لم تتفوه الطالبة الجامعية "منى" بمفردات الدهشة والجدال عندما طلب سائق السيارة التي أقلتها سعرا إضافيا للأجرة، فدقائق الانتظار الطويلة تحت لهيب أشعة الشمس دون مرور أية مركبة جعلتها توقن أن منبه الحصار يقرع أجراسه من جديد في مدينة غزة. وتخشى منى أن تضطر في الأيام القليلة الماضية إلى السير على قدميها، فالمشهد يبدو كما تصف مؤلما للغاية ويزداد صعوبة ساعة بعد أخرى. وعلى مقربةٍ من إحدى محطات الوقود في قطاع غزة، اصطفت عشرات المركبات التي يبحث أصحابها عن الوقود المصري الذي أوشكت آخر قطراته على النفاد عقب إغلاق الأنفاق الممتدة على طول الحدود الفلسطينية المصرية. وكانت معظم الأنفاق المنتشرة أسفل الحدود بين قطاع غزة ومصر توقفت عن العمل بشكل كلي عقب تطورات الأحداث الأمنية الأخيرة في مصر. ويقول مالكو أنفاق إنّ بعض الأنفاق التي كانت تعمل بشكل محدود على توريد كميات قليلة من الوقود ومواد البناء والمواد الغذائية قد تعطلت عن العمل. وفي الأيام القليلة الماضية زاد الجيش المصري من تعزيزاته العسكرية على الحدود مع القطاع ، وكثف من حملات هدم الأنفاق التى تستخدم في تهريب الوقود والبضائع من مصر إلى غزة . ويضطر سائق الأجرة الخمسيني "محمد عاشور" يوميا إلى البحث عن السولار في أكثر من محطة دون جدوى. وأكد أن محركات عربته واحدة من مئات توقفت واصطفت في طوابير الانتظار بحثا عن الوقود المصري المفقود. ويعتمد الغزيّون بشكل أساسي على الوقود المصري القادم عبر الأنفاق في ظل انخفاض سعره مقارنة مع الوقود "الإسرائيلي". ويضطر الكثير من السائقين أمام ارتفاع سعر الوقود الإسرائيلي إلى رفع تسعيرة المواصلات. ويوميا يتم إدخال 120 إلى 150 ألف لتر بنزين إسرائيلي عبر كرم أبو سالم، بحسب تقديرات لجنة إدخال البضائع لقطاع غزة، ويتم بيعه بسبعة شواكل للتر الواحد، على عكس البنزين المصري الذي يبلغ سعر لتره ثلاثة شواكل (ما يعادل دولار واحد). وما يصل من معبر كرم أبو سالم وهو المعبر الذي أبقت عليه إسرائيل معبرا تجاريا وحيدا، بعد إغلاق معابر القطاع الحدودية عام 2007 لا يكفي لسد احتياجات الغزيين. ويحتاج قطاع غزة يوميا إلى 400 ألف لتر سولار ونحو 200 ألف لتر بنزين. وقال أحد تجار الأنفاق المختصة بإدخال الوقود والذي رفض الكشف عن هويته ل"الأناضول" إن 500 ألف لتر كانت تتدفق يوميا إلى القطاع من الأنفاق والآن لم يعد هناك أي حركة لإدخال الوقود المصري أمام محاصرة الأنفاق والتشديد الأمني المكثف الذي يزداد يوما بعد يوم. ومع بدء العام الدراسي يتخوف الموظف الحكومي "عامر رجب" "41 عاما" والأب لستة أبناء من انعكاس أزمة الوقود على المواصلات وشلل كافة مرافق الحياة، ويصف غزة في هذه الأيام ب"القبر" الذي" يسكنه أحياء. ويعود رجب بذاكرته إلى عام 2007 عندما فرضت إسرائيل حصارها المشدد والخانق على القطاع، ما دفع أصحاب سيارات الأجرة حينها لاستعمال زيت الطهي للتغلب على الأزمة. وتنتشر أكثر من 300 محطة وقود في قطاع غزة جميعها يعاني من نفاد الوقود المصري بشكل تام كما يؤكد المتحدث باسم جمعية شركات البترول "محمد العبادلة". ويقول العبادلة إن نفاد الوقود، أوقف حركة 50% من سيارات قطاع غزة الأمر الذي سيتسبب بكارثة إنسانية.