. 2- شرعية ظهور مذيعات منقبات أو سافرات حيث يتركز النقاش حول طبيعة دور المذيعة والشكل الذى تظهر فيه وما تقدمه من مضامين وفى أى سياق اجتماعى وإعلامى. 3- التليفزيون صورة وكشف وفضح ليس لجسد المرأة وإنما للواقع الاجتماعى وللحقائق والآراء، ويتحقق النجاح فى صناعة التليفزيون بمقدار نقل ونقد الواقع، ويلعب المذيع دوراً محدوداً فى هذه العملية، ويرتبط دوره بالكلام ولغة الجسد وتعبيرات الوجه، وأحسب أن النقاب وإخفاء وجه المذيعة سيعرقل عملية التواصل والتأثير، ومن الضرورى هنا أن نستوعب حقيقة أن لغة الجسد والوجه تستخدم فى توصيل رسائل صالحة وفاسدة بحسب الموقف والسياق. 4- نسبية وفرادة عملية التلقى، بمعنى أن كل مشاهد حر فى اختيار ما يشاهده، وفى فهم وتفسير ما يقدم إليه من صور ومضامين إعلامية لا تقتصر فقط على شكل المذيعات. وبالتالى ليس من المعقول اختزال عملية التلقى فى صور تثير الغرائز، فهى عملية معقدة وتختلف بحسب عمر وتعليم وثقافة ووعى كل مشاهد وتدينه.