بعد الانتهاء من العديد من لقاءات واجتماعات العمل فوجئت بخبر انتحار المطرب Chester Bennington، وهو المغني الأول أو Lead Vocalist في فريق الروك العالمي Linkin Park، خبر لم يحزنني بقدر إيقاظه لشجون قديمة، مرتبطة بنمو حاسة السمع والاستماع لدي. المرة الأولى التي استمعت فيها وعرفت عن Linkin Park وموسيقاهم الصاخبة، كان داخل شقة بولاق أبوالعلا، بدت الشقة كمعمل لنا منذ بداية المرحلة الإعدادية، وحتى انتهاء المرحلة الجامعية، "عصام الديب" بن بولاق البار صديق العمر والدراسة كان صاحب المعمل أو الشقة إن جاز التعبير، وصاحب السمات القيادية التي كثيرا ما صنفته ك"بهجت أباصيري الفصل". المعمل كان عبارة عن غرفة صغيرة ذات شرفة واسعة تنطلق على شارعين، منهم شارع بولاق الجديد -أطول شارع في بولاق أبوالعلا- الذي يبدء من أمام مسجد السلطان أبو العلا في شارع 26 يوليو، حتى مركز شباب بولاق أبوالعلا، متاخما لحدود حي الأزبكية. المعمل كان نافذتنا على العالم من "موسيقى، مذاكرة، ولائم واسكتشات تمثيلية"، كان مزيجا من عالم حديث وعالم قديم، فقد كان يحتوي على أحدث جهاز صوت "استريو" -وارد أمريكا على ما أذكر إن لم تخني الذاكرة- مشتبك مع جهاز كمبيوتر مزود بأنواع موسيقى شرقية وغربية، أما عن الإضاءة فكان يعتلي سقف المعمل مصباح ضوئي يعرف باسم "فلاشر"، مازال يقبع في مكانه صامتا، غالبا ما يستذكر أيام الشموخ كمؤثر ضوئي لموسيقي Linkin Park، وموسيقي ال Hip-Hop التي كانت من تخصص زميل المعمل محمد خليل، الذي تحول فيما بعد لفاعل في مجال الموضة والأزياء وصاحب "براند ملابس ". تلك التفاصيل تجعلنا نعود إلى الوضع الاقتصادي والطفرة وقتها، ففي بداية الألفية عاصرنا ثورة التكنولوجيا المنزلية، حيث أتاح أحمد نظيف وزير الاتصلالت وتكنولوجيا المعلومات وقتها فرصة لاقتناء التكنولوجيا بشكل واسع، وفي الصدارة من تلك التكنولوجيا كانت أجهزة الكمبيوتر، وهي الاأداة التي استخدمتها واستهلكتها الطبقة الوسطي في مصر إلى المنتهى، حتى أن أخى عندما حصل على درجات مئوية مرتفعة لم يفكر سوى في كلية الحاسبات والمعلومات إلا من منطلق تجاري واجتماعي حينذاك، وهو ما يرتبط بمفهوم العرض والطلب في السوق. مساحة الحرية التي كنا نفتقدها في منازلنا كنا نعوضها ونجدها في معمل بولاق أبوالعلا، ملتقية مع الفضاء التكنولوجي والعالم الحر الذي وفرته شبكة الإنترنت لنا ولأبناء جيلنا. وهنا أود أن أذكر بعرفان السيدة المثقفة أرملة الصحفي الكبير بجريدة المساء "محمد عبدالدايم الديب " ووالدة صاحب المعمل "عصام الديب"، والتي كانت تستقبلنا في منزلها نحن ومجموعة كبيرة من أبناء مدرسة الجزيرة التجريبية للغات، لم نشعر منها ولو لمرة بأي غضاضة أو سقم من وجودنا داخل بيتها، فكما عهدناها ما زالت حتى الآن كريمة، ما أن تطأ قدمك بيتها حتى تشعر أن المنزل ملكك. انقطع Bennington بجسدة عن الأرض لكن ستظل ذكريات Linkin Park في شقة بولاق أبوالعلا.