تحت شمس الصيف الحارقة يجلسون على الأرصفة، ما إن يلوح زبون من بعيد، يبدو عليه البحث عن عمال، يجرون إليه جماعة، ليختار منهم واحدا أو اثنين ثم يرحل، تاركا خلفه عشرات من عمال التراحيل يتمنون لو يجدون رزقا كالذى جاء لزملائهم قبل قليل. جميعهم متزوج ويعول، حتى أصغرهم الذى لم يكمل أعوامه العشرين متزوج أيضا، محمد عبدالعال سيد، استنكر السؤال، وقال: «26 سنة ومش متجوز ليه.. هى المصايب هاتبقى من كل ناحية؟». عائلاتهم فى البيت تنتظر كثيرا قبل العودة، فاليوم يبدأ مع السادسة صباحا، على الرصيف، حيث يظل الرجل مع أدواته منتظرا طويلا، يقول شعبان حسين: «الناس بتفضل ملطوعة فى الشمس فى الشوارع باليوم والاتنين والعشرة من غير شغل، بيوصلوا لمرحلة الجوع، من قلة الفلوس والشغل، عشان كدا نفسى الرئيس الجاى يعمل مشاريع، لأننا لو لقينا شغل، ومشاريع تضمن لنا دخل ثابت ومحترم مش هانشتكى أبدا». على زين، يطلب من الرئيس القادم أن يكون «إنسانا» يشعر بأبسط حاجات البشر ويوفرها لهم، يقول: نفسى الحاجة ترخص شوية، نلاقى أكل، وشرب، والأهم نلاقى عيش، والله ما لاقيينه، إنما الشغل مش هاتكلم فيه، أهو الأرزاق على الله، ساعة آه نلاقى شغل، وساعة لا ما نلاقيش. «غير متعلم»، صفة تلتصق بأكثرهم، لكن أسعد باتا طلب، يفسر ذلك بقوله: «أنا مش متعلم لأن مفيش تعليم أصلا، ماتعلمتش مش بمزاجى، محدش معاه فلوس للتعليم، ولما ملقيناش شغل فى بلدنا، جينا على هنا نشتغل لعل وعسى، لكن مافيش فايدة، برضو، البطالة ورانا ورانا، نفسى الريس الجاى يهتم بالتعليم وبالشغل». ويوافقه خالد عبداللطيف الرأى، ويقول: «أنا كمان ماكملتش تعليمى مش بمزاجى، والدى اتوفى، ومفضلش غيرى عشان أصرف على أمى، خرجت من التعليم عشان أشتغل، وآدينى بحاول». القصص لا تنتهى من قلب عمال التراحيل، عبدالقادر سعيد، لم تشفع له سنوات عمره التى قاربت على الخمسين فى قليل من الراحة، جلس على الأرض فى الشارع، واستقر الأسى على وجهه، لم يود الحديث فالصمت أصبح لغته فى هذا العالم، لا يعلق الكثير من الآمال على الرئيس القادم، فهو يرى أن كل من يتصارع على السلطة ويطلبها لا يستحقها، يقول: «مش عاوز حاجة من حد، أنا اللى تاعبنى إنى بحاول، لكن حقى ضايع بره وجوه، فى العراق رُحت واشتغلت سنتين و4 شهور، لكن مكملتش، ورجعت من غير ما آخد فلوسى، وشكلى مش هاخدها أبدا، العراق خلت فلوسنا عندهم كل الوقت دا، والحكومة العراقية قعدت تلعب بينا، ولما رجعت الفلوس جه دور الحكومة المصرية عشان تلعب بينا، الفلوس بتاعتنا موجودة فى مصر من 18 مارس، لكن البنوك مشغلاها لحسابها، وبتمسخرنا احنا الغلابة وتدوخنا، روحوا من البنك دا للبنك دا، الظاهر إنى مش هاشوف خير من حد أبدا، ربنا كبير، وإذا ولا بد أطلب خدمة فأنا عاوز فلوسى، لا أكتر ولا أقل، عاوز الحوالة بتاعتى». رجب شحاتة عبدالكريم، يرى أن النظام السابق كان فاسدا للدرجة التى لم يبق معها شىء سليم، يقول: عاوز الرئيس الجاى ما يمشيش زى النظام اللى فات، يهتم بالبطالة شوية، يشوف لنا شغلة، لأن البطالة هى سبب كل المشاكل، ويهتم بالعشوائيات، وآدى كل اللى عاوزينه، مش هانطلب أكتر طالما شغال كويس». ويتابع: «الله يخرب بيتك يا مبارك، خربت بيوتنا وشردتنا، كان بيخلى اللى كويس يبعد والوحش هو اللى يمسك المناصب، عشان كدا البلد اتخربت، ومبقاش لنا مكان، قتل الكفاءات، أنا معهد فنى تجارى كان نفسى اشتغل فراش فى مدرسة مانُلتهاش، من الكوسة والنظام اللى مدمرنا، حالتى زى كل زمايلى.. أتعب ناس وأكتر ناس حقوقها ضايعة فى البلد». شريف خلف، تصعّب على حاله، وقال: « إحنا لو كنا مولفين على الحرام، كنا اشتغلنا ولقينا سكك كتير، لكن الحلال فى الزمان دا بيخلى الناس تتذل، بنصحى 6 الصبح، وفى ناس بتصحى الفجر وترجع آخر النهار يا مولاى كما خلقتنى، أنا بقالى شهر مكلتش لحمة، نسيت طعمها، نفسى أطلب من الرئيس الجديد إنه يساعدنا نرجع حقوقنا، ويكون عندنا نقابة تجمعنا، ويبقى لنا معاش استثنائى إن شالله لو 200 جنيه، أنا راجل قربت أعجز ومقدرش اشتغل، هاصرف على ولادى منين لما أعجز».