السودان، سلة خبز الوطن العربي، وأقرب الدول لمصر جغرافياً، يشتهر شعبها بالطيبة، وقربه من الشعب المصري، لاسيما وأن جذورًا تاريخية عديدة ساهمت في ترسيخ العلاقة بين البلدين، فرفاعة الطهطاوي ذهب إلى السودان من أجل تطوير التعليم في أواسط القرن التاسع عشر، وأول رئيس مصري عقب ثورة يوليو محمد نجيب، كان من أصول سودانية، ورغم ما يطرأ على العلاقة من بعض المشاكل العابرة، لا تلبث أن تعود الأمور لنصابها. مصر والسودان "حبايب" منذ أيام الفراعنة. يتقابل التاريخ السوداني مع نظيره المصري منذ أمد بعيد، إذ يمتد إلى أكثر من 5000 سنة قبل الميلاد، وتحديداً في الأسرة الخامسة والعشرين، والمعروفة باسم حقبة الفراعنة السود، والتي حكمت مصر ومن أشهر ملوكها طهراقة وبعنخي. وطهراقة، أحد الملوك الكوشيين، وكان فرعون مصر وخامس ملوك الأسرة المصرية الخامسة والعشرين وأكثرهم شهرة إلى جانب بعنخي، واستقر حكمه في مدينة طيبة. قام طهراقة ببناء العديد من الآثار، لتدعيم مركزه في الحكم، ومن أهم هذه الآثار مجموعة الأعمدة التي أقيمت في الساحة الكبيرة بمعبد آمون العظيم بالكرنك، والتي لم يبق منها سوى عمود واحد فقط، وفي معبد الكرنك قام بعمل منحدر ملكي في منتصف المعبر الثاني لمعبد الكرنك ليقسمه إلى ثلاثة أقسام بعد تشييد هذا المنحدر. على المستوى العسكري خاض طهراقة حربًا مع الفرس، انتصر فيها، وقال ملك الفرس حينها:"لقد رأيت قومًا أشداء لم أر مثلهم قط"، وخاض أيضاً بقيادة الجيش المصري حربًا مع الآشوريين، كانت نتيجتها هزيمة الكوشيين بسبب أن أسلحتهم من البرونز، وهو معدن أضعف نسبيًا من الحديد الذي تكونت منه أسلحة الآشوريين، وبدءًا من عهد طهراقة، تم دفع ملوك تلك الأسرة إلى النوبة مرة ثانية. محمد علي يحتل السودان في سنة1821 أرسل محمد علي باشا حملة عسكرية لاحتلال السودان؛ بهدف جمع المال والرجال لتوسيع رقعة ملكه في الشرق الأوسط وإفريقيا والقضاء على مقاومة المماليك الخارجين على حكمه، والذين هرب بعضهم إلى السودان، ونجحت الحملة في ضم المناطق الاستوائية جنوباً، وكردفان غرباً حتى أعماق دارفور وسواحل البحر الأحمر وإريتريا شرقاً. التشكيل السوداني السياسي، ساهم محمد علي في صنعه، لكنه لم يلتفت إلى بناء قاعدة اجتماعية محددة، يمكن أن تؤسس لعلاقة قوية بين الجانب المصري والسوداني، بل قامت العلاقة على أساس التعسف في المعاملة، والفساد في جباية الضرائب، الأمر الذي دفع الشعب السوداني إلى كراهية الوضع الذي أقامه الحاكم المصري، ومهدوا لمقاومة وطنية، بزعامة محمد أحمد المهدي، ونسبت الثورة لاسمه، الثورة المهدية، والتي حررت السودان، وأقامت الدولة المهدية العربية الإسلامية، بقيادة محمد المهدي. ولم تلبث الدولة المهدية أن سقطت في عام 1898م، على يد القوات البريطانية المصرية، في معركة "كرري"، بمدينة أم درمان، وقتل على إثرها الخليفة وقتذاك عبد الله التعايشي، لتبدأ مرحلة الحكم الوطني في الزوال، موطئة لاتحاد مصر والسودان، لكن تحتة راية الاستعمار البريطاني. مصر والسودان دولة واحدة في عام 1899، قامت الإدارة الاستعمارية البريطانية، بعمل اتفاقية للحكم الثنائي بين مصر والسودان وأطلق عليها رسمياً اسم السودان المصري الإنجليزي، وكان أطراف الاتفاقية اللورد كرومر، وبطرس غالي وزير خارجية مصر آنذاك. كان الملك فاروق ملك مصر السابق يلقب بملك مصر والسودان، وكان الطلبة في المدارس يسمعون ألحان النشيد الوطني المشترك، ويهتفون بحياة السودان ومصر دولة واحدة. باستقلال البلاد في عام 1956 أصبح اسمها جمهورية السودان، (وبالإنجليزية Republic of the Sudan)، وأضيفت أداة التعريف باللغة الإنجليزية (the) إلى النص الإنجليزي؛ لتمييز الاسم الرسمي للبلاد عن السودان الجغرافي الذي يشمل منطقة الساحل الإفريقي، لاسيما وأن تلك المنطقة كانت تعرف إبان حقبة الاستعمار الغربي لإفريقيا بالسودان الفرنسي، الذي شمل كلاً من تشاد والنيجر ومالي، وكانت هذه الأخيرة تعرف باسم الجمهورية السودانية في عام 1959 ولكنها غيرت اسمها في عام 1960 إلى اسم مالي، تيمناً بإمبراطورية مالي التي تأسست في القرن الثامن الميلادي، واستمرت حتى احتلها المغاربة الموحدين سنة 1078 م. مصر والسودان.. الحدود