على مدار عام ونصف مرت منذ 25 يناير حتى الآن، تصدر الجدل والصراع السياسى الساحة المصرية، ووقف على الجانب الآخر الاقتصاد المصرى ليواجه وحده عواصف التغير السياسى ليتحمل فاتورة الثورة المصرية، أو هكذا يراد له. ولم يكن تراجع الاحتياطى النقدى وحده أبرز سمات التراجع، بل هبطت معدلات الاستثمار والنمو الحقيقى، وتوقفت عدة قطاعات استراتيجية بشكل شبه تام. وفيما يشبه «روشتة» عاجلة وسريعة، حدد عدد من الخبراء الاقتصاديين البارزين أهم الأولويات التى يجب على أول رئيس منتخب للبلاد ليس فقط النظر إليها بعين الاعتبار، لكن أن تكون على رأس أولوياته فى تلك المرحلة. وقال الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الأسبق، إن أول خطوة لابد أن يتخذها الرئيس الجديد هى إعادة المفاوضات مع صندوق النقد الدولى لإتمام الحصول على القرض البالغة قيمته 3٫2 مليار دولار، مؤكدا أن تلك الخطوة ضرورية للغاية فى الفترة الحالية، لكونها بمثابة شهادة اعتراف بأن مصر لديها سياسات اقتصادية متماسكة، مشيرا إلى أن إتمام ملف قرض الصندوق سيعود بالنفع على صورة الاقتصاد المصرى فى الخارج، وسيعزز من ثقة المستثمرين والمقرضين الأجانب. وأكد رضوان أن الفترة الحالية تتطلب وجود حكومة «تكنوقراط» يكون من أول مهامها وضع خطة على الأجل القصير القريب والمتوسط والبعيد، ورفض فى الوقت ذاته فكرة الحكومة الائتلافية، باعتبار أنها ستشهد صراعات وانقسامات حادة بين الأحزاب بما يحول دون الإصلاح الاقتصادى. وقالت الدكتورة ماجدة قنديل، المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية إن الفترة الحالية ليست فترة «فلسفة» اقتصادية أو الحديث عن أيديولوجيات، مؤكدة أن وجود رئيس منتخب يمثل خطوة على طريق الاستقرار السياسى، وأن الوضع الاقتصادى الحالى حرج للغاية، معتبرة أن التواصل مع مؤسسات التمويل الدولية أمر لا مفر منه فى الفترة الحالية. وأضافت أن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تم عرضه على صندوق النقد الدولى جيد، وقد يسهم فى إعادة ثقة المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى، وأوضحت أن إصلاح المنظومة المالية لابد أن يكون على رأس قائمة أولويات الرئيس الجديد، وأن تقليص عجز الموازنة من خلال إعادة هيكلة ملف الدعم أمر حتمى لتقليص عجز الموازنة وخفض تكلفة الاقتراض الحكومية. وشددت قنديل على أهمية ترشيد الإنفاق فى المرحلة الحالية، رافضة الاقتراب من ملف الضرائب فى الفترة الحالية لزيادتها. وقالت: «أتمنى ألا يتم الاقتراب من الضرائب فى ظل اقتصاد ضعيف، لكن هذه الخطوة قد تكون مناسبة بعد ذلك». وأكد إبراهيم سيف، الباحث الاقتصادى بمركز كارنيجى للسلام الدولى -مكتب بيروت- أن الاقتصاد المصرى أمام خيارين: الأول يتمثل فى الاستمرار فى الإدارة بنفس الطريقة التى أدير بها عقب 25 يناير، وهو ما سيؤدى إلى وضع كارثى فى رأيه، بينما يتمثل الخيار الثانى فى الإسراع فى اتخاذ خطوات إصلاحية، من بينها توقيع قرض صندوق النقد، واتخاذ قرارات جريئة فى ملف الدعم، مطالبا رئيس الجمهورية بتوضيح الوجهة الاقتصادية لمصر فى الفترة المقبلة. واعتبر سيف أن المفتاح الحقيقى للإصلاح الاقتصادى يكمن فى إعادة النظر فى التركيبة الاقتصادية ذاتها، بما يعنى تفكيك منظومة الاحتكار وسيطرة فئة قليلة على الإنتاج. وطالبت الدكتورة نهى مكاوى، الباحثة الاقتصادية بمؤسسة فورد، كافة القوى السياسية مطالبة بالنظر إلى المساحات التى عليها إجماع فى الملف الاقتصادى والبدء بها، ولفتت إلى أن ملف الدعم من ضمن أبرز الملفات التى لا يختلف أحد على ضرورة هيكلتها وإعادة النظر بها. وقالت مكاوى إن العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق مباشرة مع بداية عملية الإصلاح الديمقراطى، مشددة على أهمية إقناع الرأى العام وكافة الأطراف بالسياسات الإصلاحية.