15 يوماً والحزن يرسم قسماته على وجوههم ويغرس بأنيابه فى قلوبهم الجريحة، لم يكن ألم فراق شهدائهم وحده موجعاً، زاد عليه تلك الشائعات التى طالت سيرتهم العطرة وبطولتهم المخلدة، وزاده أيضاً ذلك الشهيد الحى، رقم 17 فى كشف أبطال العملية.. خرج مع زملائه، عادوا جثثاً، لكنه لم يعد، ترك للجميع باب أمل مفتوحاً، ليس فقط ليعود سالماً، لكن ليروى لهم بطولات شهدائهم. أسر الشهداء تستقبل نبأ تحرير «الحايس» بالتكبير والزغاريد وتتلقى اتصالات تهنئهم بالثأر لأبنائهم.. والبعض يبدأ فى تلقى العزاء مع انطلاق أنباء تحرير «الحايس»، تحرر أسر الشهداء ال16 من أحزانهم، دبت فرحة غريبة فى قلوبهم، إنه الشعور بالثأر، عبَّر عنه بعضهم بشكر المولى عز وجل، وبالاستعداد لقبول العزاء فى شهدائهم، فيما خانت الفرحة البعض الآخر، وخرجت فى صورة زغاريد انطلقت رغم الحداد والأحزان، وتكبيرات انطلقت من بيت أسرة النقيب محمد الحايس، حين اجتمع أسر الشهداء لمباركة العودة والاحتفال بالثأر. مواقع التواصل الاجتماعى كانت دليل «محمد» شقيق «أنور» -شهيد الواحات- نحو معرفة الخبر، شاهد فيديو المتحدث العسكرى أكثر من مرة، تغالبه دموع الفرحة وهو ينظر إلى الإرهابيين يحاولون الهرب والطائرات فوق رؤوسهم: «دى كرامة للشهداء، ربنا جاب لهم حقهم، وشفا غليلنا فى الإرهابيين اللى وجعوا مصر كلها» يحكى «محمد» الذى سارع إلى إخبار بقية أفراد أسرته بالحدث، وبينما كانت الزغاريد تنطلق فى منزل الحايس، كانت عبارات التهنئة متبادلة بين الجيران بقرية ذات الكوم: «مبروك حق أنور وزمايله رجع». زوجة «امتياز»: مارضتش أتكلم إلا بعد ما حقه رجع ووالد عمرو صلاح: هروح للحايس وأقول له حق ابنى جه وعبر مواقع التواصل نفسها نشر أصدقاء الشهيد إسلام مشهور تهانيهم لأسرته بعودة حق ابنهم الشهيد، كان أحدها لأحمد عاشور، الذى اعتبر نفسه فى حداد حتى يعود حق «إسلام»: «الحمد لله اللى حصل ده أثلج صدورنا».. اتصال هاتفى تلقته والدة الشهيد مجند عمر فرغلى، لم تكد تنهيه حتى دخلت فى نوبات حادة من البكاء، إنه حيلتها الوحيدة، فرحاً وحزناً، «أصحابه فى الكتيبة اتصلوا علينا وقالوا لنا إن حق عمر جه» تحكى الأم «هنستنى الحايس لما يفوق ويحكى لأهالى الشهداء عن بطولات ولادنا». كمن فقد النطق، أو القدرة على الحياة، ظلت سحر السيد صامتة، طيلة 13 يوماً، منذ تنفيذ العملية الإرهابية وحتى يوم أمس، أرملة الشهيد العميد امتياز إسحاق محمد لم تجد ما تقوله طيلة هذه الفترة، لكنها الآن تتحدث ولأول مرة، حين شعرت بأن «حق شهيدها قد عاد»، لم تقبل سحر وغيرها من أهالى الشهداء عزاء واحداً، لكنها وبعد عودة «الحايس» قررت أن تتقبل ما رفضته سابقاً، تحكى السيدة التى راحت تسرد تفاصيل أيام العميد الأخيرة معها، حيث كانت على سفر فى مهمة عمل ليلة الأحد التى سبقت الحادث، وأخذ فى توصيتها على نفسها، تبكى السيدة وهى تتذكر تلك اللحظة «جه يوصلنى المطار، وفوجئت به بيحضننى وبيطبطب عليا، ويقولى خلى بالك على نفسك كويس». شعرت «سحر» أنها تحتضن شهيدها حين تلقت الاتصال من زملائه واستمعت إلى العبارة الموجزة «حق الشهيد رجع».. تنوى «سحر» وابنها «نور» زيارة «الحايس» عقب شفائه، لتهنئة البطل والاستماع لبطولة الشهيد امتياز، يروى «نور»: «بعد الحادثة جريت على المستشفى وقابلت أحد المجندين المصابين، حكى لى عن أبويا إنه كان بيتعامل بالسلاح رغم إصابته» رأى «نور» فى عيون المصابين ما يجعله يعيش عمره كله فخوراً حاملاً شهيده فوق رأسه. ليس أسعد من والد «الحايس»، سوى والد الشهيد عمرو صلاح، رقص الرجل فرحاً بالمعنى الحرفى للكلمة، «الحايس» كان بمثابة الشقيق الأصغر لنجله الشهيد عمرو «هروح له وأقول له إنهم كانوا رجالة، وإن حقهم جه ولو راح عمرو فى 100 عمرو، والبلد هتفضل على حيلها وهتجيب حق كل اللى ماتوا».