ونهر النيل العلاقة الرئيسية بين السودان ومصر تكمن في الحدود الجغرافية الفاصلة التي تجمعهما، وكان ذلك منذ الفتح الإسلامي لمصر، عندما فكر عمرو بن العاص، في تأمين حدود مصر من ناحية السودان، فقام بفتحها، بعد عناء ومقاومة من أهالي النوبة بشكل خاص. وصنع مرور نهر النيل بمصر والسودان علاقة من طراز خاص، فحين قام الفريق إبراهيم عبود عام 1959 بتأسيس الدولة العسكرية في السودان، قامت مصر بعقد اتفاقية معه أفضت إلى رفع حصة السودان إلى 11 مليار متر مكعب من المياه، وذلك في إطار صفقة شملت بناء السد العالي في مصر والسماح بتدفق مياه بحيرة السد إلى داخل حدود السودان وإغراق حلفا القديمة. وحدثت أزمة مؤخراً، عرفت باسم أزمة دول حوض النيل، إذ طالبت السودان، والدول المشتركة مع مصر في منبع نهر النيل، بإلغاء الاتفاقيات السابقة التي تعطي لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان، ولكن بعد الثورة، بدأت الأزمة في الخمود عقب زيارة وفود شعبية إلى السودان ودول حوض النيل، للوصول للتوافق. أزمة الجزائر على الأراضي السودانية كانت الأزمة الكروية المعروفة بين مصر والجزائر، في عام 2009 على خلفية مباراة التأهل لكأس العالم، في الأراضي السودانية، وتحديداً الخرطوم، فبمجرّد إطلاق حكم المباراة صفارة نهاية المباراة، انطلقت حرب شوارع في السودان، الجزائريون يمسكون بأسلحة بيضاء، ويهاجمون بها المشجعين المصريين، ويقذفونهم بالحجارة، ويطاردونهم في الشوارع المختلفة بالعاصمة السودانية، وأدى الأمر إلى أزمة دبلوماسية كبيرة، وأصيب عدد كبير من المشجعين المصريين في هذه الاشتباكات، ورغم أن بعض الأهالي من السودان قاموا بنجدة المصريين، إلا أن ثمة اتهامات بالتقاعس وجهت إلى المسؤولين في السودان، بسبب تأخرهم في إسعاف المصابين، وسماح الأمن السوداني لتواجد هذه الأسلحة في الأساس. أزمة تصريحات علي كرتي في منتصف عام 2010، قام وزير الخارجية السوداني علي كرتي بإدلاء تصريحات خلال ندوة بالخرطوم، اشتكى خلالها مما أسماه ضعف معلومات مصر عن الحياة السياسية في السودان ودورها المتواضع تجاه قضايا جوهرية تؤثر في العمق الاستراتيجي لمصر. وطلب أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري حينذاك تفسيراً عاجلاً من الخارجية السودانية لهذه التصريحات، فقام عثمان خالد، المتحدث باسم الخارجية السودانية، بإدلاء تصريحات خاصة لهيئة الإذاعة البريطانية قال فيها: صحيح أنه وصف هذا الدور بأنه أقل مما هو مطلوب، ولكن كان هدف الحديث ومرماه هو الدعوة إلى مزيد من التفاعل المصري مع القضايا السودانية، وأن يكون لمصر دور أكثر إيجابية مما هو عليه الآن وفي تقديره أن هذه كانت دعوة نبيلة من كرتي، وفيها تقدير للدور المصري الحالي، ومطالبة بمزيد من الترابط بين السودان ومصر لمواجهة جملة القضايا الموجودة، والتي من بينها قضية المياه والترتيبات على صعيد دول حوض النيل، إذ أن السودان ومصر يشتركان فى نفس الرؤية ونفس الأهداف، على حد تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية. مصر والسودان بعد ثورة يناير بعد اندلاع ثورة يناير، دخلت العلاقات المصرية السودانية حيزاً جديداً من التعاون، بعد أن غابت لفترات طويلة، خاصةً إبان العصر المباركي، الذي ترك السودان تنقسم إلى دولتين شمالية وجنوبية، دون تدخل دبلوماسي للتوفيق فيما بينهما، مما أثر على مصر في علاقتها الخارجية بالسودان كوحدة. وبدأ ذلك التعاون من خلال عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق الذي ذهب في زيارة للسودان في أكتوبر من عام 2011، واتفق حينها مع عثمان طه النائب الأول للرئيس السوداني، على فتح سبل للتعاون في الطرق والنقل البري، حيث تم وضع خطة لعمل طريق شرقي يربط بين البلدين بشكل مباشر. كما اتفق شرف، بمعاونة الجانب الاسترالي، أن الجانب المصري سيقوم باستثمار ما يقرب 18 ألف فدان في السودان. واتفقوا أيضاً على توسيع رقعة التعاون في الثروة الحيوانية، خاصة ً أن طبيعة السودان تؤهلها لاحتلال مكانة هامة بهذا الصدد. وفي النهاية كان التأكيد على أن الثورة في مصر، لابد أن تكون دافعاً لتسهيل عمل رجال الأعمال في البلدين، في الشق الخاص بالاستثمار.