وانتحر الإخوان حين توهموا أن بوسعهم أن يتمادوا طويلاً فى «خداع» العالم مثلما خدعوا المصريين، ويستدرجوا الكل فى مشارق الأرض ومغاربها إلى فخ التعاطف معهم والإشفاق عليهم والذهاب إلى أقصى حد فى تأييدهم والاعتقاد بأنهم طرف صادق الوعد، موثوق العهد، يظهر ما يبطن، ويقول ما ينوى فعله، ومأمون على أن يكون طرفاً طبيعياً فى السياسات والعلاقات الدولية الراهنة. فها هى كفيلتهم أمريكا، تكتشف سريعاً أن للجماعة وجهين، وها هى ألمانيا التى طالما قالت «لنمنحهم فرصة» تستعيد تجربة «هتلر» وترميها عليهم وتخشى أن يكونوا أيضاً ممن يتسلقون سلم الديمقراطية، ثم يرفعونه خلفهم حتى لا يصعد غيرهم عليه، وها هو رئيس الهند يقولها صراحة لمرسى حين زار نيودلهى: «الديمقراطية لا تمارس لمرة واحدة». كل هذه المعانى التى وردت فى المقالات الأربع ويحاول كتابى: «انتحار الإخوان.. انطفاء الفكرة وسقوط الأخلاق وتصدع التنظيم» أن يناقشها، منطلقاً من فكرة مفادها أن ما كان فيه الإخوان من ارتفاع الآن هو «صعود إلى الهاوية» وليست «لحظة التمكين» كما يظنون، ويقدم أدلة وبراهين على ذلك من خلال مقالات معمقة ودراسات، تتناول مظاهر السقوط الأخلاقى للجماعة، ولماذا يفشل الإخوان فى إدارة الدولة؟ ومدى تغير الصورة النمطية لهم فى المخيلة الشعبية من الإيجابية إلى السلبية وتأثير ذلك على مستقبلهم، وعلاقة الإخوان بالجيش وسيناريوهات تطورها قبل الثورة وبعدها، وحجم الخلاف مع شباب الثورة، وكيف تم الخروج على المشروع الثورى، والتعامل مع ما جرى باعتباره فرصة للجماعة وليست ثورة للشعب. ويتناول علاقة الإخوان بالسلفيين والجماعة الإسلامية والسلفية الجهادية، وكيف ينظر الإخوان إلى أنفسهم كطائفة اجتماعية ودينية وذلك من خلال تحليل مناهج التثقيف والتربية داخل الجماعة، والأناشيد التى ترددها. ونمط العائلة الأيديولوجية الإخوانية التى لا مثيل لها فى المجتمعات الإنسانية، وما تنتجه من علاقات مصاهرة سياسية، وما تتركه من بصمة على الشخصية الإخوانية. ومظاهر عودة التنظيم الخاص وتجدد العنف الإخوانى ومحاولة بناء أطر بديلة للدولة بما فى ذلك جهاز مخابرات خاص، والتناقض الصارخ بين ورشة الجماعة ومعرضها، فالأخير يضم الوجوه الباسمة التى يصدرونها للإعلام وهم قلة، بينما الأول هم الرجال المتجهمون والمتزمتون المتحكمون فى صناعة القرار، وكذلك الميل إلى «التنظيم الدولى» للجماعة على حساب «الوطنية»، والسعى الزائف الغارق فى الوهم نحو ما يسمى ب«أستاذية العالم». كما يتناول الكتاب التوجه الاقتصادى للجماعة والذى يرتكز على نمط تجارى ريعى سميته «الرأسمالية المتوضئة»، ويجب أيضاً على تساؤل حول أسباب موت الخيال عند الجماعة الإخوانية، حيث يؤثر نهج السمع والطاعة على القدرات الإبداعية للأفراد، وكذلك حول ظاهرة «المتأخونين» وهم أولئك الذين التحقوا بالجماعة بعد حيازتها السلطة بحثاً عن منافع شخصية، مثل ما كان يحدث مع الحزب الوطنى الديمقراطى المنحل وأمانة سياساته. وأخيراً يعرج الكتاب على طرح بدائل فكرية وحركية منها: الحاجة إلى التصوف، ومشروع الإحياء الإسلامى، وتعزيز المسار المدنى، وسبل مواجهة التطرف الدينى.