دعت بعض الحركات الشبابية واليسارية الفريق عبدالفتاح السيسى إلى الاستقالة بعد تصاعد المواجهة مع الإخوان، ظنا منها أن خلع كل من «مرسى» و«السيسى» وإجراء انتخابات رئاسية سريعة يمكن أن يخلق نوعا من التعادلية التى تؤدى بمصر إلى الاستقرار. دعونى أذكّر هؤلاء بجانب من أحداث الفتنة الكبرى التى وقعت فى زمن عثمان بن عفان (رضى الله عنه)، والتى قتل «عثمان» فى بدايتها، ليخلفه فى الحكم على بن أبى طالب الذى دخل فى صراع مرير مع معاوية بن أبى سفيان والى الشام وولى دم عثمان. التقى الطرفان فى موقعة «صفين»، وبعد أن أوشك جيش «على» على هزيمة جيش «الشام»، رفع أنصار «معاوية» المصاحف على أسنة الرماح مطالبين بتحكيم كتاب الله، وتم بالفعل تشكيل هيئة تحكيم ضمت كلاً من أبى موسى الأشعرى وعمرو بن العاص، واتفق الحكمان على خلع كل من «على» و«معاوية» عن الحكم وترك الأمر للمسلمين ليختاروا لأنفسهم، لكن هذا الأمر لم يتم بسبب الخدعة الشهيرة لعمرو بن العاص. خلع رأس الطرفين المتصارعين وترك الأمر للناس ليختاورا لأنفسهم هو الحل السحرى فى حالة وجود فتنة وصراع متواصل على السلطة بين طرفين، يكون بإمكان كل طرف منهما أن ينال من الطرف الآخر ويوجعه، ذلك ما لجأ إليه الحكمان زمن الفتنة الكبرى. ومصر اليوم تعيش فتنة طاحنة ما بين طرفين أحدهما جماعة الإخوان المؤيدة بكوادرها وأعضائها وبعض المتعاطفين معها من المصريين، وثانيهما السلطة الجديدة التى أفرزتها الموجة الثورية الثالثة فى «30 يونيو»، ويقودها الفريق أول عبدالفتاح السيسى، مدعوماً بالملايين من المصريين. ولا أكاد أشك فى أن الكثير من الأطراف الدولية والعربية -وربما المحلية- التى سعت إلى حل مشكلة التنازع بين الطرفين فكّرت فى اللجوء إلى ذلك الحل السحرى الذى اعتمده أبوموسى وعمرو بطرح فكرة خلع رأس أو قيادة كل طرف، لتتوارى صورة كل من «مرسى» و«السيسى» عن الظهور بين أيدى الطرفين المتنازعين فى الشارع، ليختار المصريون من يشاءون لحكم بلادهم. ويبدو أن هذه الفكرة المثالية عندما تنتقل إلى التطبيق على أرض الواقع لا تحظى بما تتمتع به من وجاهة نظرية. لو كانت الفكرة قابلة للتطبيق لقبل بها الأوائل من أفاضل المسلمين زمن صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لذلك ظلت الفتنة قائمة إلى أن ظهر الحسن بن على على مسرح الأحداث، بعد مقتل على بن أبى طالب. كان الحسن الشخصية الوحيدة التى امتلكت شجاعة التنازل عن الحكم، رغم اللوم العنيف الذى ووجه به من كل المحيطين به، بمن فيهم «الحسين بن على». فعلها حقنا لدماء مناصريه ودماء معارضيه من المسلمين. أليس من الأولى بمن يصفون جماعتهم ب«المسلمين» ومعارضيهم بالكفرة والملحدين أن يقتدوا بابن بنت رسول الإسلام؟!