مثله مثل عبدالرحمن الأبنودي وأمل دنقل والعديد من شعراء ومبدعي الصعيد، ساهمت والدته في تكوين حسه الشعري الذي أبهر كل من سمعه، فقد نشأ في صعيد مصر، حيث السيدات ينشدن أمام الفرن وأثناء القيام بأعمال المنزل حتى يمر الوقت بسرعة، لكن الوقت لم يكن هو فقط الذي يمر، فقد مرت أناشيد والدته بعقله لكنها لم تخرج منه أبدا، بل أخرجت إلينا شاعرا من أعلام المبدعين في مصر، إنه الشاعر الراحل عبدالرحيم منصور ابن قرية دندرة بقنا، والذي يوافق اليوم ذكرى وفاته. عشق عبدالرحيم منصور مصر عشقا شديدا، فكتب أغلب أشعاره مناجيا إياها وفرحا بها، ومعبرا عن كل ما يحس به المواطن المصري، فنجده يقول "متحلفيش يا مصر بالغلة.. ولا بالحليب الصابح البكري.. متحلفيش بندعة القلة.. ولا بريم البحر والقمري.. متحلفيش بجدي عبدالله.. ولا بعزوة ولدك البكري.. متحلفيش يا مصر بعد الله.. إلا بدم الشهيد". "وأنا على الربابة بغني" أغنية من أشهر ما كتب بعد انتصارات أكتوبر المجيدة، كتبها منصور متأثرا بنشوة الانتصار مثله مثل جموع المصريين والعرب الذين رفعوا رؤوسهم بعد استعادة الأرض، ولحنها بليغ شوقي، ليتم تسجيلها في الخامسة من فجر السابع من أكتوبر 1973، وفق ما قاله الإعلامي الراحل وجدي الحكيم في أكثر من حوار صحفي. لم تكن تلك هي الأغنية الوحيدة وقت الانتصار، فمنصور المنتشي بفرحة النصر كتب في نفس التوقيت أيضا أغنية شهيرة أخرى لحنها بليغ حمدي أيضا، وهي أنشودة "بسم الله" التي يقدم جنود وطلبة القوات المسلحة العروض العسكرية على نغماتها إلى وقتنا هذا. تأثر منصور وبليغ حمدي بالوطن وإحساسهما بعظم دور "الكلمة" في النهوض به، جعلهما يخرجان لنا العديد من أغاني النصر، وبالطبع لم يكن من السهل أن يترك فنان بحجم عبدالحليم حافظ هذا الأمر، ليقدم معهما بعد انتصار أكتوبر أغنية "قومي يا مصر". قدم الراحل عبد الرحيم منصور دويتو حاز إعجاب الكثير من أبناء جيله مع المطرب النوبي والملحن الراحل أحمد منيب، حيث أخرجا للمستمع العديد من الأغنيات التي علقت في عقله إلى الآن، منها "ربك هو العالم، ويا وعدي على الأيام دي، واتمايلي". كما تعاون منصور مع أحمد منيب، كان من الطبيعي أن يتعامل مع المطرب الشاب محمد منير وقتها، وهو من اعتبره الجميع امتدادا لأحمد منيب، فقدم في بداياته العديد من أغاني منيب، ثم قدم مع عبدالرحيم منصور العديد من الأغنيات التي لحن أغلبها أحمد منيب نفسه. وكما تعاون محمد منير مع الراحل عبد الرحيم منصور، بسبب احتضان الشاعر الكبير للمواهب الواعدة وقتها، لم يكن غريبا أن يتعاون معه أيضا الفنان عمرو دياب، بقدم من كلماته أغنيات "إيش حال الشجرة، وقلوع، ويا طريق، ونور يا ليل". احتضان منصور للمواهب الشابة لم يقتصر على محمد منير وعمرو دياب فقط، فها هو الشاعر الكبير يكتب للعديد من المواهب الشابة وقتها أمثال "علي الحجار، مدحت صالح، سميرة سعيد، عماد عبدالحليم، وليد توفيق، هاني شاكر، محمد ثروت". قدم الراحل عبدالرحيم منصور مع المطربة نجاة العديد من الأغنيات كان أبرزها "أنا بعشق البحر"، والتي غناها محمد منير بعد ذلك في أحد ألبوماته. لم يعرف الكثير من محبي عبد الرحيم منصور أنه كتب أغلب أغنيات ألبوم الفنان الشعبي كتكوت الأمير، الذي لحنها أحمد منيب وهاني شنودة، ومنها "المواويل، بتقول يا بكرة، حظوظ، لفيت كتير". توفي عبدالرحيم منصور في مثل هذا اليوم بعد أن ترك مكتبة غنائية وشعرية ضخمة تضم كل ما هو غال ونفيس في ذاكرته الفن المصري.